24-أغسطس-2021

حققت أفغانستان تقدمًا كبيرًا على صعيد خفض معدلات وفيات الأطفال والأمومة (Getty)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

في حين تركز العديد من وسائل الإعلام حول العالم على الحديث عن مستقبل وضع المرأة تحت حكم طالبان، والنهج الذي ستتبعه الحركة في التعامل مع الأقليات والحقوق المدنية والفردية، يحاول العديد من الخبراء تسليط الضوء على واقع ومستقبل الرعاية الصحية للأفغانيين، وبالأخص للفئات الأكثر "هشاشة"، كالأطفال والنساء وكبار السنّ، في بلد يعيش 90 بالمئة من سكانه على أقل من دولارين (2 دولار أمريكي) يوميًا.

استدامة المكتسبات الإيجابية التي تحققت في مجال الرعاية الصحية في أفغانستان مرهونة بعدم قطع المساعدات الخارجية في المرحلة المقبلة

فمع تدهور الأوضاع الأمنية وحالة الفوضى التي طبعت المشهد العام في العديد من الولايات الأفغانية، ولاسيما العاصمة كابول، يحاول العديد من المهنيين من أطباء وممرضين ومهندسين ورجال الدولة التكنوقراط ممن تعاونوا مع الولايات المتحدة، مغادرة بلادهم، ما ينذر بأزمة موارد بشرية قادمة مع استمرار هجرة العقول خارج أفغانستان، وهو ما قد ينعكس سلبًا على القطاعات الحيويّة في البلاد، وفي مقدمتها القطاع الصحي. 

اقرأ/ي أيضًا: ما مستقبل اقتصاد أفغانستان تحت حكم طالبان؟ 

ورغم الانتقادات العديدة التي تكال للحكومات الأمريكية المتعاقبة بسبب إخفاقها في أفغانستان، بسبب تدخلها العسكري وغزوها للبلاد، أو الفشل في تقديم المساعدة المطلوبة لبناء دولة المؤسسات وترسيخ الهوية الوطنية ودعم اقتصاد مستدام غير مرهون بالمساعدات والمنح الخارجية، إلا أنّ التطور الإيجابي الأبرز في أفغانستان خلال العقدين الماضيين رغم الوجود الأمريكي، تمثّل في التحسينات الواسعة التي شهدها القطاع الصحي، وتحسّن عدد من المؤشرات الأساسية المتعلقة بالصحة العامة لقطاع كبير من السكان. 

حققت أفغانستان تقدمًا كبيرًا على صعيد خفض معدلات الوفيات بين الأطفال (Getty)

فقد تمكن القطاع الصحي في أفغانستان مثلًا من تحقيق قفزات مذهلة على صعيد زيادة معدل الأعمار بين الأفغانيين. ففي العام 2011، نشرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، بعض المعلومات الإيجابية المستفادة من تقرير معدل الوفيات في أفغانستان، وهو التقرير الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد الحديث، وقد أظهر التقرير أن متوسط العمر المتوقع في أفغانستان قد ارتفع بين العامين 2004 و2010 من 42 عامًا فقط (أي ثاني أخفض متوسّط مسجّل في العالم)، إلى 62 عامًا، مع تراجع كبير في معدل وفيات الأطفال، حيث كان 100،000 طفل أفغاني يموتون سنويًا فيما مضى، إلا أنه 

هذا التطور الذي تحقق يعكس قصّة نجاح نادرًا ما تترافق مع أي تدخّل أمريكي يتّسم بالفوضى والعسكرة واستشراء الفساد وفرض الحلول الغريبة دون أي اعتبار للظروف المحلية، بل ورغمًا عن رغبة السكان المحليين وبخلاف احتياجاتهم في كثير من الأحيان، وهو ما يذكّر دومًا بالقدرة الأمريكية في شنّ الحروب وخلق أسبابها، وعجزها المتكرر كقوّة كبرى عن خلق السلام. ومن الجدير عمومًا توضيح أن هذا النجاح ليس صنيعة الاحتلال الأمريكي، بل هو مجموع جهود متعددة أسهمت فيه منظمات دولية ومبادرات محلية واعية وجادّة، رغم عديد التحدّيات التي وقفت في طريقهم. وسيكون من الكارثي لملايين الأفغان، التراجع عن هذا الإنجاز النادر الذي تحقق تحت ركام الحرب والاحتلال.

