12-نوفمبر-2016

صورة لأحد اجتماعات البرلمان المصري (Getty)

أمس الجمعة وافق صندوق النقد الدولي على إبرام اتفاق مع مصر تحصل بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات.

استنكر خبراء عدم رجوع الحكومة المصرية للبرلمان قبل التفاوض مع صندوق النقد حول قرض الـ12 مليار دولار ضاربة بالدستور عرض الحائط

وقال بيان صادر عن الصندوق مساء أمس إن الموافقة "تسمح بحصول مصر على مبلغ فوري قدره 2.75 مليار دولار مع صَرف بقية المبلغ على مراحل خلال مدة البرنامج، رهناً بإجراء خمس مراجعات في تلك الأثناء". وأضاف أن القرض "سيساعد مصر على استعادة الاستقرار الاقتصادي وتشجيع النمو الاحتوائي".

وتعوّل الحكومة المصرية كثيرًا على القرض وتعتبره داعمًا أساسيًا لسياساتها "الإصلاحية" واستهدافها تصحيح الاختلالات الخارجية واستعادة التنافسية، ووضع عجز الموازنة والدين العام على مسار تنازلي، وإعطاء دفعة للنمو وخلق فرص العمل مع توفير الحماية لمحدودي الدخل. يأتي هذا في وقت يشهد الاقتصاد المصري تطورات متلاحقة تهدد معيشة شرائح واسعة من المواطنين بعد مجموعة من القرارات واﻹجراءات التقشفية، التي اتخذتها الحكومة المصرية أواخر اﻷسبوع الماضي، على خلفية سعيها للحصول على القرض كآخر المنضمين إلى سلسلة قروض حصلت عليها الحكومة المصرية.

وكانت السلطات المصرية قد أصدرت عدة قوانين على رأسها قانونا الخدمة المدنية وضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى قرار تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وسط تأكيدات رسمية من الحكومة أن برنامج "الإصلاح" مصري تمامًا، ولم يُفرض عليها من صندوق النقد الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: 5 أسباب وراء فشل "ثورة الغلابة" في مصر

البرلمان الغائب عن القروض الكبيرة

على صعيد متصل، يواجه مجلس النواب المصري مأزقًا سياسيًا بسبب غيابه شبه التام عن تلك القرارات، فطبقًا للمادة 127 من الدستور المصري، لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب.

بحساب قرض صندوق النقد وتبلغ قيمته 12 مليار دولار، يصبح قيمة ما اتفقت عليه مصر من قروض لم يوافق عليها البرلمان 40 مليار دولار

واستنكر العديد من الخبراء والمتابعين عدم رجوع السلطة التنفيذية إلى البرلمان قبل التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول قرض الـ12 مليارًا وتطبيق السياسات التقشفية، وتساءل البعض عن قدرة البرلمان رفض القرض من عدمه، فعلى الرغم من الاشتراط الدستوري، إلا أن الحكومة المصرية تجاهلت استشارة مجلس النواب في كافة القروض الضخمة التي أبرمتها، وكذلك في إصدار السندات الدولية في أيرلندا بقيمة 4 مليارات دولار، والقرض الجديد الذي أبرمه المركزي مع البنوك الدولية بقيمة ملياري دولار يوم الأربعاء الماضي.

ووفقًا لوزارة التعاون الدولي، فقد حصلت مصر على قروض ومنح من دول ومؤسسات دولية مانحة مختلفة لصالح قائمة من المشروعات التنموية. وطبقًا للبيانات المتاحة، حصلت مصر على 62 منحة وقرضًا مختلفًا في عام 2016 فقط، بقيمة إجمالية بلغت 4.6 مليار دولار دون احتساب قرض صندوق النقد الدولي. ولا تشمل بيانات التعاون الدولي على سبيل المثال اتفاق مبادلة عملة وقعته مصر مع الصين بقيمة 2.7 مليار دولار أمريكي أواخر الشهر الماضي، في إطار سعيها لتوفير ستة مليارات دولار اشترطها الصندوق للحصول على قرضه.

ناقش البرلمان المصري جميع هذه القروض والمنح الصغيرة ماعدا قرضين، هما قرض البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار، والثاني قرض الحكومة اليابانية لاستكمال بناء المتحف المصري الكبير بقيمة 475 مليون دولار. ولا توجد بيانات عما إذا كانت بعض القروض التي ناقشها البرلمان قد أُقرّت بعدها من عدمه، بحسب الاشتراط الدستوري.

وباﻹضافة إلى هذه القروض، تنتظر مصر الحصول على القرض اﻷكبر في تاريخها من روسيا، وتبلغ قيمته 25 مليار دولار لبناء محطة الضبعة النووية، وهو القرض الذي نشر في الجريدة الرسمية دون مناقشته في البرلمان.

وقد ارتفع إجمالي الدين الخارجي المصري في نهاية حزيران/يونيو 2016 بنسبة 16%، ليصل إلى 55.8 مليار دولار مقارنة بـ48 مليار دولار في نهاية العام السابق، وفقًا للبنك المركزي.

وبإضافة قرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه مصر يوم أمس بشكل نهائي، وتبلغ قيمته 12 مليار دولار، يصبح قيمة ما اتفقت عليه مصر من قروض لم يوافق عليها البرلمان 40 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى باقي الحزمة التي يتضمنها البرنامج، أي 6 مليارات سابقة و9 لاحقة، وقبلها القروض التي نوقشت ولم يتم إقرارها، والودائع الخليجية، وهو ما يقفز بقيمة المديونيات إلى رقم أعلى بكثير.

وتنص المادة 101 من الدستور على أن "يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية".

