22-ديسمبر-2016

يعاني القطاع الصحي في لبنان من أزمات عدة على رأسها الاختلاس والفساد الإداري (محمود الزيات/أ.ف.ب)

حالت تركيبة النظام اللبناني الطائفية وأولوية احتساب المصالح والتوازنات الطائفية والمذهبية في تكوين الدولة وحركتها دون قيام دولة حقيقية، وغيبت ثقافة المواطنة، وقد حال ذلك، منذ الاستقلال حتى اليوم، دون تنفيذ سياسات مركزية وطنية لمختلف القطاعات ومنها الصحي، الذي يعاني من فساد إداري وتضخم دور المستشفيات الخاصة على حساب المستشفيات الحكومية، ولوزارة الصحة دور في هذا، نظرًا لنظام "التنفيعات" القائم والذي تخضع له الوزارة وشخص الوزير عينه. وعلى اختلاف الوزراء، كان الآداء الرسمي، يقع في فخ دائم، حيث يلتزم الوزير المكلف بسلسلة قوائم تفسد دوره، وعلى رأسها التعيينات الخاضعة للنفوذ السياسي والطائفي.

يخضع القطاع الصحي في لبنان إلى توازنات طائفية ويشوبه الفساد الإداري وصفقات الاختلاس

وتشير تقارير رسمية إلى الفساد الحاصل في القطاع الصحي في لبنان، خصوصًا في المستشفيات الحكومية، التي تطغى المحاصصة السياسية والطائفية على إداراتها، وتشوبها مساوئ عدة، إن من جهة الخدمة المقدمة أو من جهة التعامل المتردد، أو من جهة الاختلاسات، التي ترد دومًا في تقارير من هنا أو من هناك.

وتظهر قضية المستشفى الحكومي في صيدا، ما يجري في هذا القطاع وما يحكى عن حال المستشفيات الحكومية. ففي شهر آذار/مارس عام 2015، انحلّ مجلس إدارة المُستشفى الحكومي في صيدا على خلفية اتهامات بالاختلاس وسوء الإدارة سيقت ضد رئيسه. بعدها، ارتأى وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور تعيين لجنة إدارية. بحسب الإخبار المُقدّم، فإنّ هناك قرارات متخذة من قبل التفتيش المركزي تطلب من وزارة الصحة الرجوع عن تكليف مجالس الإدارة واللجان الإدارية بسحب الأموال من مصرف لبنان، إلا أن الوزير لم يكترث لقرارات التفتيش. الإشارة إلى هذه النقطة تغدو ضرورية للقول إن وزارة الصحة سبق أن اعتمدت صيغة اللجان الإدارية بدلًا من مجالس الإدارة في أكثر من مُستشفىً حكومي، كالمُستشفى التركي في صيدا، الذي صُرف له مبلغ مليار ليرة ولم يُفتتح حتى تاريخه لاعتبارات سياسية.

اقرأ/ي أيضًا: الفساد يلاحق المواطنين إلى قبورهم في لبنان

ويُثير بعض العاملين في المُستشفى مسألة توظيف أجراء خلافًا للقانون ومن دون أن يخضعوا لامتحانات مجالس الخدمة المدنية (أكثر من 40% من الموظفين والأجراء تم توظيفهم عبر عقد شراء خدمات)، علماً وأن نظام المُستخدمين في المُستشفيات الحكومية ينص على أنه لا تُصرف مُستحقات لموظف إلا إذا كان مُعيّنًا من قبل مجلس الخدمة المدنية، ما يعني بحسب هؤلاء العاملين أن الأموال التي تُصرف منذ سنوات يجري صرفها بطريقة غير شرعية.

إلى ذلك، تقدّمت حملة "بدنا نحاسب" بإخبار لدى النيابة العامة المالية يتعلّق بـ"المخالفات المالية والإدارية في وزارة الصحة وفي المُستشفيات الحكومية". تقول الحملة في الإخبار المُقدّم إن هذه المخالفات أدّت إلى هدر كبير في المال العام ومهّدت لعمليات اختلاس نفّذها أشخاص انتفعوا من بعض القرارات والإجراءات التي اتّخذتها وزارة الصحة.

معيار التوظيف السائد في المستشفيات الحكومية في لبنان هو "الواسطة" و"المحاصصة" الطائفية والسياسية

ويشير الإخبار إلى مسألة تكليف لجان إدارية بمهمة إدارة بعض المُستشفيات الحكومية، وهو إجراء مُخالف للقانون الذي يُرتّب أن يُعين مجلس الوزراء مجلس إدارة لتولي هذه المهمة. وفي هذا الصدد، يُقدّم الإخبار واقع المُستشفى الحكومي في صيدا كنموذج متهالك عن المخالفات الإدارية المُستفحلة، وعن مسألة إدارة المُستشفى من قبل لجنة إدارية يصفها بعض العاملين في المُستشفى بـ"غير الأمينة". وتُشير معلومات إلى وجود عدّة شكاوى لدى مجلس شورى الدولة ضدّ مُستشفى الحريري الحكومي، تتعلّق بترفيعات تتضمّن مخالفات إدارية.

إضافة إلى ذلك، كان النائب إسماعيل سكرية قد أعد تقريرًا عن الصحة في لبنان مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، تقريراً تحت عنوان "الحق في الصحة"، لمصلحة لجنة حقوق الإنسان النيابية، يكشف الخلل القائم في جميع المرافق الصحية في لبنان، وأورد التقرير أن التضخم والتورم الحاصل في الفاتورة الاستشفائية هما نتيجة لعوامل عديدة، منها عدم وجود سياسة استشفائية واضحة وانعدام الرقابة الحكومية الفعالة، إضافة إلى المخالفات الخطيرة في موضوع فواتير الاستشفاء، ولا سيما أن الأرقام المتداولة حالياً والإحصاءات، وبعد استعمال الكومبيوتر في أعمال الرقابة والإحصاء ولو بشكل متواضع، تدل وبشكل قاطع على أن حالات الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة قد تدنّت وأصبحت أقل بكثير منها في الحالات المعلنة لعام 1995، وبالرغم من ذلك، تضاعفت الفاتورة الاستشفائية مما يطرح أكثر من سؤال.

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟

صيف 2016 في لبنان.. حر الفساد يحرق السائحين