01-فبراير-2024
نيكي هايلي تُنافس ترمب حتى النهاية

نيكي هايلي مرشحة الحزب الجمهوري التي تُنافس ترمب حتى النهاية

باتت نيكي هايلي المنافسة الوحيدة لدونالد ترمب في السباق نحو حصْد بطاقة الترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، وذلك بعد انسحاب حاكم فلوريدا رون ديسانتيس. 

وعلى الرغم من غمز البعض في خبرتها السياسية وأصولها الهندية، وتقلّص حظوظها بعد فوز ترمب عليها في الانتخابات التمهيدية بنيوهامشر، فإنّ قربها من صقور حزبها الجمهوري وإجادتها اللعب على أكثر من حبل يُبقي حظوظها قائمة.

 

الأصول وتوتّراتُها

ولدت نيكي هايلي في 20 كانون الثاني/يناير 1972 في بلدة ريفية صغيرة تدعى بامبيرغ بكارولينا الجنوبية، وهي من أسرة من الهنود السيخ، هاجرت نهاية الستينيات للولايات المتحدة الأمريكية، وكانت عند مولدها تحمل اسم نيمراتا نيكي رانداوا، قبل أن تتخلص من اسمها الأول وتُبقي اسمها الأوسط وتَحمل لقب زوجها مايكل هيلي، ليصبح اسم شهرتها نيكي هايلي.

لعب ترامب على الأصل الهندي لنيكي هايلي، عندما دعاها إلى سحب ترشحها لأنه يعتقد أنها غير مؤهلة لمنصب الرئاسة، مستغلًّا بذلك موقفًا عنصريًا داخل اليمين المتطرف، يعتبر أنّ نيكي هايلي المتحدرة من أصل هندي غير مؤهلة لأن تكون رئيسة للولايات المتحدة، بسبب أصولها الهندية غير الأمريكية.

مع ذلك فاجأت هايلي الجميع بتصريحاتها الجديدة ردا على سؤال وُجه إليها عمّا إذا كانت متورطة في حزب عنصري؟ حيث قالت إن الولايات المتحدة "لم تكن قط دولة عنصرية"، على الرغم من اعتراف الدستور الأمريكي بماضي البلاد السيئ مع العبودية والعنصرية. ومع الضغوط المتزايدة على هايلي بسبب تصريحاتها تلك عادت لتنسّب ما ورد في على لسانها، معترفةً أنها واجهت العنصرية في طفولتها وشبابها، لكنها أكدت اختلاف حاضر الولايات المتحدة عن ماضيها. منتقدةً في ذات السياق ما أسمتها النزعات التقسيمية التي تقسم الناس على أساس العرق أو الجنس أو الحزب أو أي شيء آخر، مضيفة القول "لقد سئمنا بما يكفي من ذلك في أمريكا".

وانتهز المتحدث باسم حملة المرشحة الفرصة لمهاجمة ما وصفها بوسائل الإعلام الليبرالية التي تنفخ الريح في رماد نارٍ خامدة، فالاعتراف أن الولايات المتحدة عانت دائمًا من العنصرية لا يعني أبدًا أنها كانت دولة عنصرية. 

في جامعة كليمسون في كارولينا الجنوبية تخصصت نيكي هايلي في المحاسبة، ما أهّلها للعمل في هذا المجال في بداية مشوارها المهني. كما تولت أيضًا، في ذات المجال، رئاسة الرابطة الوطنية لصاحبات الأعمال، قبل أن تنتخب أول مرة لعضوية المجلس التشريعي بولاية كارولينا الجنوبية في العام 2004. ولم تمض سوى 6 سنوات حتى أصبحت هايلي حاكمة للولاية عام 2010 لفترتين انتخابيتين، لتكون أول امرأة تحكم كارولينا الجنوبية، وثاني أمريكية من أصول آسيوية تحكم ولاية أمريكية. ناجحةً بذلك في شق طريقها نحو تحقيق طموحاتها السياسية، خاصة بعد تعيين ترمب لها في منصب سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، بعدما استقالت في منتصف ولايتها الثانية كحاكمة.

