09-سبتمبر-2015

حفل التخرج من إحدى جامعات لبنان(أنوار عمرو/أ.ف.ب)

يجلس محمود في شرفة منزله ويجتهد في إشعال الجمر ليشغّل أرجيلته. في الشرفة أيضًا أصدقاؤه وهم من خريجي جامعة لبنانية خاصة وقد ظنّوا أن اقتران اسمها بشهادتهم سيسهّل الطريق أمامهم للحصول على عمل. وفي مدخل المركز التجاري، من السهل أن نلحظ فادي يقوم بتنظيف إحدى السيارات قبل أن يسلّمها إلى رواد الذي يتولى إيواءها.

محمود وفادي ورواد وأصدقاؤهم، خرّيجو جامعات لبنانية مختلفة. اضطرتهم نسبة البطالة المرتفعة وقلة فرص العمل إلى الجلوس في المنزل أو التسكع أو في أفضل الحالات العمل في مهن بعيدة عن اختصاصاتهم.

يقول رواد لـ"الترا صوت": "لقد تخرّجت من الجامعة اللبنانية، عن اختصاص المعلوماتية، ولكني أعمل اليوم كرجل أمن في المركز التّجاري. حاولت أن أتقدّم لعدّة وظائف لكن شروط المشغّلين اختلفت، منهم من عرض عليّ التّدرب فقط دون بدلٍ مادي ومنهم من عرض بدلاً مادياً أقل من الحدّ الأدنى للأجور، فوجدت أن عملي هنا هو أفضل المتوفر حاليًا".

ينفخ محمود دخان أرجيلته ضاحكاً ويضيف: "قدّمت عديد المرات من أجل الظفر بوظيفة لكن لم أوفق بسبب المحسوبيات و"الواسطة" فلم أجد غير شرفة منزلي مكتباً أقضي فيه أيامي"، وتتدخل ميساء، وهي إحدى الصديقات بالشرفة، قائلة: "وأنا أعمل معه، كمدخّنة برتبة مبتدئة، بينما أتفوّق عليه في الأعمال المنزلية".

ويربط البعض اختيار الخريجين فرص عمل بعيدة عن مجالهم بعدة عوامل، أبرزها غياب التّوعية بخصوص الاختصاصات الجامعية، والذي قد تتحمل الدولة جزءًا منه، وجهل الطلبة بسوق العمل. يعاني لبنان من نقص في الأطباء مثلًا، بينما يصدّر قدرات وأياد عاملة تقنية في مجال الخدمات كإدارة الأعمال، البنوك، التّسويق، الإعلام، الإعلانات وغيرها وذلك خاصة إلى دول الخليج.

يتخرج عن جامعات لبنان سنوياً قرابة 35 ألف طالب بينما سوق العمل قادر على استيعاب 5000 خرّيج كحدّ أقصى فقط

وتبين الإحصاءات أن الطلبة في لبنان يتوجهون بشكل ملحوظ إلى التخصص في دراسة الأعمال أو الهندسة بمختلف تفرّعاتها، إذ يقدر عدد المتخرجين من الهندسة من المعاهد والجامعات الخاصة في السّنوات العشر الأخيرة بحوالي 18 ألف وأكثر من 21 ألف اختاروا إدارة الأعمال من مجموع أكثر من 195 ألف طالب وطالبة.

وفي الأثناء، تعاني بعض القطاعات من نقصٍ في اليدّ العاملة، كفنّيي الورش الكهربائية، الميكانيك، النّجارة، الحدادة وغيرها من المهن، علماً أن مردودها المالي قد يفوق مردود غيرها في الكثير من الأحيان.

وساهم ارتفاع نسبة البطالة في تدهور الوضع وهي التي بلغت في 2013 حوالي 11 في المئة، ثم ارتفعت في السنة الموالية وتراوحت بين 18 و20 في المئة بحسب الوزير أكرم شهيّب. وأغلب ضحايا نسبة البطالة المرتفعة من الخريجين إذ تبلغ نسبتهم حوالي 60 في المئة، في بلدٍ تخرّج جامعاته ومعاهده سنوياً قرابة 35 ألف خرّيج بينما سوق العمل قادر على استيعاب 5000 خرّيج كحدّ أقصى فقط.

في المقابل، حلّ لبنان في العام 2013، بحسب "تقرير التنافسية العالمية"، في المرتبة العاشرة فيما يتعلّق بنوعية التعليم عامة، وفي المرتبة الرابعة عالمياً فيما يتعلّق بنوعية تعليم الحساب والعلوم. كذلك، احتل المرتبة الثالثة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وفقًا لمؤشر تطوير المهارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهو ما يؤكد أن للبلد مهارات ذات قيمة مضافة عالية  ومستوى تعليمي ريادي، لكنه لا يستغلها في تطوير قدراته بل في أحسن الحالات كمصدر عملة صعبة بعد أن تستقطبها دول أخرى.