24-أغسطس-2021

رغم حداثة تجربتها، إلا أن طالبان أثبتت كفاءة إعلامية عالية على السوشال ميديا (NYT)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

ريتشارد ستينجل، مؤلف كتاب "حرب المعلومات" (Information Wars)، وقد عمل في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في وحدة خاصة لمكافحة عمليات التضليل الإعلامي. في هذا المقال المترجم بتصرف عن نيويورك تايمز، يسلط الكاتب الضوء على التحوّلات التي شهدتها حركة طالبان عبر تحليل سلوكها الإعلامي المتطوّر على وسائل التواصل الاجتماعي. 


في 14 آب/أغسطس، قبل يوم فقط من دخول مقاتلي حركة طالبان الأفغانية إلى كابول وإعلان سيطرتهم عليها، نشر حساب مجلة تابعة للحركة على تويتر مقطع فيديو يظهر فيه ستة جنود من الجيش الأفغاني في شاحنة نقل صغيرة، يحيط بهم عناصر من طالبان، وتضمّن المقطع تعليقًا مكتوبًا بالبشتوية، إحدى اللغات السائدة في أفغانستان، يقول ما ترجمته: "بالرغم من حرص المجاهدين على التعامل بتسامح وكرم مع الجنود، إلا أن أطفال القرية رموهم بالحجارة ووصفوهم بالكلاب. هذا جزاء الفظائع التي ارتكبوها". في اليوم ذاته، نشر المتحدث باسم الحركة رسالة على تويتر، لكن بالإنجليزية هذه المرّة، يعلن فيها أن الحركة عازمة على توفير "بيئة آمنة" لكافة الدبلوماسيين والسفارات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية، وأنهى الرسالة بكلمة "إن شاء الله"، بالإنجليزية.

سعت حركة طالبان طوال الأشهر الماضية وبشكل حثيث وممنهج، إلى تشكيل صورة جديدة عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تجمع بين القوّة والاعتدال

لقد سعت حركة طالبان طوال الأشهر الماضية وبشكل حثيث وممنهج، إلى تشكيل صورة جديدة عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تجمع بين القوّة والاعتدال، وتحاول التوليف بين حتميّة سيطرتها وحكمها والرغبة في تحصيل الشرعية من المجتمع الدولي. ثمة في المقابل حملات دعائية مباشرة لجأت إليها الحركة، عبر الرسائل النصية والتطبيقات المشفرة، لاستهداف الجنود وعناصر الشرطة بشكل مباشر، تصفهم فيها بالمرتزقة وتدعوهم عبرها إلى الاستسلام قبل مواجهة العواقب الوخيمة. في الوقت ذاته، بثت حسابات الحركة الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، رسائل تسعى إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن طالبان اليوم مختلفة عما كانت عليه في الأمس، فهي اليوم أشدّ تعقيدًا ودهاءً، ولم تعد تلك الحركة التي تتساهل في القمع وتنفيذ أحكام الإعدام العلنية في ملاعب كرة القدم في كابول. فمع كل انتصار وتقدّم للحركة في ولايات أفغانستان، كانت الرسائل تتوالى بأنها ستحترم حقوق المرأة والفتيات وستحرص على دعم المجتمعي المدني وحماية العمل الصحفي، وفق أحكام الشريعة.

فهل تغيّرت طالبان حقًا؟ ربما من المبكّر الحكم على النهج الذي ستسلكه الحركة في إدارتها للبلاد، لكن المؤكّد على الأقل اليوم هو أنّها قد غيّرت كثيرًا في استراتيجياتها، وبالأخص في سلوكها الإعلامي.

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن بوست: كيف نجحت حركة طالبان في حرب "السوشال ميديا" حتى الآن؟

تساءل الأمريكيون وغيرهم مؤخرًا وحاروا في تفسير ما حصل في أفغانستان: كيف يمكن لقرابة 70 ألف مقاتل من طالبان إلحاق تلك الهزيمة المذلة بزهاء 300 ألف (مسجّلين على الورق على الأقل) من القوات الحكومية جيّدة التدريب والتمويل؟ والجواب عن ذلك لا يتعلق بالنظر في جانب التدريب أو القوّة العسكرية، وإنما في الحالة المعنوية والذهنية بين الطرفين. لقد وعت طالبان الدرس القديم المحفوظ عن الجنرال "سون تزو"، والذي يقول بأن النصر في الحرب أو خسارتها يتحدّد قبل خوضها، وأن التحدّي الأكبر يتمثّل في كسر عزيمة العدو قبل مواجهته. وهذا هو عين ما فعلته طالبان.

أدارت طالبان المعركة الإعلامية باقتدار عالٍ (Getty)

فعلى مدى عدة سنوات، نشطت الحركة وأذرعها الإعلامية وحساباتها شبه الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، على بث رسالة تفيد بأن لها وحدها شرعية الحكم في البلاد، وأنها مقاتليها مشاريع شهداء، وأن الأمريكان "غزاة"، وكل من يتعاون معها من الأفغان ليسوا سوى "أجراء" لدى الأجنبي المحتل. أما الإطار العام لرسائل الحركة الإعلامية، فتعود جذروه إلى تسعينات القرن الماضي، وفيه تأكيد على أن أفغانستان بلد مسلم، وأن نضال الحركة هو "جهاد مبارك في سبيل الله". لا تملك الولايات المتحدة، ولا سواها، من الأمر شيئًا أمام هذا الخطاب: خطاب أصحاب الأرض فيما بينهم. ثمّ شنّت طالبان حربها، على شكل تمرّد محلي تقليدي بالتزامن مع إستراتيجية إعلامية فائقة التأثير، تم وضعها لإرهاب عدوهم، من دون قلق من التدخّل الولايات المتحدة في قتالٍ لا تجيده. ومع تقدم طالبان واكتساحها للولايات واحدة تلو الأخرى، كانت تخيّر جنود القوات الحكومية بين الاستسلام أو الموت، وقد بادر إلى الخيار الأول عشرات الآلاف من الجنود، دون أن يطلقوا طلقة واحدة.

هذا لا يعني أن فعالية طالبان في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثاليّة، فهنالك الكثير من الأخطاء الخرقاء، لكن علينا أن نتذكر أنهم قد بدأوا من الصفر. فالحركة حين حكمت أفغانستان فيما مضى، بادرت إلى حظر الإنترنت والتلفاز والموسيقى، لكنّها اليوم بهذه العقلية العسكرية الإستراتيجية المختلفة، تبنّت التقنيات الحديثة التي باتت حاضرة على نطاق واسع في الوسط الإعلامي في أفغانستان. فهنالك أكثر من 100 محطة إذاعية في أفغانستان، بعد أن لم يكن لديها سوى محطة واحدة قبل عقود، و70 بالمئة من الناس يستخدمون الهواتف المحمولة، وثلث السكان لديهم حضور على السوشال ميديا. لقد أدركت طالبان بأن الحرب الحديثة ميدانها الأول هو الإعلام والمعلومات. وبما أنّه لا يسعها إنشاء منصّة رقمية جديدة للتواصل، فإنه لا خيار أمامها سوى الاندماج في البيئة الرقمية القائمة واستغلالها لضمان حضور مهيمن ومؤثر عليها.

من أجل تحقيق ذلك، استفادت طالبان من تجربة تنظيم الدولة "داعش". فرغم مستوى التباين الواسع بين المجموعتين على مستوى التقنيات الإعلامية المستخدمة، إلا أن طالبان قد تعلمت الدروس الأساسية، فحرصت، كجماعة محليّة، على تطعيم رسائل القوّة، بصور تؤنسن عناصر الحركة وتظهر قربهم الطبيعي من الناس والشارع. خذ مثلًا مقاطع الفيديو التي تصوّر أفرادًا من الحركة وهم يلعبون بالسيارات في مدينة للألعاب والأطفال يشاهدون ويضحكون، أو المقاطع التي انتشرت لهم وهم يمارسون الرياضة على أجهزة حديثة. فبعد أن تمّت الأمور للحركة في الميدان، صار الاهتمام منصبًا على بناء الثقة بعد البرهنة على القوّة والقدرة على السيطرة. لكن في حين استغلت "داعش" وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتجنيد ضمن رؤية عالمية للجهاد، فإن طالبان وجدت في تلك المنصّات إمكانات هائلة للتواصل بشكل أكبر فعالية مع الناس في مختلف الولايات، وتمرير رسائل إيجابية للمجتمع الدولي بشأن المرحلة المقبلة.

 

 

ما تتقنه طالبان في لعبة السوشال ميديا حتى الآن ليس نشر المعلومات المضللة والفبركات الإعلامية، فتركيزهم الآن على الدعاية والترويج الذاتي وصناعة الصورة الإعلامية الحديثة، والاحتفاء بالنصر والتهكّم بالعدو وازدرائه، وبناء سرديّة جديدة تؤهلهم للانتقال إلى حكم أفغانستان كدولة.

ولفهم الإستراتيجية الإعلامية لطالبان، لا يكفي النظر إلى ما قامت به عبر حساباتها، بل يلزم أيضًا ملاحظة ما أحجمت عنه. فلقد تجنب الحركة نشر صور دموية للعمليات القتالية أو عمليات الاغتيال التي نفذتها خلال الأشهر الماضية، كما لم تنشر أي صور لعمليات قتل انتقامية أو مشاهد لفرضها أحكامًا بالقوّة على الناس. ويتضح من ذلك وعي الحركة بقواعد الاستخدام على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنّ أي انتهاك لها سيعرض حساباتها الفعالة إلى التعليق والحظر، وهو ما تحرص الحركة على تفاديه بشتى الوسائل.

اقرأ/ي أيضًا: ما مستقبل اقتصاد أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان؟

من جهة أخرى، تظهر طالبان حرصًا على عدم استثارة الجهات الدولية المانحة للمساعدة، لاسيما وأن 70 بالمئة من ميزانية الدولة تعتمد على المساعدات والمنح الخارجية. فجانب مهم من الجهود الإعلامية للحركة تركز على استهداف النخب الدولية لكسب تعاطفها وربما ثقتها، وذلك عبر تكثيف المؤتمرات الصحفية باللغة الإنجليزية، ونشر المقالات في الصحف العالمية، كذلك المقال الذي ظهر على نيويورك تايمز لسراج الدين حقاني، نائب زعيم طالبان الأفغانية، وزيارة بعض العواصم والمشاركة في المؤتمرات والانخراط في الدبلوماسية الدولية.

ما تقوم به الحركة حتى الآن عمليّ ومألوف في التاريخ: فهي تحاول تنفيذ عملية تحوّل غير بسيطة من حركة تمرّد وتحرر إلى تحالف حاكم

ما تقوم به الحركة حتى الآن عمليّ ومألوف في التاريخ: فهي تحاول تنفيذ عملية تحوّل غير بسيطة من حركة تمرّد وتحرر إلى تحالف حاكم. وهذا ما جعل المتحدثين الرسميين باسم الحركة يعلنون عبر تويتر عن التعهّد بحماية الموظفين الحكوميين والنخب التكنوقراطية، ودعوتهم إلى العودة إلى العمل والمساهمة في بناء "أفغانستان جديدة". كما حرصت حسابات الحركة الأبرز على نشر صور ومقاطع فيديو لفتيات في المدارس ونساء في طريقهن إلى العمل، وإجراء مقابلات معهنّ، تقول فيها إحداهنّ: "هذا النظام أفضل بكثير عما كان عليه من قبل".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

واشنطن بوست: كيف نجحت حركة طالبان في حرب "السوشال ميديا" حتى الآن؟

المشاورات مستمرة بشأن طبيعة نظام الحكم الجديد في أفغانستان

مترجَم: تقرير "الشفافية" من فيسبوك يكشف حجم المعلومات المضلّلة على المنصّة