لتقييم الوضع الصحي في أفغانستان والحديث عن مستقبله في ظل حكم طالبان، تحدث موقع Vox الأمريكي، مع الأستاذ غليبرت بيرنام، الأستاذ في كلية بلومبيرغ للصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، والذي يعدّ من أبرز الباحثين في مجال الأنظمة الصحية في أفغانستان، وساعد العديد من المنظمات والمؤسسات المعنية بهذا الشأن منذ العام 2002. وهنا ترجمة للحوار بتصرف:


  • حين بدأت العمل في أفغانستان عام 2002، كانت البلاد قد خضعت لحكم طالبان لمدى خمس سنوات، وكانت في حالة صنفت بالكارثة الإنسانية التي تطلبت تدخلًا دوليًا عاجلًا. ما تقييمك لنظام الصحة العامة في أفغانستان مقارنة بدول أخرى عملت بها؟

من دون وجود إحصاءات عامة، وهو أمر لم يحصل في أفغانستان الحديثة، يصعب وصف الوضع القائم بصورة دقيقة، ويضطر حتى المختص إلى الحديث بتعميمات تقريبية بناء على المشاهدات والتقديرات الميدانية. فحالة النظام الصحي في أفغانستان كانت متردّية حتى قبل الغزو السوفيتي عام 1978، وكانت معدلات وفيات الرضع والأطفال عالية. ولم يطرأ تحسن يذكر على هذا الوضع خلال الوجود السوفيتي (1978-1989)، وبعد خروجهم من أفغانستان واستمرار الصراع بين المجاهدين وحركة طالبان. وفي العام 2002، كان الوضع الصحي لعموم الأفغان، خاصة من النساء والأطفال، مترديًا وفق المعايير العالمية وحتى الإقليمية عند المقارنة بدول الجوار، وكانت معدلات وفيات الأمومة، أو وفيات النساء لأسباب متعلقة بالحمل والولادة من بين الأعلى عالميًا.

  • كيف يمكن وصف التغيرات الأساسية في الصحة العامة في أفغانستان خلال العقدين الماضيين؟

المؤشرات الصحية العامة الأساسية في أفغانستان ما تزال الأسوأ في المنطقة، لكن هذا لا يعني عدم وجود عدد من التطورات الملحوظة، والتي تشمل على سبيل المثال التوسّع في برامج التطعيم، وزيادة فرص النساء في الولادة في مراكز مختصة لدى قابلات قانونيات، ما أدى إلى انخفاض وفيات الأمومة، وانخفاض وفيات الأطفال، وزيادة كفاءة المستشفيات وقدرتها الاستيعابية. أما التطوّر الأبرز فهو نسبة السكان الذين توفّرت لديهم فرص الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، رغم أن ثمة العديد من الأسرما تزال محرومة من ذلك في المناطق النائية والمعزولة، إضافة إلى ملايين الأفغان الرحّل الذين لا يحظون بالرعاية الصحية.

ولعل الإشادة الأبرز تتعلق بالزيادة المذهلة في أعداد المتدربين في قطاع الرعاية الصحية والمنخرطين في برامج التدريب المتخصصة، والذين حصلوا على فرص للتدريب واكتساب الخبرة في الولايات المتحدة، وأوروبا، وآسيا، وفي دول الجوار. وصحيح أن الأرقام ما تزال غير كافية، إلا أنّ التطور على هذا الصعيد كان لافتًا للغاية، لاسيما عند مقارنة الوضع بما كان عليه في العام 2002.

  • ما الذي ساعد في التطوّر الذي تحقق، وما نوع البرامج الحكومية أو المساعدات التي أسهمت في خفض معدلات الوفاة بين الأطفال والأمهات تحديدًا؟

كانت مسائل صحة الطفل والمرأة أولوية للحكومة الأفغانية منذ البداية، وقد تلقت في ذلك دعمًا ضخمًا من العديد من المنظمات والبرامج المانحة، مثل الأمم المتحدة، واليونيسيف، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي جهات كان لها دور فاعل في دعم وتنفيذ البرامج التي يعود لها الفضل في تحقيق تلك النتائج.

ثمّة عوامل أخرى أسهمت في خفض معدلات الوفاة بين الأطفال والرضع والأمهات. فإلى جانب تحسن الرعاية الأساسية وتعزيز القدرة على الوصول إليها لقطاعات أكبر من الناس، والتوسع في برامج التطعيم، فإن التطورات الأخرى على صعيد توفير المياه النظيفة وتحسين البنى التحتية وبناء المدارس وتعليم الفتيات، كلها عوامل كان لها أثر مهم. ومن الجدير التذكير مجددًا، بأننا نتحدث هنا عن تطوّرات نسبية مذهلة بالمقارنة فقط بما كان عليه الحال عام 2002، لكن الأوضاع عمومًا ما تزال متردّية مقارنة بالدول المجاورة لأفغانستان.

  • إلى أي مدى كان الدعم والتمويل يذهب في مصارفه المخصصة مقارنة بالفاقد بسبب الفساد الذي استشرى في الحكومة الأفغانية [خلال العقدين الماضيين]؟ هل أعاقت ظاهرة الفساد تحقيق المزيد من التطورات، خاصة في النظام الصحي؟

الفساد مشكلة تعاني منها العديد من الدول الفقيرة، ويفترض أن تتلاشى تدريجيًا مع التطور في تجربة الحكم ونضج مؤسسات الدولة والجهات الرقابية وتحسن مستوى المعيشة بين عموم السكان. ثمة قطاعات في النظام الصحي تتأثر بشكل مباشر في بعض الدول التي يتفشى فيها الفساد، كقطاع الأدوية مثلًا، والإنشاءات [للمستشفيات والمراكز الصحية]، وعمليات التوظيف الوهميّة. ثمة تقارير حكومية رسميّة عن قضايا فساد في القطاع الصحي في أفغانستان، لكن لدي انطباع بأنه قد يكون أقل سوءًا من مظاهر الفساد التي أصابت قطاعات أخرى.

  • كيف تقيّم مستقبل نظام الرعاية الصحية في أفغانستان تحت حكم طالبان؟

لا يمكن الاستعجال بالتقييم الآن. فثمة وعود إيجابية مبدئية من زعامات الحركة والمتحدثين باسمها تشي بأنهم على استعداد للاستمرار بدعم وتشغيل هذه البرامج القائمة، وثمة تواصل مع الجهات المانحة الدولية ومنظمات الإغاثة لحثها على مواصلة أنشطتهم في أفغانستان. لكن ما زلنا في مرحلة مبكّرة جدًا، وربما يكون من المؤشرات التي يمكن الاهتمام بملاحظتها هو حجم الدور الذي سيوكل للنساء العاملات في القطاع الصحي ومدى ملائمة الظروف التي ستتوفر لهنّ للعمل تحت حكم طالبان.

الملا مصباح، أحد قادة طالبان ومسؤول الصحة العامة في ولاية غزنة جنوب غرب العاصمة (Getty)

السيناريو الأفضل، هو استمرار الاهتمام بالقضايا المتعلقة بصحة المرأة والأطفال، والتوسّع في مشاريع تطوير القطاع الصحي، ودعم برامج التغذية، وتوفير المياه النظيفة، وأعمال الصرف الصحي، ومشاريع الإسكان، والعناية بشكل خاص بالمشاكل الصحية الراهنة، سواء ما يتعلق بالأوبئة السارية أو الأمراض المزمنة وغير المعدية.

السيناريو الأفضل، هو استمرار الاهتمام بالقضايا المتعلقة بصحة المرأة والأطفال، والتوسّع في مشاريع تطوير القطاع الصحي، ودعم برامج التغذية، أما الأسوأ فهو أن تبقى البلاد عالقة في حالة من الحرب وعدم الاستقرار 

ومن الأساسي بطبيعة الحال توفير الدعم المستمر للعاملين والعاملات في قطاع الصحة، وضمان عدم فرض أية قيود على حق العاملات بالتنقل والعمل، إذ سيكون لذلك آثار وخيمة. وأخيرًا، لا يمكن تحقيق أي تقدم حاليًا في الوضع الصحي لعموم الأفغانيين، في حال تم قطع المعونات الخارجية والدعم الأجنبي، وهو شرط لاستدامة المكتسبات الإيجابية التي تحققت في السنوات الماضية، بغض النظر عن الأطراف التي ستحكم البلاد. أما السيناريو الأسوأ، لأفغانستان، وصحة سكانها، فهو أن تبقى البلاد عالقة في مستنقع الحرب وعدم الاستقرار.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

نيويورك تايمز: كيف يمكن فهم إستراتيجيات طالبان عبر حساباتها على تويتر؟

واشنطن بوست: كيف نجحت حركة طالبان في حرب "السوشال ميديا" حتى الآن؟

المشاورات مستمرة بشأن طبيعة نظام الحكم الجديد في أفغانستان