وترى سعاد الشرقاوي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، أن "صندوق النقد له رؤية وسياسة ينتهجها، أثبتت فشلها في العديد من الدول التي اعتمدت عليه ورضخت لشروطه، ومنها الأرجنتين التي انتهجت أخيرًا أسلوبًا بعيدًا عن الصندوق وبدأت خطواتها نحو النجاح". وتضيف الشرقاوي أن "شروط صندوق النقد بعضها معلن وبعضها غير معلن، وصندوق النقد حرّ في انتهاج أي سياسة يتفق عليها المسؤولون فيه، ولكن حين نتحدث عن مصر ومصالحها العليا الاقتصادية والقومية والوطنية فإننا نصير أمام مخالفة الموازنة العامة في مصر للمبادئ الدستورية. فعلى مدار أكثر من عشر سنوات أصبح الدين العام الداخلي والخارجي يتجاوز إجمالي الناتج الإجمالي القومي".

يرى مراقبون أن البرلمان المصري تم تصميمه من قبل الدولة لتسيير عمل الحكومة، وأن النظام لا يخشى تحدي قراراته في البرلمان

اقرأ/ي أيضًا: السيسي يغازل إيران..وداع الرياض في سبيل النفط

الحكومة في مواجهة الدستور

ثمة معضلة أخرى يشير إليها الخبير الدستوري فؤاد عبد النبي، وهي أن "المشكلة لا تكمن في أحقية البرلمان بالرفض، وإنما تكمن في عدم احترام السلطة التنفيذية للبرلمان أو الدستور، والذي قامت السلطة التنفيذية بانتهاكه عدة مرات، ولا يوجد ما يمنعهم من انتهاكه فيما يخص قرض صندوق النقد، والذي يعد مخالفًا للدستور حتى بموافقة البرلمان، بموجب المادة 59 من الدستور، والتي تنص على أن "الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها"، وبالنظر إلى شروط صندوق النقد فهي لا تحقق الطمأنينة لعموم الشعب."
ويضيف عبد النبي أنه "في جميع الأحوال لا يجوز للحكومة الاقتراض من أي جهة دون موافقة البرلمان، بموجب المادة 127 من الدستور، إلا أنه في حال تجاهل صندوق النقد للبرلمان فإن الرئيس يصبح هو ممثل الدولة بالنسبة للجهات الأجنبية، وفقًا لنص المادة 139 من الدستور المصري، لذلك بالنسبة لصندوق النقد تكون موافقة الرئيس وحدها كافية".

في كانون الأول/ديسمبرالماضي، وقبل أيام من بدء انعقاد البرلمان المصري، أصدر عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا بالموافقة على إتمام قرض من البنك الدولي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار. وبعد انعقاده، تقدمت الحكومة المصرية لمجلس النواب بقوانين تم إقرارها في مرحلة ما قبل البرلمان لمراجعتها، لكنها لم تحتو على اتفاقية قرض البنك. ولم يتم نشر القرار الجمهوري في الجريدة الرسمية. وتسلمت مصر الدفعة اﻷولى من القرض في أيلول/سبتمبر الماضي دون عرضها على البرلمان.

وتشير سلمى حسين، الباحثة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والصحفية والاقتصادية، إلى أن الحكومة المصرية تواجه مشكلتين فيما يتعلق بالقروض التي تحصل عليها: اﻷولى هي وجوب موافقة البرلمان على القرض، والثانية هي التعديلات التي سيتم إدخالها على الميزانية نتيجة اﻹجراءات الاقتصادية التي يتم اعتمادها نتيجة للحصول على هذه القروض.

لكن رئيس الوزراء شريف إسماعيل يختلف مع هذه المعضلة الثانية. حيث قال في تصريحات صحفية إن "التعديلات التي ستطرأ على الموازنة العامة للدولة جراء القرارات الاقتصادية الأخيرة لا تحتاج إلى العرض على مجلس النواب الآن، على اعتبار أن برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي، الذي قدمته الحكومة إلى البرلمان، تضمن هذه الإجراءات".

يذكر أن خلافات عدة شهدها اجتماع اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب على خلفية القرارات التي تتخذها الحكومة المصرية من دون الرجوع لرأي البرلمان، ولعل أبرزها ما حدث يوم الأحد الماضي عندما صرّح النائب عاطف عبد الجواد، عضو ائتلاف دعم مصر، خلال اجتماع لجنة الطاقة أن دور النواب تحول إلى "كومبارس". وأوصت اللجنة الحكومة في نهاية الاجتماع بعدم تكرار إصدار مثل تلك القرارات منفردة في العام المقبل دون مشاركة البرلمان.

ويرى مراقبون أن البرلمان المصري تم تصميمه من قبل الدولة لتسيير عمل الحكومة، وأن النظام لا يخشى تحدي قراراته في البرلمان، لكنه على اﻷرجح يتجاوزه من أجل اختصار الوقت واﻹجراءات.

ولكن يشير البعض إلى إشكالية كبيرة إذا ما تم الطعن على دستورية القروض التي تحصل عليها مصر من دون موافقة البرلمان، إذ تقول سعاد الشرقاوي، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، إنه "إذا كانت مراقبة دستورية الموازنة العامة وجوبية في فرنسا ويمارسها المجلس الدستوري، فإننا لا نستبعد أن يحرك أصحاب المصالح في مصر، وهم جميع فئات المجتمع، دعوى بعدم دستورية الموازنة العامة، وعدم دستورية القروض الخارجية، حيث إنها تخالف كلا من سنوية الموازنة وتوازن الموازنة ومصداقية الموازنة، وعدالة الموازنة وحماية الأجيال القادمة من تبذير الجيل الحالي. أكثر من هذا، نحن لا نستبعد أن يتم تحريك المسؤولية السياسية عن عدم احترام الموازنة العامة للمبادئ الدستورية".

اقرأ/ي أيضًا: