تتواجد قوات من الأمم المتحدة في جنوب لبنان منذ أكثر من أربعين سنة، وقد مرت العلاقة بين هذه القوات وبين المواطنين هناك بمحطات كثيرة، إذ يمكن تقسيم هذه الفترة إلى حقبتين: الأولى بين صدور القرارين 425 و425 والانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، والثانية بين الانسحاب وحرب تموز/يوليو 2006، وحتى يومنا هذا.
بينما يزيد الحديث عن احتمال قيام حرب بين إسرائيل وحزب الله في المستقبل القريب، يعود الحذر إلى العلاقة بين سكان الجنوب اللبناني وقوات اليونيفيل الأممية
الاحتلال الإسرائيلي: من آذار 1978 وحتى أيار 2000
في منتصف شهر آذار\مارس من العام 1978، شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا على جنوب لبنان، ردًّا على قيام الفدائيين الفلسطينيين بعمليات في الأراضي المحتلة انطلاقًا من الجنوب. واحتل الإسرائيليون يومها جزءًا كبيرًا من الجنوب وصل إلى عمق حوالى 40 كلم. وقد احتكمت الحكومتان اللبنانية والإسرائيلية يومها إلى الأمم المتحدة، فأصدر مجلس الأمن القرارين 425 و426، والذين قضيا بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها، على أن تشكّل الأمم المتحدة قوات من جنسيات متعددة لتحافظ على السلام في الجنوب، وعرفت باسم قوات الطوارئ في جنوب لبنان، أو القبعات الزرق. وقد وصل إلى لبنان حوالى 6 آلاف جندي تمركزوا في الجنوب، ينتمون لثماني جنسيات مختلفة، لحفظ الأمن ومراقبة الهدنة، ومساعدة الحكومة اللبنانية على تأمين عودة سلطتها الفعلية إلى الجنوب، في وقت كانت فيه الحرب الأهلية تستعر في العاصمة بيروت وتمتد إلى عدد من المناطق.
اقرأ/ي أيضًا: الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان
وبالرغم من أن إسرائيل لم تلتزم بالقرارين الصادرين عن مجلس الأمن، وأبقت على احتلالها لعدد من القرى الجنوبية، ولم تتوان طائراتها عن خرق الأجواء اللبنانية وتنفيذ عمليات داخل لبنان، فإن عمل قوات الطوارئ في لبنان استمر حتى العام 2000، حيث انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان في الـ25 من أيار/مايو، فأصبح هذا اليوم عيدًا رسميًا في لبنان يعرف بـ"عيد التحرير". وقد أسس حنود اليونيفيل مع أهالي الجنوب علاقات جيدة خلال سنوات الاحتلال الـ22، فباعهم الجنوبيون منتجاتهم وقدموا لهم الخدمات، فتوفر الكثير من فرص العمل، إضافة إلى التفاعل الثقافي وتبادل الخبرات فيما بينهم. ونُظمت الدورات والأنشطة الرياضية والثقافية، كما قدمت قوات الطوارئ خدمات طبية وبيئية وتربوية للأهالي، فكانت العلاقة ودية إلى حد كبير، بالرغم من معرفة الأهالي التام بعجز هذه القوات عن القيام بأية ردة فعل رادعة للاختراقات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
بعد الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، قررت الأمم المتحدة خفض عدد قوات الطوارئ، وأعادت نشرها وتوزيعها في المناطق المحررة، وأنيطت بها مهمة حفظ الأمن ونزع الألغام من هذه المناطق.
المرحلة الثانية: من تموز 2006 وحتى اليوم
انفجر الوضع في جنوب لبنان في صيف العام 2006، بعد حوالى ست سنوات من الهدوء النسبي. فقد أقدم عناصر من حزب الله على خطف ثلاثة جنود إسرائيليين من داخل المناطق اللبنانية، وأعلن أمينه العام أن الطريقة الوحيدة أمام إسرائيل لاستعادتهم هي التفاوض غير المباشر وتسليمها الأسرى اللبنانيين لديها وخاصة سمير القنطار القابع في سجون الإسرائيليين منذ العام 1977.
انتهت الحرب بعد 33 يومًا، وفشلت إسرائيل في تدمير قوة حزب الله الصاروخية، وأصدر مجلس الأمن القرار الشهير 1701 المطالب بوقف إطلاق النار، وتأمين انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وتشكيل قوة من اليونيفيل هدفها مراقبة الهدنة، وتسجيل الخروقات والسهر على تنفيذ شروط احترام الخط الأزرق، الذي تم ترسيمه بعيد الحرب.
