21-نوفمبر-2016

تظاهرة أمام البيت الأبيض ضد التعذيب ومعتقل غوانتنامو (ماندل نغاي/أ.ف.ب)

في تقرير مطول لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية يخلص الباحثون إلى أنّ التعيينات التي أجراها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في فريق الأمن الوطنيّ كفيلة بإعادة السياسات التي اعتمدها البيت الأبيض عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر والتعامل وفق عقليّة الحرب الشاملة على "الإرهاب الإسلامي" وأنّ هذا سيفضي إلى توتّر في العلاقات من بعض حلفاء الولايات المتحدة ويزيد من خطورة اندلاع مواجهة مع إيران بالإضافة إلى ما يحمله ذلك من تهديد للحريّات والحقوق المدنيّة داخل الولايات المتحدة نفسها.

تمثّل تعيينات ترامب لفريقه الرئاسي، في نظر الباحثين، عودة إلى العقلية التي سادت أمريكا في أعقاب هجمات نيويورك عام 2001 

لقد جرت هذه التعيينات يوم الجمعة الماضي، حيث عُيّن الجنرال المتقاعد مايكل فلين في منصب مستشار الرئيس للأمن القوميّ، وجيف سيشنز في منصب المدّعي العام ومايك بومبيو مديرًا لوكالة الاستخبارات الأمريكية. وتمثّل هذه التعيينات في نظر الباحثين عودة إلى العقليّة التي سادت في أعقاب هجمات نيويورك عام 2001 حين أعلنت إدارة جورج بوش الابن حربًا لا قيود فيها على الإرهاب، وذلك لتسويغ صلاحيات رئاسيّة معيّنة، ولاسيّما عند الحديث عن استخدام التعذيب والتحركات العسكريّة أحاديّة الجانب. ولا شكّ في أنّ هذه البطانة الجديدة من حول ترامب تثير الكثير من التساؤلات: فبومبيو هو الذي دافع عن استخدام تقنية الإغراق بالماء أثناء التحقيق مع المشتبه بهم بقضايا الإرهاب، بينما سيشنز دافع عن حقّ أعضاء الوكالة باستخدام "تقنيات تحقيق متطوّرة" أمّا فلين فقد انتقد القواعد العسكرية التي وضعت لتفادي سقوط المدنيين ووصفها بأنّها أمور تعيق عمل القوّات الأمريكيّة في أفغانستان والعراق.

اقرأ/ي أيضًا: بعد أوباما..ترامب "بشرة خير" لبعض ساسة العراق

إن تعيين فلين، بخلاف سيشنز وبومبيو، لا يتطلّب موافقة مجلس الشيوخ، ومن المتوقّع أن يواجه إقرار تعيين الاثنين الآخرين الكثير من الجدل داخل أروقة البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. وبالحديث عن فلين، أشار التقرير أنّ لدى الرجل إصرارًا لا يتغيّر على ما يزعمه من مخاطر "الإسلام الراديكالي" وقد جرت عادته على مقارنة هذا الخطر بألمانيا النازيّة في الحرب العالميّة الثانية. ويرى فلين أنّ على الولايات المتحدة أن تلتزم بشكل كامل بمحاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة وإلحاق الهزيمة به وفعل ذلك مع بقيّة المتطرفين المدعومين من قبل أنظمة مناهضة للولايات المتحدة. وقد اتّهم فلين باراك أوباما بوضع قيود على العمل العسكريّ في الميدان والتودّد لإيران كما اتهّمه بأنه فشل في تقدير حجم المخاطر التي تواجه البلاد.

وقد ألف فلين كتابًا صدر هذا العام بعنوان "ميدان القتال" قال فيه: "إنّنا في حرب عالميّة، ولا يدرك ذلك سوى القليل من الأمريكيين. إنّ علينا الاستفادة من كلّ ما لدينا من طاقات على المستوى الوطنيّ بطريقة متماسكة ومنظّمة، كما كان عليه الأمر أثناء الحرب العالميّة الثانية أو الحرب الباردة، من أجل تحقيق الجاهزيّة الفعّالة لمواجهة صراع قد يمتدّ على الأغلب عبر أجيال متعدّدة".

