26-ديسمبر-2023
تسعى "إسرائيل" إلى دفع سكان قطاع غزة نحو الحدود المصرية (GETTY)

المخططات الإسرائيلية السابقة، الشبيهة بهذه التصور فشلت كلها (GETTY)

نقلت مواقع إعلامية إسرائيلية عن مصادر سياسية قولها إن دولًا أبدت استعدادها لاستقبال النازحين الفلسطينيين من قطاع غزة بمقابل مادي.

وكشف عضو الكنيست عن حزب الليكود، داني دانون، في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية "كان"، ليلة أمس الإثنين، إن دولًا في أمريكا الجنوبية وأفريقيا عرضت على إسرائيل استقبال لاجئين من قطاع غزة بمقابل مادي، وبعضهم طلب أشياءً أخرى، لافتًا إلى أن إسرائيل ستبقى على اتصال مع الأطراف المعنية.

وشدد دانون على "السماح بالهجرة الطوعية للفلسطينيين، ومن يرغبون في المغادرة، وتسهيل ذهابهم إلى بلدان أخرى".

كشف عضو الكنيست عن حزب الليكود، داني دانون، في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية "كان"، ليلة أمس الإثنين، إن دولًا في أمريكا الجنوبية وأفريقيا عرضت على إسرائيل استقبال لاجئين من قطاع غزة بمقابل مادي

ولفت عضو حزب الليكود إلى أن "الهجرة تحدث في كل حرب. انظروا إلى ما حدث في سوريا"، وتابع: "أقترح أن نبقى على تواصل مع دول المنطقة، ودول في العالم، ولا نخيفهم بأعداد كبيرة".

وأشار دانون إلى أن وزير الهجرة الكندي مارك ميلر أعلن الأسبوع الماضي، أن بلاده ستطلق برنامجًا للهجرة، يتيح لسكان قطاع غزة الذين لديهم أقارب يقيمون في كندا، التقدم بطلب للحصول على تأشيرة مؤقتة. واعتبر دانون هذا الأمر "مرحب به. وينبغي تشجيعهم على المغادرة بأمان".

يذكر أن صحيفة "إسرائيل هيوم"، نقلت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قوله إنه يعمل على "تحقيق الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى"، جاء ذلك خلال اجتماع لكتلة الليكود في الكنيست، أمس الإثنين.

وبحسب الصحيفة العبرية، فإن تصريحات نتنياهو جاءت ردًا على النائب عن حزب الليكود داني دانون. وأوضح نتنياهو : "مشكلتنا هي الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين، ونحن نعمل على حلها".

وخلال الجلسة ذاتها قال دانون: إن "العالم يناقش هذا الأمر بالفعل، وزير الهجرة الكندي مارك ميلر تحدث عن هذه الأمور علنًا، وكذلك فعلت المرشحة الجمهورية محتملة للانتخابات الرئاسية الأمريكية نيكي هيلي"، وأضاف: "يجب علينا تشكيل فريق في إسرائيل يعتني بهذه القضية، ويتأكد من أن كل من يريد مغادرة غزة إلى دولة ثالثة، يمكنه القيام بذلك"، وتابع دانون: "يجب أن يكون هذا منظمًا، لما له من أهمية استراتيجية لليوم التالي للحرب". ورد نتنياهو أنهم "يعملون على ذلك".

getty

وبالتزامن مع الحديث السابق، نشر أستاذ الجغرافيا في جامعة بار إيلان الإسرائيلية (جامعة يمينية) غويل روسكين، مقالةً في صحيفة "جيروزاليم بوست"، قال فيها: "تعد شبه جزيرة سيناء واحدة من أكثر الأماكن ملائمة على وجه الأرض لتزويد شعب غزة بالأمل ومستقبل سلمي".

دانون والبحث عن التهجير

يشار إلى أن داني دانون، نشر مقالًا في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، دعا فيه إلى "صياغة خطة لنقل أجزاء من أهالي قطاع غزة، إلى عدة دول حول العالم".

وتشارك في كتابة المقال، الذي هو مقترح أكثر منه مقالة في صحيفة، عضو حزب الليكود والسفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون، وعضو حزب "يش عتيد" والنائب السابق لرئيس الموساد رام بن باراك. وجاء في المقال: "حتى لو استقبلت كل دولة ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، فإن ذلك سيساعد في تخفيف الأزمة في غزة".

وكما تفسير إسرائيل كافة القرارات الأممية، بما يتلائم مع تصوراتها، حال لم تتجاهلها، أشار المقال إلى قرار الأمم المتحدة الصادر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، الذي يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة"، وقال المقال إن قرارات الأمم المتحدة "لا تفعل شيئًا ملموسًا لمساعدة سكان غزة"، وطلب من المجتمع الدولي "استكشاف الحلول المحتملة لمساعدة المدنيين المحاصرين".

وعلى نسق "الوقاحة الإسرائيلية" المعتادة، ختم المقال، بالقول: "المجتمع الدولي لديه واجب أخلاقي -وفرصة- لإظهار التعاطف ومساعدة شعب غزة على التحرك نحو مستقبل أكثر ازدهارًا والعمل معًا لتحقيق قدر أكبر من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط".

المقال الصادر عن أفراد في أحزاب "التيار السائد" في دولة الاحتلال، وجد الترحاب لدى قادة "الصهيونية الدينية، إذ رحب وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش بخطة دانون وبن باراك، قائلًا: إن "هذا هو الحل الإنساني لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عامًا من اللاجئين والفقر والخطر".

وأضاف سموتريتش أن "منطقة صغيرة مثل قطاع غزة، بدون موارد طبيعية ومصادر رزق مستقلة، ليس لديها فرصة لاستدامة نفسها بشكل مستقل واقتصادي وسياسي... ولذلك، فإن استيعاب اللاجئين من قبل دول العالم التي تريد حقًا أن يكون لها مستقبلها، إن المصالح الفضلى، بدعم مالي سخاء ومساعدة من المجتمع الدولي، بما في ذلك دولة إسرائيل، هو الحل الوحيد الذي سيضع حدا لمعاناة وألم اليهود والعرب على حد سواء".

والخطة المطروحة، التي رحب بها سموتريتش، تتطابق بشكلٍ كلي، مع ما عرف بـ"خطة الحسم" التي كتبها سموتريتش قبل عدة سنوات، وكانت خيارات الشعب الفلسطيني فيها، "الاستسلام، أو الهجرة، أو القتل".

getty

كندا وهجرة مؤقتة!

وكان وزير الهجرة الكندي مارك ميلر قد أعلن الخميس الماضي، أن بلاده ستطلق اعتبارًا من بداية كانون الثاني/يناير المقبل برنامجًا للهجرة، يتيح لسكان قطاع غزة الذين لديهم أقارب كنديون أن يتقدّموا بطلب للحصول على تأشيرة مؤقتة.

وقال الوزير للصحفيين: إن "حكومة رئيس الوزراء جاستن ترودو ستمنح تصريح إقامة مؤقتة لمدة 3 سنوات لكل شخص يرغب بمغادرة قطاع غزة، وتربطه علاقة قرابة عائلية بمواطن كندي، سواء كانوا من الأصول أو الفروع أو من الأزواج"، وأضاف "نحن نعلم أن العديد من الكنديين قلقون بشأن سلامة أحبائهم في غزة، ولهذا السبب نعلن عن إجراءات هجرة مؤقتة"، مشيرًا إلى أنه في الوقت الحالي "من الصعب للغاية الخروج من غزة".

التلويح بالنكبة الثانية

وفي نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر، كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقلًا عن مصادر مطّلعة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لإقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر لقبول اللاجئين بعد إجبارهم على الخروج من غزة. 

وبحسب المصادر التي نقلت عنها الصحيفة، فإن الفكرة قد طرحت بشكل أولي عبر عدة دول من بينها التشيك والنمسا، وذلك في مناقشات خاصة مع زعماء في دول الاتحاد الأوروبي، إلا أنّها قد قوبلت بالرفض، ولاسيما من الدول الأوروبية الكبرى في الاتحاد، ومن بينها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، والتي وصفت الاقتراح بأنه "غير واقعي". كما أشار مسؤولون في هذه الدول إلى مقاومة المسؤولين المصريين المستمرة لفكرة قبول اللاجئين من غزة، حتى على أساس مؤقت، وهو الأمر الذي كانت القاهرة قد أعربت عنه بشكل واضح خلال الأسابيع الماضية، عبر إعلانها عن رفض "سياسة التهجير" ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية "على حساب دول الجوار". 

getty

وخلال الحرب الحالية، أنهت وزارة الشؤون الاستخباراتية الإسرائيلية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر، صياغة خطتها لتهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء وتوطينهم هناك، بعد اتخاذ اجراءات فعلية لمنع عودتهم.

