29-أبريل-2016

صورة من الأرشيف لانتخابات بيروت البلدية سنة 2010(أنور عمر/أ.ف.ب)

اقترب موعد الانتخابات البلدية في بيروت، جُهّزت اللوائح، استعدّ المنافسون، شُبِكَت التّحالفات، ولم يبقَ إلّا موعد الإجراء، الأبرز من بين المرشّحين هو الوزير السّابق، صاحب الخلفية المتمرّدة دائماً شربل نحّاس، بروز نحّاس يعود لخلفيته السّياسية السّابقة واستقامته، أمّا على الأرض، ففرصه محكومةٌ بخيار الصّندوق. تبرز أيضاً لائحتي "بيروت للبيارتة" المدعومةً من الرّئيس سعد الحريري، و"بيروت مدينتي" التي يتمثّل فيها الشّباب، وتقتسم عدد أعضائها الـ 24 مناصفةً بين الذّكور والإناث.

تعتبر لائحتا "بيروت للبيارتة" المدعومة من الحريري، و"بيروت مدينتي" التي يتمثل فيها الشباب أبرز المتنافسين في الانتخابات البلدية اللبنانية

بوسطة نحّاس

يتجوّل المرشّح شربل نحّاس في "بوسطةٍ" ومعه "مواطنون ومواطنات في دولة" (اسم لائحته)، نحّاس يؤمن فعلاً بوجود الدّولة، وهنا ربما مكمن خلل، النّظام بتركيبته الحالية، بعد أن جدّد ومدّد لنفسه مرّتيّن، يعدّ نظاماً مهترئاً لا "دولة". إيمان نحّاس بفكرة الدّولة ربما كان الدّافع خلف التّسمية، لكن الناخبين ملّوا التّفكير في خلفيات التّسميات، والأرجح أن الاسم الظّاهري هو ما سيبنى عليه في الاقتراع للنّحاس ورفاقه الثلاثة من عدمه.

نحّاس صادقٌ في العمل على محاربة الفساد ومؤمنٌ بشعاراته التي يرفعها، يسعى لتحقيقها حتّى أنّه استقال انسجامًا مع مبادئه، لكن المشكلة الأساسية تكمن في التّعامل الشّعبي مع أي فضيحةٍ سيادية أو تتعلق بالفساد، الشّعب لم يدعم نحّاس المستقبل في معركته، بل تمترس خلف أولياء أمره من السّياسيين، فهو، أي الشّعب، اعتاد وجود من يقرّر عنه ونسي فكرة التّغيير. شعارات شربل نحّاس نبيلة، لكن الشّعب لم يساند نحّاس عندما كان وزيرًا في مسيرة الإصلاح، هل سيسانده اليوم في المعركة البلدية أم أن التّجربة ستتكرّر؟

الشعب اللبناني لم يساند نحّاس عندما كان وزيرا في مسيرة الإصلاح، هل سيسانده اليوم في المعركة البلدية أم أن التّجربة ستتكرّر؟

اقرأ/ي أيضًا: "عشوائيات بيروت"... وجه المدينة الخفي

بيروت للبيارتة

لائحة "بيروت للبيارتة"، التي يترأسها جمال عيتاني، المدير العام السّابق لشركة "سوليدير" والمحسوب على سعد الحريري، الدّاعم الرّئيسي للائحة. "بيروت للبيارتة" تمثّل 8 و14 آذار. إختار كل حزبٍ شارك في السّلطة ممثّلاً عنه أو أكثر وأركبه "محدلة الحريري البيروتية". اعتادت بيروت ما بعد الحرب الأهلية "المحدلة الحريرية" واستئثارها بالنّفوذ والمراكز. الإبداع الدّعائي هذه المرّة بلغ أقصى الحدود، من خلال الاسم المختار "بيروت للبيارتة".

مثلاً، يعلن مسؤولٌ بريطاني عن تشكيل لائحةٍ تمثّله في لندن بشعار "لندن للانادنة"، أو فرنسي من باريس بشعار "باريس للباريسيين"، شعارٌ أقلّ ما يقال عنه إنّه مناطقي ساذج، البيروتي برأي اللائحة وداعمها الحريري هو من قيده مسجّلٌ في بيروت، لا يعي الحريري أن بيروت للكل، نُزعت عنها الهوية المناطقية، فالعاصمة قلب الوطن، والقلب مسؤولٌ عن تحريك باقي الأعضاء، لا يحدد نفسه بحدودٍ مناطقيةٍ طائفية، ولنكن منصفين، الحريري لم يحدد نفسه بالإطار الطّائفي، لائحة السّلطة عادلةٌ من حيث التّقسيم الطّائفي، فأرباب النّظام مخضرمون في لعبة المحاصصة والتّقسيم والقضم، لن يسرق السّارقون بعضهم.