ودائمًا في إطار توترات الهوية في تجربة هايلي السياسية، تعتبِر المرشحة الجمهورية أنّ إحدى نقاط قوتها كونُها تمكنت من قيادة ولاية ساوث كارولينا بعد مقتل تسعة من المواطنين السود في كنيسة في تشارلستون عام 2015، حيث أقدمت هايلي بعد واقعة إطلاق النار تلك على اتخاذ قرار غير مسبوق بإزالة علم الكونفدراليين الانفصاليين من على المباني الحكومية باعتباره رمزًا للعنصرية. ففي حين يعتبر الجنوبيون أن رفع العلم تكريمًا للمقاتلين الجنوبيين الذين سقطوا في الحرب الأهلية، يعدّه الأمريكيون من أصل إفريقي واليساريون رمزًا للعبودية التي دافع عنها الجنوب وتمسك بها.

وترى الأوساط الصحفية الأمريكية أن ذلك القرار أسهم بشكل كبير في رفع شعبية نيكي هايلي، وكان النقطة المفصلية في لمعان نجمها السياسي.

مع الإشارة إلى أنّ مواقف هايلي من العنصرية والعبودية كان محط انتقادات كثيرة ما يزال بعضها يطاردها حتى اليوم، فقد استنكفت سابقًا عن ذكر العبودية كسبب للحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى وقع انتقادات النشطاء عادت للاعتراف بأن "العبودية هي السبب وراء الحرب الأهلية"، كما سبق لهايلي أن رفضت عندما كانت حاكمة لولاية كارولاينا الجنوبية تغيير العلم الكونفدرالي لهذه الولاية على الرغم من أن الكثيرين يعتبرونه رمزًا للعبودية والعنصرية.

سيبقى هذا التذبذب في مواقف هايلي سمة بارزة في تجربتها السياسية، ونقطة ضعف استغلها المنتقدون للتنبيه المتكرر على ضعف خبرتها السياسية.

من هي نيكي هايلي

 

البروز السياسي

صارت نيكي هايلي من الأسماء البارزة في الحزب الجمهوري، خاصة بعد اختيار ترمب لها في الـ23 من تشرين الثاني/نوفمبر سفيرةً في الأمم المتحدة. وذلك على الرغم من أنّها كانت من أشدّ منتقديه في حملته الانتخابية 2016، حيث كانت هايلي من داعمي ترشيح السيناتور ماركو روبيو في البداية قبل أن تعلن دعمها للسيناتور تيد كروز. 

ومن أكثر انتقاداتها شيوعا لترمب قولها إنّ "كل شيء لا يرغب فيه أي حاكم يوجد في ترامب". لكنّ ذلك لم يمنعها من العمل معه لاحقًا، والاحتفاظ بعلاقة ودية معه حتى بعد خروجها من تشكيلته السياسية.

وفي كتابها الذي ألّفته 2019 تحت عنوان "مع كل الاحترام الواجب.. الدفاع عن أميركا في السراء والضراء" ادعت هايلي مقاومة "إغراءات من كبار مساعدي ترامب كان هدفها تقويض سياساته"، وجاءت تلك الإغراءات حسب هايلي من كبير موظفي البيت الأبيض وقتها جون كيلي ووزير الخارجية حينها ريكس تيلرسون، حيث سعيا إلى ضمّها إلى مخطط للالتفاف على قرارات ترمب السياسية، والعمل على إظهار قراراته "على أنها خطيرة ومتهورة وتعرض الولايات المتحدة للخطر".

وعلقت هايلي على تلك الواقعة بالقول إنّه "بدلًا من قول ذلك لي، كان ينبغي عليهما قول ذلك للرئيس، وليس مطالبتي بالانضمام إليهما في خطة المعسكر المضاد"، مضيفة القول إنه "لم يكن بإمكاني القبول بقيام شخصيتين أساسيتين في الإدارة بإضعاف الرئيس".

وفي عملها كسفيرة لبلادها في الأمم المتحدة أبدت هيلي تشددًا واضحًا في 3 قضايا، هي قضية تعديل وإصلاح الأمم المتحدة، وحماية المصالح الإسرائيلية، ومعارضة إيران.

ولذلك كانت هايلي من أشد الداعمين لانسحاب بلادها من الاتفاق النووي مع إيران، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بالإضافة لدعمها قرار ترمب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.

وحول أساس خلافها مع ترمب، كشفت هيلي في كتابها عن سببين هما أساس الخلاف، الأول على صلة بروسيا، حيث انتقدت ما أسمتها ثقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا سيما نفيه تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية المنظّمة 2016. أما السبب الثاني فيتمثل في مساواة ترامب بين النازيين الجدد والناشطين المناهضين للعنصرية الذين تواجهوا في صيف عام 2017 في شارلستونفيل، حيث قال ترامب إن في كلا المعسكرين "أشخاصًا جيدين جدًا"، معتبرة تصريح ترامب ذلك "جارحًا وخطيرًا".

وههنا يبرز بشكل جلي لعب هايلي على عدة حبال، فهي من ناحية تغازل الأوساط اليمينية المتطرفة في بعض المواقف، بينما تسعى في مواقف أخرى لجذب منتقدي ترمب الأكثر اعتدالًا.

 

نيكي هايلي منافسة ترمب

 

الترشح للرئاسة

لعبت نيكي هيلي في خطاب إعلان ترشحها على أكثر من ورقة، فقد استغلت أصولها لتبرز فرادتها واختلافها، فهي حسب تعبيرها "لم تكن من أصحاب البشرة البيضاء ولا من أصحاب البشرة السوداء"، ولتحويل هذا الشعور بالاختلاف إلى عامل وحدة وقوة قالت في خطاب ترشحها إن والدتها نصحتها بأن "تركّز على القواسم المشتركة، لا على نقاط الاختلاف"، مردفة من جهة ثانية أنّ والدها لطالما ذكّرها بأنها وأسرتها "محظوظون بالعيش في الولايات المتحدة".

الورقة الثانية التي لعبت عليها هايلي كانت ضرورة التجديد، وعدم حصر خيار الأمريكيين بين مرشحيْن جرت تجربتهما، قائلة إن مؤسسة واشنطن "خذلتنا مرارًا وتكرارًا"، مردفة أنه "حان الوقت لجيل جديد من القادة لإعادة تعريف المسؤولية المالية وتأمين حدودنا (في إشارة لملف المهاجرين واختراق الصين للأجواء الأمريكية) وتعزيز بلدنا واستعادة فخرنا".

أما الورقة الثالثة التي دفعتها هيلي فتمثلت في تجربتها كحاكمة منتخبة لفترتين لولاية ساوث كارولينا، وقدرتها على مجابهة مشاكل شائكة أبرزها حادثة 2015 التي قتل فيها 9 من السود الأمريكيين في كنيسة تشارلستون، وكيف نجحت في قيادة الولاية في ظل تلك الظروف الصعبة.

وكانت ورقة هيلي الأخيرة هي إبراز وجهة نظرها في السياسة الخارجية، حيث تحدثت عن تجربة عملها سفيرةً في الأمم المتحدة، قائلة في هذا الصدد "رأيت الشر في الصين عندما ارتكبوا الإبادة الجماعية، وفي إيران عندما قتلوا شعبهم لتحديهم الحكومة. وعندما تخبرك امرأة بمشاهدة الجنود وهم يرمون طفلها في النار، فإن ذلك يجعلك تتأكد أنه حتى في أسوأ أيامنا، نحن محظوظون للعيش في أمريكا" على حد تعبيرها. ولم تنس هيلي توجيه الانتقاد لموسكو التي تتهمها بالعمل المستمر على تقويض الديمقراطية في العالم عبر سلاحها المفضل المتمثل في التدخل الانتخابي.

وعلى الرغم من تضاؤل حظوظها في الفوز على ترمب، أكّدت هايلي استمرارها في السباق حتى آخر رمق، مشددة على أن "هذا السباق لم ينته بعد".