إن المنهجيّة التي يعبّر عنها فلين في التعامل مع خطر الإرهاب لا يستدعي سوى ما قامت به إدارة بوش بعد هجمات 11/9 من غزوٍ للعراق والتوسّع في استخدام التعذيب والاعتقال غير المشروع والحدّ من الحريّات المدنيّة. وينبّه التقرير إلى أنّ تركيز الإدارة الجديدة تحت قيادة ترامب وفريقه الجديد من تركيز واحد لا ثانيَ له على محاربة "الإرهاب الإسلاميّ" مع تجاهل التحدّيات الأخرى المحيقة بالولايات المتحدة، وما يظهر من العلاقات الوثيقة لفريق ترامب ومحاولة تقرّبه من روسيا، قد يمنح موسكو فرصةً سانحة لإعادة رسم الخريطة في أوروبا وأن تجدّد مساعيها لتصبح من جديد قوّة عظمى كما كانت الحال في الحقبة السوفيتية. بالإضافة إلى التأثير سلبًا على الحضور الأمريكيّ في آسيا والخضوع لواقع الهيمنة الصينية على المستوى الاقتصادي والدبلوماسي، وربّما العسكريّ أيضًا هناك.

تعزيز العلاقات مع روسيا والأصدقاء المستبدّين

وفي سياق حديث فلين عن الحرب على شبكة المتطرّفين حول العالم انتقد إدارة أوباما وتحدّث عن عجزها عن الحفاظ على "أنظمة الحكم الاستبداديّة الصديقة" للولايات المتحدة كنظام حسني مبارك، والذي يواجه المتطرفين الإسلاميين في رأيه. أمّا "الرجل الصلب" الجديد في مصر، عبد الفتاح السيسي، فكان محطّ إعجاب فلين الشديد. وقد وصف فلين روسيا بأنّها شريك في الحرب على الإرهاب -ولا عجب في ذلك في واقع الأمر، خاصّة إن عرفنا أنّ فلين قد عمل في فترة مبكّرة في وكالة أنباء روسية مقرّبة من الكرملين ومموّلة منه كما جلس إلى جانب الرئيس بوتين في إحدى حفلات العشاء- ووصف هذه الدعوة على أنّها أمر حياة أو موت، مذكّرًا بالتحذير المأثور عن بوش الابن حين قال: "من ليس معنا في الحرب على الإرهاب فهو ضدّنا". وقد حذّر بعض الديمقراطيين من تعيين فلين، ولاسيّما لما يظهر من استعداده لتجاوز الانتهاك العسكريّ لروسيا في أوكرانيا وتدّخلها العسكريّ في سوريا لحماية نظام بشّار الأسد.

مايكل فلين، الذي عينه ترامب مستشارًا للأمن القومي، كان قد رفض نفي احتمال العودة إلى استخدام أساليب التعذيب كالإيهام بالغرق والضرب

اقرأ/ي أيضًا: هل يستطيع ترامب تحويل وعوده إلى سياسة متزنة؟

أمّا إيران فجاء الحديث عنها عادة على لسان فلين وغيرها من مرشحي ترامب في فريق الأمن الوطنيّ شديد اللهجة، لاسيّما أنّهم يرون أنّ لإيران دورًا في تغذية الإرهاب الإسلامي حول العالم.

وقد قال فلين في كتابه آنف الذكر: "علينا أن نواجه بكلّ حزم داعمي الأيديولوجيّات الإسلاميّة المتطرفة، على مستوى الدول أو غير ذلك، وعلينا أن نرغمهم على إنهاء دعمهم لأعدائنا وإلا كان عليهم أن ينتظروا (منّا) نزع قدرتهم على فعل ذلك". أمّا الرجل الذي شاركه في تأليف الكتاب مع فلين، وهو مايكل ليدن أحد الكتّاب الصحفيين المحافظين، فلطالما دعا إلى تغيير النظام في طهران وينسب كافّة الأخطار الإرهابيّة تقريبًا إلى إيران.

وقد وجّه فلين انتقادات شديدة بخصوص الاتفاق النوويّ مع إيران عام 2015 ويصف الثقة بالتزام إيران بالصفقة بأنّه "محض أوهام"، وهو يعزف على نغمة واحدة مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يرون ضرورة أن تتعامل الولايات المتحدة بحزم أكبر مع طهران بدل السعي نحو التطبيع الدبلوماسي معها. وقد أثارت هذه التعليقات حول إيران خيبة أمل لدى بعض حلفاء أمريكا في أوروبا ممّن بذلوا جهودًا كبيرًا لإتمام الصفقة مع إيران وتقييد برنامجها النووي مقابل بعض التسهيلات الاقتصاديّة ورفع العقوبات عنها. وقد تحدّثت الفورين بوليسي مع بعض الدبلوماسيين الأوروبيين والذين عبّروا عن قلقهم من هذه المنهجيّة في التعامل مع إيران، محذّرين أنّ ذلك قد يدفع الأخيرة إلى تجديد عزمها على تطوير الأسلحة النوويّة. يقول جيمس جيفري، والذي عمل مستشارًا لبوش الابن ثم شغل منصب السفير الأمريكي في العراق وتركيا في عهد أوباما إنّ بومبيو وسيشنز يمتلكان "نظرة جمهورية تقليديّة كالتي كانت سائدة في عهد جورج الابن عقب أحداث 11/9". أمّا فلين في رأي جيفري فهو "لا يرى في واقع الأمر أي تهديد للولايات المتّحدة أكبر من "الإرهاب الإسلاميّ"".

العودة للتعذيب

رفض فلين في مقابلة أجريت معه في موقع ياهو نيوز في تمّوز/يونيو الماضي أن ينفي احتمال العودة إلى استخدام أساليب التعذيب كالإيهام بالغرق والضرب والحرمان من النّوم. أما سيشنز حين كان في مجلس الشيوخ فقد صوّت ضدّ حظر "أساليب التحقيق المتطوّرة" والتي تتيح اللجوء إلى الضرب والإيهام بالغرق والتعريض لدرجات حرارة شديدة انخفاض الحرارة أو البرودة. أما بومبيو، الذي وقع عليه الاختيار لإدارة وكالة الاستخبارات، فقد وصف إصلاحات أوباما فيما يتعلّق بالتعذيب بأنّها منهجية ضعيفة لا تناسب الحرب على الإرهاب، وهو الذي انتقد كذلك تساهل أوباما في الحرب ضدّ التطرف الإسلامي وإنهاء برنامج الوكالة للتحقيقات عام 2009 وسعيه لإغلاق معسكر غوانتانامو.

لعلّ هذه التعيينات تعكس طرفًا من الرؤى التي ستعمل وفقها إدارة ترامب خلال السنتين المقبلتين على الأقل، أي حتّى الانتخابات النصفيّة في الولايات المتحدة، ومع أنّ التوقّعات والتنبّؤات السياسيّة قد باتت لعبة فاشلة بعد أن عجز الجميع تقريبًا عن تنبؤ الفوز لهذا الرجل، فإنّه قد يصعب الجزم بما قد يحصل أثناء رئاسته أيضًا. ولكنّ المؤكّد أنّ اختيارات ترامب تتوافق مع برامجه وخطابه أثناء حملته الانتخابيّة، ويبدو بالفعل أنّ فريق ترامب للأمن الوطنيّ سيعدّ العدّة لذلك قريبًا.

اقرأ/ي أيضًا:

 اختيار ترامب..قلق عالمي خجول