لم يستقبل الجنوبيون بترحاب كبير قوات اليونيفيل هذه المرة، وقد ساهمت في ذلك الصورة التي رسمها إعلام حزب الله ومسائيله، عبر تصوير قوات اليونيفيل وكأنها قادمة إلى الجنوب للتجسس على الأهالي، ومحاربة ما يسمونها "بيئة المقاومة". وقد وقع في السنوات الأولى العديد من الحوادث وتعرضت حافلات اليونيفيل لرشق بالحجارة وتهجمات من المواطنين، كان يصورها إعلام الحزب على أنها "غضب الأهالي" من تحركات اليونيفيل أو من "التجسس" على أمنهم، فيما رأى محللون أنها رسائل مبطنة من الحزب إلى المجتمع الدولي، يظهر من خلالها قدرته على التحكم بالأمور الأمنية في الجنوب.
وقد عاد الهدوء والود إلى العلاقة في السنوات الأخيرة، ووجد الجنوبيون منافع اقتصادية كبيرة لتواجد قوات اليونيفيل على أرضهم. وتعاون اليونيفيل مع الجمعيات والبلديات والمنظمات الأهلية، ونظم مئات النشاطات والندوات الصحية والتربوية، وساهم في حملات تشجير ودورات محو أمية وتعليم كومبيوتر ولغات أجنبية، إضافة إلى تقديم دورات في الإسعاف الأولي والإطفاء وكيفية نزع القنابل العنقودية وما إلى ذلك.
وقد عاد الحديث عن اليونيفيل ودورها في الأشهر الأخيرة، بعدما أعلنت إسرائيل عن اكتشافها لأنفاق تقول إن الحزب حفرها في الجانب اللبناني، وامتدت تحت الأرض إلى داخل الحدود لمئات الأمتار. وقد أجرى أمين عام الحزب مقابلة مع قناة الميادين رفض خلالها التعليق على قضية الأنفاق التي قام الإسرائيليون بتفجيرها، فيما أكدت اليونيفيل وجودها واعتبرتها خرقًا للقرار 1701.
وفيما يزيد الحديث عن احتمال قيام حرب بين إسرائيل وحزب الله في المستقبل القريب، يعود الحذر إلى العلاقة بين الجنوبيين وقوات اليونيفيل. ولعل عقود الحروب والتهجير والاحتلال والحواجز التي عاشها الجنوبيون وعانوا منها، تساهم في فهم موقف الأهالي الذين يبحث قسم كبير منهم عن الأمان والاستقرار، في منطقة كانت مشتعلة طوال السنوات الماضية.
اقرأ/ي أيضًا: خريجو الجامعات اللبنانية: "بالنسبة لبكرا شو؟"
وقد أكدت إسرائيل في مطلع العام، أنها باشرت بتدمير الأنفاق التي يبلغ عددها 6، والتي تعتقد أن الحزب حفرها بهدف خطف أو قتل إسرائيليين، أو الاستيلاء على مناطق حدودية في حال اندلاع حرب بين الطرفين.
وفي حين تتسم العلاقة بين اليونيفيل وحزب الله بالبرود الشديد، تنسق الدولة اللبنانية والجيش اللبناني باستمرار وتعقد الاجتماعات معها ويقوم الطرفان بزيارات دورية للتأكد من حسن سير العمل بالهدنة، وعدم قيام إسرائيل بخرقها. وكان وزير الدفاع اللبناني إلياس أبو صعب قد زار الجنوب قبل أيام والتقى قيادة اليونيفيل وأكد على احترام لبنان للقرار 1701 والحرص على تطبيقه.
عاد الحديث عن اليونيفيل ودورها في الأشهر الأخيرة، بعدما أعلنت إسرائيل عن اكتشافها لأنفاق تقول إن حزب الله حفرها في الجانب اللبناني، وامتدت تحت الأرض لمئات الأمتار
من الجانب الآخر، تنسق إسرائيل مع اليونيفيل بما يتناسب مع مصلحتها، وترتكز على معلوماتها وتقاريرها في حال كانت في صالحها، كما حصل على سبيل المثال في حادثة الأنفاق التي أكدت اليونيفيل وجودها، فيما لا تتوانى عن خرق الاتفاق 1701 برًا وبحرًا وجوًا، وتكتفي اليونيفيل بدور تسجيل الخروقات ورفعها إلى مجلس الأمن الذي لا يحرك ساكنًا كالعادة.
اقرأ/ي أيضًا: