31-أغسطس-2021

حملة جمهورية ضد بايدن على خلفية ملف أفغانستان (Getty)

الترا صوت – فريق الترجمة

في المقالة المترجمة أدناه بتصرف عن صحيفة الغارديان، نقاش عن أفق ومآلات الحملة التي يقودها قادة جمهوريون ضد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد ما يتم وصفه على نطاق واسع بأنه إخفاق في أفغانستان.


ربما قد نالت عمليات الإجلاء من أفغانستان بكلّ ما اعتراها من الفوضى والإرباك من صورة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي حرص على أن ترتبط بالكفاءة والتعاطف، لكن الهجمة السياسية الأخيرة من خصومه لن يكتب لها عمرٌ طويل على صعيد أثرها على بايدن وإدارته الحالية.

في هذه المقالة نقاش عن أفق ومآلات الحملة التي يقودها قادة جمهوريون ضد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد ما يتم وصفه على نطاق واسع بأنه إخفاق في أفغانستان

فحين وقع التفجير الانتحاري في محيط مطار كابول يوم الخميس، 26 آب/أغسطس، وراح ضحيته عشرات الأفغان، و13 عسكريًا أمريكيًا، بدا الجمهوريون حريصين على صياغة ردود فعلهم الرسمية، حيث التركيز في البداية على الثناء على بطولة من سقطوا من الأمريكيين، رغم أن بعضهم لم يقاوم إغراء اللحظة، وراح يطالب باستقالة القائد الأعلى للقوات المسلحة، جو بايدن.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص |أفغانستان: مستقبل قلق بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي

الردّ السريع أتى من المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، والتي قالت إن هذا اليوم "ليس يومًا للسياسة".  لكن الضغط السياسي قد بدأ على أشدّه بالفعل، وهو ما يدل على عزم الجمهوريين استغلال أزمة أفغانستان للتأثير على شعبية جو بادين والتغلب عليه في استطلاعات الرأي.

لقد ترتب على قرار جو بايدن الانسحاب الكامل من أفغانتسان بنهاية آب/أغسطس انهيار الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية، بسرعة فاقت كل التكهّنات، ولا يفوقها سوى السرعة التي اكتسحت بها طالبان البلاد وسيطرت عليها وصولًا إلى كابول. أما المشهد الذي اختزل هذا الانهيار، فقد تمثّل في تلك الفوضى المريعة في عمليات الإجلاء. من جهته، لم يعبّر بايدن عن أي ندم أو أسف، وذكر أنه وبعد عقدين من الحرب لم يعد للبقاء الأمريكي في أفغانستان أي تأييد يذكر على المستوى الشعبي.

لكن الجمهوريين متعطشين للمعركة الشرسة واستغلال الموقف الحرج لبايدن، والذي لم يتمكن خصومه قبل ذلك من تحديد فرصة أفضل للهجوم عليه مرشحًا أو رئيسًا. ورغم أن السياسة الخارجية الأمريكية نادرًا ما تكون حاسمة في تقرير مصير الانتخابات، إلا أن تخبّط بايدن الأخير في أفغانستان سيكون مكوّنًا أساسيًا في السردية التي يحيكها عنه خصومه، والتي ترى أن الرجل لا يمتلك الحلول التي تحتاجها أمريكا.

تقول مونيكا ماكديرموت، أستاذة العلوم السياسية في جامعة فوردام في نيويورك: "لو كانوا أذكياء، فسيستغلون الموقف إلى أقصى مدى من أجل التغلب عليه، لأنه حتى هذه اللحظة في رئاسته، لم يرتكب بايدن خطأ أكثر فداحة. فالانتقادات تنهال عليه من الجميع، ديمقراطيين وجمهوريين، فهي ليست مسألة حزبية بالضرورة، ويمكن للجمهوريين قطعًا تحصيل بعض الأفضلية، لاسيما وأن الرأي العام الأمريكي مستاء مما يجري، وهذه هي فرصة الجمهوريين لنيل بعض الزخم وتحقيق التقدّم لو نجحوا في تجيير ما حصل ضدّ الرئيس". وتضيف ماكديرموت: "ثمة خطر في استغلال مقتل عسكريين أمريكيين على هذا النحو، إلا أنّها المدخل الأساسي للهجوم على بايدن في هذه اللحظة".

لقد عبرت إدارة بايدن الأيام المئة الأولى بعد توليه المنصب باقتدار وكفاءة، إذ حقق عددًا من الإنجازات التشريعية، إضافة إلى التقدم في برامج التطعيم بلقاحات كورونا، والتي كان لها أثر في مواجهة الجائحة. لكن لم يكد بايدن يتنفس الصعداء وتذوق طعم تلك النجاحات، حتى باغتته أزمة أفغانستان والتقدم الذي أحرزته طالبان، في اختبار علني صعب لمدى كفاءته وقدرته على القيادة.