وكشفت صحيفة "كالكيست" العبرية الاقتصادية النقاب عن الخطة وكتبت عنها: "وزير المخابرات جيلا غمالائيل يوصي بتهجير سكان غزة إلى سيناء، في نهاية الحرب وتحمل الوثيقة شعار وزارة الاستخبارات وتستخدم في المناقشات الداخلية بين الوزارات الحكومية. وليس من المفترض أن تصل إلى الجمهور، لكنها وصلت إلى مجموعة تقوم حاليا بتأسيس حركة تسمى "حملة إعادة الاستيطان لقطاع غزة" وهي هيئة تسعى إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة".

الوثيقة تطرقت لثلاثة بدائل لفترة ما بعد الحرب، ولكن البديل "الذي سوف يؤدي إلى نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد" هو نقل مواطني غزة إلى سيناء. وتتضمن الخطوة ثلاث مراحل: إنشاء مدن خيام في سيناء جنوب غرب قطاع غزة، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وأخيرا بناء مدن في شمال سيناء. وفي الوقت نفسه، سيتم إنشاء ما تم تسميته "منطقة معقمة" بعرض عدة كيلومترات داخل مصر جنوب الحدود مع إسرائيل، حتى لا يتمكن السكان الذين تم تهجيرهم من العودة.

 بالإضافة إلى ذلك، تدعو الوثيقة إلى خلق تعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول حتى تتمكن من استقبال الفلسطينيين المهجرين من غزة وتزويدهم بمساعدات إنسانية. تم ذكر كندا والدول الأوروبية مثل اليونان وإسبانيا ودول شمال إفريقيا من بين دول أخرى.

أمّا طموح التهجير الطوعي لأهالي القطاع، فقد ظهر مرةً في آب/أغسطس 2019، عندما نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، قوله إن إسرائيل مستعدّة لتمويل جسر جوي لنقل الراغبين بالهجرة من قطاع غزة. 

في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر، كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقلًا عن مصادر مطّلعة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لإقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر لقبول اللاجئين بعد إجبارهم على الخروج من غزة

سياسة قديمة

وفق مقالة للمختص في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب، فإن جذور هذا التفكير تعود إلى عام 1967، إذ قال: "في الجلسة الأولى للحكومة الإسرائيلية التي تلت احتلال قطاع غزة، اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك ليفي أشكول، أن أعداد اللاجئين في القطاع مشكلة معقدة ستواجه إسرائيل، وبعد فترة وجيزة جرى بلورة خطة التهجير بفرض ظروف حياتية صعبة في مخيمات اللاجئين".

وبفعل تطبيق خطة التهجير وصلت البطالة بين صفوف اللاجئين إلى 50%، كما أشار المؤرخ الإسرائيلي عمير رفيف الذي عقب على ذلك قائلاً: "وكان هذا الأمر بالنسبة للقيادة الإسرائيلية أمرًا رائعًا، لأنه لو كان مستوى الحياة جيدًا في غزة، لماذا سيُغادر الناس؟" وفق قوله.

وكشف يؤآف غلبور المؤرخ الإسرائيلي النقاب عن تفاصيل تلك الخطة: "في نهايةِ صيفِ عام 67 تمَ البدءُ بتأسيسِ مشروعِ تشجيعِ هجرةِ اللاجئينَ بغزة عبرَ سياساتٍ حكومية إسرائيلية، وأُجريتْ اتصالات مع شركاتِ هجرةٍ يهوديةٍ وغيرِ يهودية، وتلك الشركاتُ كانتْ تملكُ وكلاء من العرب، يعرفونَ الناسَ في مخيماتِ اللاجئينَ، والوكلاءُ يبحثونَ عن أشخاصٍ مرشحينَ محتملينَ للهجرة."