على أي حال، إذا ما التزمنا شعار لائحة السّلطة ووافقنا عليه، يجب أن نحاسب مطلقيه على عدم تطبيقه. "بيروت للبيارتة" فليتركها سعد الحريري وليعد إلى مسقط رأسه صيدا، لتسحب "فيروز" أغنيتها، فلم يعد "لبيروت من قلبها سلام" لأن بيروت لأهلها، ليمحي التّاريخ أسماء كل من ساهموا في رفع اسم بيروت، "شوشو" – حسن علاء الدّين لم يكن بيروتياً وأنشأ أول مسرحٍ في بيروت، شعار اللائحة فارغ من أي محتوى تاريخي.

"بيروت للبيارتة" تعني عودة المحال التّجارية في "سوليدير" لأصحابها الأصليين الذين أجبروا على تركها من قبل الحريري الأب؟ تعني أن الدّالية ستعود لصيّاديها وفقرائها؟ سيُلغى مشروع الكاميرات الذي أقرّه بلال حمد وستُعاد الأموال المنهوبة من قبل "عاشور" لصالح الحريري؟ والأهم، "بيروت للبيارتة" تعني أن أهل بيروت سيصبحون قادرين على شراء منزلٍ في مدينتهم؟ وأن البلدية ستصادر أملاك الأجانب الذين هجّروا البيارتة للضواحي والقرى المحيطة؟ فـ"#شوف_يا_جمال شو الحل، بما إنّك أول مرشح مدعوم من وزير الدّاخلية، الذي يفترض به أن يكون حياديًّا".

لا يعي الحريري أن بيروت للكل، نُزعت عنها الهوية المناطقية، فالعاصمة قلب الوطن، والقلب مسؤولٌ عن تحريك باقي الأعضاء

اقرأ/ي أيضًا: السكن في بيروت.. طوبى للتشرد!

بيروت مدينتي

"بيروت مدينتي" هي العروس التي أتقنت اختيار فستانها وتبرّجها، حتّى استطاعت بتبرّجها أن تغطّي عيوبها أو أقلّه هي تحاول ذلك، مات حراك "طلعت ريحتكم" بالأمس القريب، من أسباب موته الشّعارات الفضفاضة وحبّ الظّهور عند البعض، لم تتعظ "بيروت مدينتي" من الحراك، مع أنّها تسعى للتغيير والتّطوير، وبعض أعضائها هم من المؤمنين بشعار "كلّن يعني كلّن"، لكنها بدأت تجول على السّياسيين، معرقلي التغيير ومدمّري طموحات التّطوير.

زار المرشحون جنبلاط والجماعة الإسلامية، ومن يدري، لربما سيزورون الحريري، داعم اللائحة المنافسة من باب "فتح الآفاق"، قوّة "بيروت مدينتي" كانت تكمن في حيادتيها والتّجدد الذي تحمله، لكنها تسقط في الامتحان قبل قرع الجرس حتّى. "بيروت مدينتي" لم تزر القوميين أو الشّيوعيين أو حركة الشّعب أو أو أو، أم أن الانفتاح جزئي ومدّ اليدّ مشروط؟ "بيروت مدينتي" تطرح نفسها بديلاً، فليفرض البديل نفسه على الأرض ويُزار لا يزور.

بعض أعضاء "بيروت مدينتي" محسوبون على تيّارات سياسية كاليسار الدّيمقراطي، أي ضمنيًّا 14 آذار، لكن هذه ليست تهمة، فالشّأن البلدي شأن خدماتي بحت، أمّا أن تحمل اللائحة ضمن أسمائها اسمًا ساهم في تعويم "الحريرية السّياسية"، يعد بالنسبة لكثيرين غير مقبول، أحمد قعبور، الموسيقي، مرشّح على لائحة الشّباب المستقلّين، وهو من غنّى "بتمون" للحريري و"لعيونك"، ربما "ينقص اللائحة غطّاس خوري وباقي المستشارين" يقول متهكّمون..

"بيروت مدينتي"، أو لائحة المجتمع المدني تسعى للفوز وهذا حقّها، لكن التّجييش الحريري لا يزال الأقوى والأقدر على حسم النّتيجة، إن لم تتحالف اللائحة مع المعارضين أو أكبر عددٍ منهم، فهذا يعني تشكّل لوائح رديفةٍ يستفيد بالمحصلة من جودها الحريري لقدرته على حسم النّتيجة بفعل تشتّت الأصوات.

النّخبوية لا تفيد، والشّعبوية "الفيسبوكية" "التّويترية" لا قيمة لها في الصّناديق، فهل يعي مرشّحو "بيروت مدينتي" ذلك؟ مبادرة "بيروت مدينتي" قد تخلق كوّة في الجدار وهذا المطلوب كخطوة أولى إن نجحت، الانتقاد هدفه الاستيضاح لا التّدمير. إذاً، بيروت على موعدٍ مع معركةٍ منتظرةٍ في 8 أيّار/مايو، والكل أعدّ العدّة لذلك.

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. ولاية الفراغ

عماد بزّي.. من زواريب بيروت المنسية وعنها