لم يتردد بايدن في الدفاع عن النهج الذي قرر اتباعه في أفغانستان، مشيرًا إلى أنّه قد ورث عن سلفه دونالد ترامب، الجمهوري، صفقة كان قد أبرمها مع طالبان، تلتزم الولايات المتحدة بموجبها بالانسحاب من تلك البلاد بحلول أيار/مايو 2021. كما حاول البيت الأبيض استعادة سيطرته على الصورة السائدة حول الوضع، بالتركيز الدائم على أعداد من جرى إجلاؤهم بنجاح، والتي تجاوزت 100 ألف إنسان، لتكون بذلك أكبر عملية إجلاء مسجّلة في التاريخ.

لكن الصورة كانت قاتمة وفوضويّة ودمويّة، وقد كان للاهتمام الإعلامي بها داخل الولايات المتحدة، أثر مباشر منح الجمهوريين فرصة سانحة لتوحيد صفوفهم لتحقيق هدف مشترك.

فترامب وصف الانسحاب بأنه "أكبر إذلال في تاريخنا"، داعيًا بايدن للاستقالة فورًا من منصبه. أما ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، رغم خلافه مع ترامب، إلا أنّه أكّد على أنّ ما حصل "فشل ذريع"، وحذّر من مغبّة أن يستمر بايدن "في نقل رسالة إلى العالم بأن أعظم قوّة عظمى في تاريخ العالم ستترك الإرهابيين ورجال العصابات يملون علينا ما نفعل". وهي النبرة ذاتها التي تكررت على لسان العديد من زعماء الجمهوريين، مثل ليندسي غراهام، وليز تشيني، وغيرهم، والذين دعوا إلى عزل بايدن، واتهموه بأنه يضع الولايات المتحدة أمام تهديدات تفوق ما واجهته البلاد في 11 سبتمبر، وهي دعوات ازدادت حدة بعد تفجيرات الخميس التي سقط فيها جنود أمريكيون، والتي دفعت إليسستيفانيك، عضو الكونغرس الجمهورية عن ولاية نيويورك، إلى القول بأن يدي بايدن "ملطختان بالدم".

بيل والان، المستشار الإعلامي لبعض السياسيين الجمهوريين، يقول "إن الأزمة في أفغانستان والمشاهد المروعة من هناك تمثّل مادة جاهزة لأي حملة انتخابية"، وذلك على الرغم من أن الأمريكيين على بعد أكثر من عام على الانتخابات النصفية التي يسعى فيها الجمهوريون لاستعادة مجلسي النواب والشيوخ.

ويعاني جو بايدن حاليًا من تراجع كبير في شعبيته، حيث انخفضت نسبة تأييده دون 50 بالمئة للمرة الأولى في استطلاعات الرأي المحلية، والتي تأثرت بشكل مضاعف ربما بسبب القفزة الجديدة في أعداد الإصابات بعدوى فيروس كورونا. كما انخفضت نسبة تأييده إلى 41% وفق استطلاع جامعة سافولك بالتعاون مع "يو أس إيه توداي"، حيث عبر 55% من المشاركين في الاستطلاع عن استيائهم من الرئيس.

يقول بيل والان: "إن نتائج الاستطلاعات واضحة جدًا. صحيح أن غالبية الأمريكيين أيدوا الانسحاب من أفغانستان، إلا أن الأغلبية أيضًا استاءت مما حصل، لأن الأمريكيين يطلبون أن يكون التنفيذ على نحو سليم، وهذا هو موضع الإخفاق الذي يحرج الرئيس. ما حصل سيكون نقطة مرجعية للدلالة على عدم الكفاءة، والتي لن يتوقف الجمهوريون عن تذكير بايدن بها".

لكن هذا التوافق النادر بين كوادر الجمهوريين لن يكتب له الاستمرار طويلًا على الأغلب، وذلك لأن ثمة تباينات أيديولوجية كبيرة بين جناح ترامب، الذي كان يؤيد أنصاره الانسحاب السريع من أفغانستان وغيرها، وبين جناح الصقور في الحزب، مثل ليز تشيني، والتي كان والدها ديك تشيني، أحد مهندسي الحرب على أفغانستان.

هذا التوافق النادر بين كوادر الجمهوريين لن يكتب له الاستمرار طويلًا على الأغلب، وذلك لأن ثمة تباينات أيديولوجية كبيرة بين جناح ترامب وبين جناح الصقور في الحزب

جون زوغبي، وهو كاتب ومختص باستطلاعات الرأي، يقول إن الجمهوريين سيسعون بالتأكيد إلى استغلال الموقف، لكنه شكّك في قدرتهم على اتباع أسلوب فعال في ذلك يتجاوز ميلهم إلى انتقاد كل ما يقوم به بايدن. يقول زوغبي: "لا يكفّ الجمهوريون الآن عن تكرار الحديث عن الانسحاب وما رافقه من كوارث. بل إنهم ينتقدون الآن تخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان، رغم أن رئيسًا منهم قد دخلها، ورئيسًا منهم قد حاول الخروج منها. وعلى كل، لا يبدو أن الجمهوريين سيلتزمون موقفًا واحدًا حتى النهاية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أفغانستان: اعتراف أمريكي بسقوط مدنيين بهجوم الأحد ودعوى لإقامة منطقة آمنة

ما حقيقة كون "مقبرة الإمبراطوريات" موطنًا لثروات تريليونية من المعادن؟