09-نوفمبر-2016

هل يؤسس ترامب لمرحلة عدم يقين دبلوماسي مع واشنطن؟ (ميهر مياهروزي)

بدأ عصر "الترامبية". وما كان قبلها من باب التندر، صار منذ اللحظة ضربًا يتوجس منه قادة العالم. وعلى مفترق لحظة تاريخية في تاريخ أمريكا الحديث، تلقى العالم نتيجة الانتخابات بفتور، لم يخلُ من قلق وتساؤلات حول مستقبل علاقات واشنطن مع دول، يبدو أنها ستقف على الضفة الأخرى. فكل ما قاله دونالد ترامب، في خطابه، لا يوحي أن الدبلوماسية الأمريكية ستكون "مرضية". ويتبدى أن اقتسام الفرح والتهاني بين نادي اليمين المتطرف، بدءًا من فرنسا ومرورًا بروسيا وبعض دول أوروبا، هو أكثر ما يثير تساؤلًا جدّيًا حول إمكان تغيير السياسات الخارجية، على ضوء التموضع الأمريكي الجديد.

وبعد إعلان النتائج، كانت أبرز ردود الفعل، تحمل في طياتها توجسًا ملحوظًا، ولغة فيها حذر وأحيانًا صراحة مطلقة بالتعبير عن عدم الرضا بل وعدم السرور بفوز ترامب. إذ قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إن فوز ترامب "لا يسرني لكنه الرئيس المنتخب بحرية للولايات المتحدة وله الحق في أن نعطيه فرصة".

انقلب التندر على "الترامبوية" إلى توجس من "الترامبية" على المستويات العليا للدبلوماسية الدولية بعد الإقرار بترامب نحو البيت الأبيض 

واعتبر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن انتخاب ترامب رئيسًا يفتح مرحلة من "عدم اليقين"، وقال إن نتائج الانتخابات الأمريكية تتجاوز حدود الولايات المتحدة داعيًا إلى "توحيد أوروبا لتكون قادرة على حماية قيمها". وأضاف هولاند: "سنكون حذرين وصريحين في محادثاتنا مع الولايات المتحدة". وجاءت لهجة هولاند بالغة البرودة واعدًا أنه سيبدأ "بسرعة ولكن بحزم وتنبه" الحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة. أما أمين عام الحزب الاشتراكي الفرنسي جان كريستوف كامبدليس فقال: "إذا بقينا منقسمين ستنتصر مارين لوبان"، أي رئيسة حزب الجبهة الوطنية، عمدت قبل صدور النتائج النهائية إلى تهنئة ترامب بتغريدة على "تويتر"، وعقدت مؤتمرًا صحافيًا، حيّت فيه "قرار شعب حر".

وسرّعت صدمة انتخاب ترامب ردود فعل المرشحين الفرنسيين إلى انتخابات حزب الجمهوريين التي ستجرى في 20 و27 من الشهر الجاري وأبرزهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة السابق آلان جوبيه، فهنأ ساركوزي ترامب وشجعه في "مهمته الكبيرة والصعبة"، موجهًا تحياته إلى هيلاري كلينتون، معتبرًا أن "نجاح ترامب هو رمز رفض الشعب الأمريكي للأيديولوجية الواحدة"، منبهًا إلى ضرورة "الاستفادة من درس هذا الانتخاب لنكون متشددين وأقوياء". أما جوبيه، المفضّل في استطلاعات الرأي لانتخابات الجمهوريين الأولية والطامح بعزم على تخطي كل الجدل بحقه وصولًا للاتهامات القضائية والأحكام الصادرة بحقه، فحذر الشعب الفرنسي من أخطار التطرف والغوغائية على الديمقراطية، مشيرًا إلى أن "الشعب الأمريكي قال كلمته ديمقراطيًا". ورأى رئيس الحكومة الفرنسية السابق دومينيك دوفيلبان أن "الشعبوية كثيرًا ما تكون نابعة عن شعب مجروح علينا أن نحترمه".

وعلى غرار باريس، توقعت برلين أوقاتًا "أصعب" مع ترامب، فشددت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للرئيس الأمريكي المنتخب على أن "التعاون الوثيق" بين البلدين في المستقبل يجب أن يقوم على القيم الديمقراطية المشتركة، وذكرته بـ "مسؤوليته" على المستوى العالمي.

