03-مارس-2017

تخنق الخصخصة الوعود في كهرباء دائمة من جيوب المواطنين الفقراء (باتريك باز/أ.ف.ب)

للعتمة تفسير خاص في لبنان. فهي ليست رديفة الظلام، بل التقنين المتواصل للتيار الكهربائي الذي يضيّق الخناق على حياة اللبنانيين وإن تعايشوا معه منذ عقود. ففي الشتاء عواصف تتسبب بالأعطال وفي الصيف ضغط على الشبكة تُبدّى فيه مناطق على أخرى أقلّ حظوة لغيابها عن الخارطة السياحية أو "السياسية" المدعومة من هذا الطرف أو ذاك. وتبقى المربعات الحزبية لقوى أمر واقع خارج الجباية ولا تجرؤ الجهات المخوّلة بتحصيل الفواتير على دخولها خوفًا من المجهول المعلوم في أحياء باتت بغنى عن التعريف فالداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

القطاع الكهربائي في لبنان هو "بقرة جحا" تدر خيرها على من يستفيد من مليارات سنوية من الأحزاب والمحاصيين

القطاع الكهربائي الذي يُشكل "بقرة جحا" التي تأكل ولا تنتج، وتُدرّ خيرها على من يستفيد من مليارات سنوية تنفق عليه دون أي تحسن في التغذية بل مزيد من التقنين ومن المتهربين من الدفع، يولي ظهره للمواطن فيُضطر هذا الأخير لتعويض حاجته للتيار للوقوع تحت رحمة المولّدات وأصحابها فيجور هؤلاء بتعرفات تفوق المئة وثلاثين دولارًا أمريكيًا للخمسة أومبيرات. وبين الفاتورة "الرسمية" لكهرباء "الدولة" وبين فاتورة المولّد "المجحفة" وسط غلاء المعيشة، يُجبر مواطنون كثر على اقتناء مولّدات خاصة في مناطق يُقنن فيها تيارا الدولة واشتراك المُولّد.

أقرأ/ي أيضًا: لبنان الوحيد.. لبنان العنيد

الوعود بتوحيد الفاتورة لصالح قطاع الكهرباء بتوفير التغذية 24/24 قديمة قدم المعاناة. لكن العبرة في التنفيذ. قبل أعوام، وباستلام التيار "الوطني الحر" وزارة الطاقة رُفع شعار “Lebanon” في مواجهة“lebanoff”  لكن الغلبة في نهاية مطاف البروباغندا الإعلامية جاءت لصالح العتمة رغم الإستعانة بالباخرات التركية التي لم تزد الطينة إلا بلّة. ومع تألف الحكومة سُلمت الوزارة تسليم اليد لوزير عوني آخر، دون أي رؤيا أو استراتيجية واضحة وعقلانية لتطوير قطاع الكهرباء في لبنان.

مؤخرًا ومع دراسة مشروع الموازنة الغائبة منذ إثني عشر عامًا اشترط حزب "القوات اللبنانية" لإقرار الموازنة خصخصة الكهرباء في لبنان، ما أدخل هذا الملف ـ وسط أجواء التجاذبات حول إقرار قانون إنتخابي جديد وموعد مفترض وقريب للإستحقاق النيابي ـ البلاد في فورة وهمية لـ "أدرينالين" الـ 24/24، وأظهر هشاشة التفاهم المسيحي العوني ـ القواتي الذي اتفق في ظاهره على الكثير لكنه انطوى في مضمونه على خلافات جوهرية لن يُصلح فيه التقارب ما كان أفسده دهر من التنافر والتناحر.

اشترط حزب "القوات اللبنانية" لإقرار الموازنة خصخصة الكهرباء في لبنان، ما أدخل هذا الملف ـ وسط أجواء التجاذبات اللبنانية الضيقة

تسجيل موقف "القوات اللبنانية"، الذي ردّ عليه وزير الخارجية الحالي والسابق لوزارة الطاقة جبران باسيل بالإشارة إلى أن الخصخصة قد تستغرق خمس سنوات، مؤكدًا أن الموازنة ستقر من دون خصخصة الكهرباء، كان رد رئيس "القوات" سمير جعجع توقيته إلى ان "مشروع الموازنة المطروح للمناقشة في مجلس الوزراء يتضمّن بنداً بمبلغ مليار ونصف مليار دولار اميركي مخصصة لدعم الكهرباء. وفي الوقت نفسه، يبحث الوزراء وبعض الأحزاب والكتل عن طريقة لزيادة الضرائب لسد العجز في الموازنة". فبدل البحث عن زيادة الضرائب في اماكن عدة، سأل جعجع: "لماذا لا نوفّر المليار ونصف المليار دولار". ففي مقابل "اضاعة نحو ملياري دولار أميركي يدفعها اللبناني كفواتير للمولدات الخاصة"، ارتأت "القوات" أن "يتمّ توفير هذه المبالغ من خلال اعطاء تراخيص فورية وفق دفتر شروط معينة للقطاع الخاص، لينتج بدوره الكهرباء، وخلال سنة ونصف على الاكثر، يمكن للمواطن ان يبدأ بالاستفادة من الكهرباء 24/24، بالسعر نفسه الذي يدفعه اليوم".

أقرأ/ي أيضًا: حكومة "حزب الله"ـ الأسد.. لبنان الجحيم

وبين التقدير الزمني المتوقّع من "القوات" والردّ الذي استخف به وخالفه من قبل حليفها "الوطني الحر"، لم تلقَ المماحكة "الناعمة" حتى الساعة بين قطبي التحالف المسيحي أي صدى عند اللبنانيين، فلا الشرط "القواتي" المغلّف بوعد التغذية الدائمة والذي يأتي في الوقت المحتسب "للتحمية" قبل الإنتخابات النيابية أثار اهتمام اللبنانيين أو أُخذ على محمل الجد، ولا تقدير باسيل الذي كان أغدق على المواطنين بوعود مماثلة ذهبت مع الريح خاطب عقل اللبناني وأقنعه "فمن جرب مجرب كان عقله مخرب" يقول أحدهم ساخراً من الردّ. و"في فترة الإنتخابات تتفتق قرائح السياسيين عن وعود وخطط لن تنفذ في أحلام اللبنانيين"، يقول آخر تعليقاً على الطرح في توقيته وواقعيته.

على وسائل التواصل الإجتماعي التي يتلقف "مرتادوها" يومياً التطورات، يتساءل معلّق عن "الفوائد "الضارة" المتوقعة من الخصخصة"، شارحاً أن "روائح الفساد التي تنبعث من القطاع العام ستطاول القطاع الخاص مع وجود المقرّبين والمنتفعين من وللسياسيين، والذين غالباً ما يتمكنون بعد الخروج من الباب الدخول مباشرة من الشبّاك". معلّقون آخرون يتساءلون عن كلفة الكهرباء في حال خصخصتها، وعمّا إذا كانت ستبلغ أرقامًا جنونية كما حال الخدمة الهاتفية في لبنان والتي تعد من الأبهظ عالميًا. وحتى ذلك الحين، وما بين لغتي الأرقام والكلام، الواقع والأوهام، يطرح "فايسبوكيون": "كيف ومتى ستُقر الموازنة.. وهل ستكون القاعدة "الإثني عشرية" أهون الحلول "المستبعدة" لتفكيك لغم الخلافات ولجم خطط رفع الضرائب على المواطنين؟".

 

أقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. هل سيستفيد المتقاعدون من الضمان الصحي؟

لبنان العنصري الصغير