26-يناير-2024
الرئيس السابق أوباما.

محطات حياة باراك أوباما

رحلة باراك أوباما من طفل صغير في هاواي إلى أن أصبح الرئيس الـ44 للولايات المتحدة هي قصة طموح وأمل وتغيير. نستكشف في هذا المقال كيف تشكلت شخصية أوباما في بيئة هاواي المتنوعة وكيف أثرت هذه الخلفية في مسيرته السياسية اللاحقة، مرورًا بمحطات حياته الأكاديمية والمهنية التي ساهمت في رسم مساره نحو البيت الأبيض.

نشأة باراك أوباما وطفولته

في كتابه "أحلام من أبي"، يروي باراك أوباما تفاصيل طفولته المعقدة والغنية بالتجارب، التي شكلت لاحقًا شخصيته ومسيرته السياسية. وُلد باراك أوباما في 04 أغسطس 1961م في هونولولو، هاواي، لأم أمريكية بيضاء من كانساس تدعى آن دنهام وأب كيني أسود يدعى باراك أوباما الأب. تزوج والداه بعد أن التقيا في جامعة هاواي، لكن زواجهما لم يدم طويلًا، حيث انفصلا عندما كان باراك يبلغ من العمر سنتين فقط.

بعد انفصال والديه، انتقلت والدته معه إلى إندونيسيا بعد زواجها من لولو سويتورو، وهو طالب إندونيسي التقت به في جامعة هاواي. في إندونيسيا، تعرض أوباما لثقافات وعادات متنوعة، مما ساهم في تكوين وجهة نظره العالمية. ومع ذلك، عاد إلى هاواي في سن العاشرة ليعيش مع جديه لأمه، مادلين وستانلي دنهام، حيث حصل على تعليم أفضل.

تحدث باراك أوباما في كتابه عن الصراعات الداخلية التي واجهها بسبب هويته المتعددة الثقافات والعرقية. حيث كان يشعر بالانفصال عن والده الذي لم يكن حاضرًا في حياته، وهو ما أثر في تفكيره وتطوره الشخصي. كما ناقش تجاربه مع العنصرية والبحث عن الانتماء، وكيف شكلت هذه التجارب وعيه الاجتماعي والسياسي.

يقدم كتاب "أحلام من أبي" رؤية عميقة لطفولة أوباما، معبرًا عن تجاربه الشخصية وكيف ساهمت في تشكيل شخصيته ومبادئه فيما بعد.

تعليم باراك أوباما

فيما يلي نظرة على سنوات التعليم التي مر بها باراك أوباما، مقسمة إلى التعليم المدرسي والجامعي والتعليم العالي:

1. التعليم المدرسي

تلقى باراك أوباما جزءًا من تعليمه المدرسي في إندونيسيا وجزءًا آخر في الولايات المتحدة. في إندونيسيا، حيث عاش مع والدته وزوجها لولو سويتورو، والتحق بمدرستين محليتين في جاكرتا. وبعد عودته إلى هاواي، درس في مدرسة بوناهو، وهي مدرسة تحضيرية خاصة ومرموقة، حيث أكمل تعليمه الثانوي. يُذكر أن فترة دراسته في هاواي كانت مهمة لتطوره الشخصي والأكاديمي.

2. التعليم الجامعي

بدأ باراك أوباما تعليمه الجامعي في جامعة أوكسيدنتال بلوس أنجلوس، حيث درس لمدة عامين قبل أن ينتقل إلى جامعة كولومبيا في نيويورك. في جامعة كولومبيا، تخصص في العلوم السياسية والعلاقات العامة وحصل على درجة البكالوريوس في عام 1983م. هذه المرحلة من تعليمه كانت مهمة في تشكيل وعيه السياسي وتطوير فهمه للقضايا العالمية.​​​​​​

3. التعليم العالي

بعد حصوله على درجة البكالوريوس؛ التحق بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، حيث حصل على درجة الدكتوراه في القانون، وهي أعلى درجة في مجال القانون في الولايات المتحدة. وخلال دراسته في هارفارد، أصبح أوباما أول أمريكي من أصول أفريقية يشغل منصب رئيس تحرير مجلة هارفارد للقانون. تخرج من جامعة هارفارد في عام 1991م، وتميز بتحقيقه لدرجات عالية، مما مكنه من التخرج بامتياز​​​​.

 

أهم الوظائف التي شغلها باراك أوباما

قبل دخوله المجال السياسي، شغل باراك أوباما عدة وظائف متنوعة؛ أهمها:

  • بعد تخرجه من جامعة كولومبيا، عمل لفترة قصيرة كمحلل في إحدى الشركات في نيويورك. ثم انتقل إلى شيكاغو، حيث عمل كمنظم مجتمعي مع مشروع الجماعات المحلية النامية، مساهمًا في تحسين حياة السكان في الأحياء ذات الدخل المنخفض.
  • خلال دراسته في كلية الحقوق بجامعة هارفارد عمل كمتدرب صيفي في إحدى شركات المحاماة في شيكاغو، حيث التقى فيها بميشيل روبنسون، التي أصبحت فيما بعد زوجته.
  • بعد تخرجه من جامعة هارفارد، عاد أوباما إلى شيكاغو وعمل كمحامٍ متخصص في حقوق الأقليات وقضايا التصويت. كما عمل كأستاذ محاضر في القانون الدستوري في جامعة شيكاغو. خلال هذه الفترة، كتب أيضًا كتابه "أحلام من أبي: قصة عرق وإرث" الذي يروي قصة حياته وبحثه عن هويته.

 

تجربة أوباما السياسية

بدأ باراك أوباما مسيرته السياسية كمنظم مجتمعي في شيكاغو، وتدرج من مجلس الشيوخ بإلينوي إلى أروقة السينات الأمريكي، وصولًا إلى أعلى منصب في البلاد:

1. عضوية مجلس الشيوخ

بدأ باراك أوباما مسيرته السياسية في مجلس الشيوخ بإلينوي. في عام 1996م، تم انتخابه للمرة الأولى لعضوية مجلس الشيوخ في إلينوي، ممثلًا للحي الثالث عشر في جنوب شيكاغو. خلال فترة وجوده في مجلس الشيوخ، عمل أوباما على تعزيز الشفافية والأخلاق في السياسة الإلينوية من خلال دعمه لتشريعات الإصلاح الأخلاقي. كما ساهم في تطوير برامج للرعاية الصحية للأطفال ودعم مشاريع القانون المتعلقة بالعناية بالمواطنين من الطبقة المتوسطة والفقيرة.

اشتهر أوباما بقدرته على العمل عبر الخطوط الحزبية، حيث تمكن من بناء علاقات مع الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، مما ساعده في تمرير تشريعات مهمة. وكان لديه تركيز خاص على قضايا العدالة الاجتماعية، بما في ذلك تشريعات تتعلق بتسجيل الفيديو للاعترافات في جرائم القتل لتجنب الإدانات الخاطئة.

خلال فترة ولايته، حقق باراك أوباما نجاحًا كبيرًا في تعزيز مشاريع القانون التي تعالج قضايا مثل الأمن الداخلي والرعاية الصحية وتوفير الفرص الاقتصادية للمواطنين. هذه الإنجازات في مجلس الشيوخ بإلينوي ساعدت في إرساء الأساس لمسيرته السياسية المستقبلية، والتي قادته في النهاية إلى البيت الأبيض​​​​​​.

2. الوصول إلى البيت الأبيض

في عام 2007م، أعلن باراك أوباما ترشحه للرئاسة الأمريكية ممثلًا عن الحزب الديمقراطي، وعُرفت حملته بشعارات الأمل والتغيير وجذبت الشباب والأقليات بشكل كبير.

في نوفمبر 2008م، حقق أوباما فوزًا تاريخيًا في الانتخابات الرئاسية، متغلبًا على المرشح الجمهوري جون ماكين، ليصبح أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية. خلال فترة رئاسته الأولى (2009-2013)، ركز على تعزيز الاقتصاد الأمريكي وإصلاح نظام الرعاية الصحية، وتم تمرير قانون الرعاية بأسعار معقولة. كما تميزت فترة رئاسته بإنهاء العمليات العسكرية في العراق والبدء في سحب القوات من أفغانستان.

تمت إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية (2013-2017)، حيث استمر في التركيز على السياسة الخارجية والدبلوماسية الدولية. ومن أبرز إنجازاته خلال هذه الفترة كانت الاتفاقية النووية مع إيران وتطبيع العلاقات مع كوبا. 

خدم أوباما كرئيس للولايات المتحدة لمدة ثماني سنوات، وترك إرثًا سياسيًا واجتماعيًا مؤثرًا، معروفًا برؤيته التقدمية وجهوده في الدبلوماسية الدولية وتحسين الرعاية الصحية​​​​​​.

3. ما بعد الرئاسة

بعد مغادرته البيت الأبيض في يناير 2017م، واصل باراك أوباما لعب دور فعال في الحياة العامة والمجتمعية. إلى جانب كتابة ونشر مذكراته، والتي تحكي عن تجربته الشخصية ورؤيته للعالم، واستمر أوباما في الظهور في الأحداث العامة وإلقاء المحاضرات، ومشاركًا تجاربه ومعارفه مع جمهور واسع. وقد ساهمت مشاركته هذه في تعزيز تأثيره كشخصية عالمية محورية في مجالات السياسة والمجتمع المدني.

ترك أوباما إرثًا واضحًا من خلال سياساته ومبادراته خلال فترة رئاسته، والتي شملت الإصلاحات الصحية، دعم الحقوق المدنية، والجهود المبذولة في مجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية. كما أصبح رمزًا للتنوع والتسامح، ويعتبر مصدر إلهام للعديد من الأشخاص حول العالم، خاصة في مجالات القيادة والسياسة.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل أوباما وزوجته ميشيل على تطوير مؤسسة أوباما، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تشجيع الشباب على العمل المدني والمشاركة في الحياة العامة. يُعد هذا العمل جزءًا أساسيًا من تركيزهما على تطوير القيادات الشابة وتمكينهم في مواجهة التحديات المستقبلية.

 

مؤلفات باراك أوباما

قام باراك أوباما بتأليف عدة كتب مهمة، واشترك بتأليف عدد آخر، ومن أهم هذه الكتب ما يلي:

1 أحلام من أبي (Dreams from My Father)

كتاب صدر في عام 1995م، يتناول حياة أوباما حتى دخوله كلية الحقوق في جامعة هارفارد. ويروي الكتاب قصة بحثه عن هويته الشخصية من خلال استكشاف جذوره العائلية.

2 جرأة الأمل (The Audacity of Hope)

صدر هذا الكتاب في عام 2006م، ويتناول آراء أوباما حول السياسة الأمريكية ويشرح رؤيته لمستقبل أمريكا. يناقش فيه أيضًا القيم الأمريكية ويتطرق لقضايا مثل الدين والعرق.

3 أرض وعد (A Promised Land)

كتاب صدر في نوفمبر 2020م، يُعتبر الجزء الأول من مذكراته الرئاسية. ويغطي الكتاب فترة حياته السياسية منذ بداياته حتى نهاية فترته الأولى في البيت الأبيض. يتناول الكتاب أيضًا الأحداث السياسية الرئيسية والقرارات التي اتخذها أثناء رئاسته.

 

في نهاية الأمر، يُعد باراك أوباما مثالًا حيًا على كيفية تحول الفرد من خلفية متواضعة إلى أعلى المناصب السياسية. تشهد رئاسته على قوة العزيمة والقدرة على الإلهام، متجاوزًا الحواجز الثقافية والعرقية ليصبح رمزًا للتغيير والتقدم.