تتوقع ميركل أوقاتًا صعبة مع ترامب
 

ولفتت ميركل التي انتقد ترامب مرارًا في الماضي سياستها حيال اللاجئين السوريين، إلى أنه سيتحتم على الرئيس المقبل "تحمل مسؤولية ستنعكس تبعاتها على جميع أنحاء العالم تقريبًا" بسبب ما لبلاده من "قوة اقتصادية هائلة وطاقة عسكرية وتأثير ثقافي". وكان المسؤول في الحزب المحافظ بزعامة المستشارة الألمانية، نوربرت روتغن الذي يترأس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب، أقل مراعاةً في رد فعله. فأعلن أن فوز ترامب "شرخ خطير ذو أبعاد تاريخية"، معتبرًا أن الرئيس المقبل كان خلال الحملة "صوت التعصب والكراهية وحتى العنف". وخلص إلى القول إن فوزه "أكثر من خيبة، إنه صدمة".

اقرأ/ي أيضًا: طوفان فوز ترامب يغمر مواقع التواصل الاجتماعي!

إلى ذلك، دعا الاتحاد الأوروبي الرئيس الأمريكي المنتخب إلى اجتماع قمة بمجرد أن يسمح وقته بذلك، مشيرًا في خطاب لتهنئته بالفوز إلى أهمية الروابط الأمنية والتجارية بين الجانبين. وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في الخطاب: "اليوم صار توطيد العلاقات عبر الأطلسي أكثر أهمية من ذي قبل". وأضافا: "فقط بالتعاون الوثيق سيكون بإمكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إحداث تأثير لدى التعامل مع تحديات لم يسبق لها مثيل مثل داعش والتهديدات في شأن سيادة أوكرانيا وتغير المناخ والهجرة".

أعلن فرنسوا هولاند أن فوز ترامب يفتح مرحلة من "عدم اليقين"!

وأضافا: "لحسن الحظ إن الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واسعة النطاق وعميقة. بدءًا من جهودنا المشتركة لتعزيز أمن الطاقة وتناول مسألة تغير المناخ، مرورًا بالتعاون لمواجهة تهديدات أمن جيران أوروبا شرقًا وجنوبًا ثم انتهاءً بالمفاوضات في شأن اتفاق الشراكة في التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، علينا ألا نضيّع أي جهد لضمان بقاء العلاقات التي تربطنا على قوتها واستمراريتها". ويعقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعًا خاصًا الأحد المقبل عقب فوز ترامب وبشأنه، لا يخفى أن المحرك وراءه ما تضمنته تصريحات مماثلة لما أورد من مصدره أعلاه يتضح في الاستياء وعدم الثقة وسوادهما الموقف بشأن فوز خيار شعبوي عنصري في أكبر الماكينات "الديمقراطية" دوليًا ولما لذلك من شأن مع الأداء الأمريكي المخاتل مع أقرب الحلفاء وأبعدهم أساسًا.

واعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن زعامة الولايات المتحدة "مهمة أكثر من أي وقت مضى" بعد فوز ترامب قائلًا: "إن حلفًا قويًا يُعد أمرًا جيدًا للولايات المتحدة وأوروبا". وقال ستولتنبرغ في بيانه: "نواجه أجواءً أمنية جديدة صعبة خصوصًا في ما يتعلق بالحرب غير التقليدية والقرصنة المعلوماتية وتهديد الإرهاب"، مضيفًا: "أتطلع للعمل مع الرئيس المنتخب ترامب"، بالتأكيد لم ينسَ ينس ستولتنبرغ الغمز من باب المخاوف بشان علاقة ترامب-بوتين. ولم تغب "دوقة البريكست"، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، دونالد ترامب على انتخابه، متوقعةً الحفاظ على العلاقات القوية التي تربط بين البلدين، ملمحة إلى التقارب في العديد من الملفات، بالتأكيد هم متفقون، أقله على قاعدة بوش الابن المتجددة "من ليس معي، فهو ضدي".

اقرأ/ي أيضًا:

السيسي يهنئ ترامب.. وعود وكيمياء متبادلة

من الملام على فوز ترامب؟