وفي محاولة لرفع فرصها قالت نيكي هايلي إن الديمقراطيين "يعلمون أنّ ترمب هو الجمهوري الوحيد في هذا البلد الذي يستطيع جو بايدن أن يهزمه"، مؤكدة في منشور لها على منصة أكس أنّ لديها "أسلوبًا ونهجًا مختلفين عن جو بايدن ودونالد ترامب. حيث لا دراما. لا ثأر. لا تذمر. فقط نتائج" على حدّ قولها.

وفي هذا السياق تَعِد نيكي هايلي الأمريكيين بسياسة مالية جديدة، تُعيد اكتشاف المسؤولية المالية، وتسيطر على التضخم الذي وصل مستويات قياسية في ظل عهدة بايدن الأولى.

 

من أقوال هايلي المتحيزة لإسرائيل: ما يجب على الولايات المتحدة فعله هو دعم أي شيء تعتقد إسرائيل أنه سيحافظ على أمنها.

 

المواقف الخارجية

تبدو نيكي هايلي في مواقفها من السياسة الخارجية لبلادها صدامية ومتشددة إلى حد بعيد. فهي تدعو إلى ضرورة محاسبة روسيا بسبب عملها على تقويض الديمقراطية عبر سلاح التدخل الانتخابي الذي استعملته ضد بلادها 2016. 

وبشأن الصين تتوعد بالرد على كل تهديدات بكين التي تتهمها بارتكاب الإبادة الجماعية، في إشارة إلى ملف الإيغور.

وأثناء عملها كسفيرة لواشنطن في الأمم المتحدة، وبالتحديد في أيلول/سبتمبر 2017، كانت حادة في لهجتها ضد روسيا وإيران والنظام السوري، حيث حذرت الجميع من عواقب وخيمة "إذا واصلت روسيا وإيران التصعيد في سوريا"، كما أكدت في جلسة لمجلس الأمن أن بلادها سترد على أي استخدام للأسلحة الكيميائية.

وفي نفس السياق سبق لهايلي أن وصفت رئيس النظام السوري بشار الأسد بأنه "مجرم حرب".

أما بشأن إسرائيل والقضية الفلسطينية، فإن هايلي تعد من أشرس المدافعين عن إسرائيل، ففي 2017 أعلنت انسحاب بلادها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة احتجاجًا على ما وصفته بـ "التحيز ضد اسرائيل"، معتبرة أنّ مجلس حقوق الإنسان "أكبر فشل" لمنظمة الأمم المتحدة.

وفي المقابل تزعم أنّ "الفلسطينيين لا يريدون حل الدولتين. وأنهم يريدون تدمير إسرائيل"، نافية عن إسرائيل معارضة حل الدولتين، مستنتجة من ذلك أنّ "حل الدولتين مناقشة غير حقيقية".

وتردف هايلي القول إنّ ما "يجب على الولايات المتحدة فعله هو دعم أي شيء تعتقد إسرائيل أنه سيحافظ على أمنها".

وحول موضوع القطاع المحاصر ترى هايلي أيضًا أنّ "الإسرائيليين لا يريدون غزة لكنهم أيضًا لا يريدون إرهابيين على الجانب الآخر من حدودهم" على حدّ وصفها، مؤكّدة أنها "ستدعم ما تقوله إسرائيل للحفاظ على أمنها".

 

بالمجمل تظلّ حظوظ نيكي هايلي بالفوز ببطاقة الترشح عن الحزب الجمهوري ضئيلة على الرغم من إصرارها على مواصلة السباق حتى آخر نَفس. وتكمن مجموعة من الأسباب الموضوعية والذاتية خلف هذا الإخفاق المتوقع، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ضعف الخبرة السياسية لنيكي هايلي، والتردد الذي يغلب على مواقفها في الشأن الأمريكي الداخلي، فضلًا عن ذلك فإن أصولها الهندية الآسيوية تصعّب مهمّتها في نيل ترشيح حزب كالحزب الجمهوري، لا سيما في هذه المرحلة التي تطغى فيها اليمينية والشعبوية على الحزب.