شهدت الفترة الأخيرة تفاهمات عدة لتخفيف التوترات بين إيران والولايات المتحدة في عدد من القضايا، بداية بالاتفاق على تبادل السجناء، والإفراج عن الأصول المالية الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، بالإضافة للتوافق الأمريكي الإيراني الضمني على رفع إنتاج النفط الإيراني.
كما اتخذت إيران مؤخرًا خطوة، وإن كانت محدودة، لإبطاء زيادة مخزوناتها من اليورانيوم المخصب لدرجة قريبة من تلك اللازمة لصنع سلاح نووي.
تقول تقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة اطلعت عليها "رويترز"، إن "إيران خفضت معدل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60% القريبة من درجة 90% التي تستخدم في صنع الأسلحة، كما أنها قامت بتخفيف كمية طفيفة من مخزونها المخصب بنسبة 60%"
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز" لا تعني هذه الخطوة إمكانية لتحقيق تقدّم باتجاه إحياء الاتفاق النووي قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في عام 2024.
وتقول تقارير للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة اطلعت عليها "رويترز"، إن "إيران خفضت معدل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء تصل إلى 60% القريبة من درجة 90% التي تستخدم في صنع الأسلحة، كما أنها قامت بتخفيف كمية طفيفة من مخزونها المخصب بنسبة 60%".
الامكانيات الإيرانية
حاليًا، تمتلك إيران 60% من اليورانيوم المخصب، وهذا المخزون يزداد في النمو، ويكفي في حال تخصيبه لدرجة أعلى لصنع ثلاث قنابل نووية، وفقًا للتقدير النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أنها تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بمستويات أقل لصنع المزيد من القنابل.
من جهة أخرى، لم تنجح إيران في إقناع وكالة الطاقة الذرية، فيما يتعلق بالتخلي عن مخاوفها، بعد اكتشاف آثار لليورانيوم في موقعين غير معلنين فتشتهم الوكالة بعد شهور من المماطلة الإيرانية، بالإضافة للإخفاق في عملية إعادة تركيب كاميرات مراقبة، على الرغم من الضغوط الغربية ومن وكالة الطاقة المستمرة منذ فترة طويلة.
تفاهمات أمريكية إيرانية
يقول محللون متخصصون في منع الانتشار النووي، إن "التباطؤ النووي الإيراني قد يكون كافيًا للولايات المتحدة وإيران لمواصلة استكشاف ما يصفونه بالتفاهمات التي لم تعترف بها واشنطن أبدًا لخفض التوترات بشأن القضايا النووية وغيرها"، وأضافوا: أن "ذلك لا يعني بالضرورة وضع أي قيود فعلية على البرنامج النووي الإيراني قبل الانتخابات الأمريكية المقررة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لكنه قد يساعد الرئيس الأمريكي جو بايدن على تجنب أزمة مدمرة سياسيًا مع إيران، بينما يسعى لإعادة انتخابه".
وبهذا الخصوص، تحدث المحلل من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، هنري روم، عن أن "إبطاء الزيادة في مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، هو مؤشر واضح على أن طهران منفتحة على المضي قدمًا في تفاهمات عدم التصعيد مع واشنطن".
وأشار روم إلى أن "التباطؤ والتوقعات بشأن تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران هذا الشهر يمهدان الطريق أمام المزيد من الدبلوماسية هذا الخريف حول البرنامج النووي، وإن كان ذلك دون هدف التوصل إلى اتفاق جديد قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية"، وتابع "بالنسبة لواشنطن، ربما يكون هناك حد منخفض لما يتعين على إيران القيام به لأغراض خفض التصعيد"، لافتًا إلى أنه "من المرجح أن تكون إيران قد تجاوزت هذا الحد".
هدف الإدارة الأمريكية
يسعى الرئيس الأمريكي، لتحقيق هدف رئيسي، وهو إبقاء التوترات مع إيران تحت السيطرة، وتتراوح هذه التوترات بين البرنامج النووي الإيراني إلى الهجمات التي تنفذها الميليشيات المدعومة إيرانيًا على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
وبخصوص الخطوات التي قامت بها إيران مؤخرًا، يقول المحلل من مبادرة التهديد النووي، إيريك بروير، لقد "رفعت إيران قدمها عن الوقود في بعض المجالات لكنها لا تضغط على المكابح فيما يتعلق بالبرنامج النووي"، معتبرًا أن هذه الخطوات هي "خفض تصعيد مخفف".
وأضاف، أن "قيمة الخطوات التي اتخذتها إيران، فيما يتعلق بمنع الانتشار النووي صغيرة نسبيًا، لكن الهدف من سياسة خفض التصعيد الأمريكية ليس وقف البرنامج النووي على الفور، وإنما بناء حماية سياسية، وتجنب اندلاع أزمة".
من جهته، قال الممثل الخاص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشؤون إيران، إليوت أبرامز، والذي يعمل حاليًا في مجلس العلاقات الخارجية: "حتى انتخابات العام المقبل، يبدو أن الإدارة ترغب في الهدوء، ومستعدة لدفع الثمن في صورة دعم واسع النطاق للنظام الإيراني".
وكان حديث أبرامز، يلمح إلى ارتفاع صادرات النفط الإيرانية على الرغم من العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى تحويل ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية من كوريا الجنوبية إلى قطر في إطار اتفاق لتبادل سجناء.
ورغم أن إدارة بايدن، قدمت تبريرات لهذه الصفقة، بالقول، إن "الأموال تنتقل من حساب يخضع لقيود إلى آخر ولا يمكن السحب منها إلا لأغراض إنسانية".
وتتفادى وزارة الخارجية الأمريكية الخوض في مسألة التفاهمات مع إيران، لأسباب عديدة، من بينها أن أي اتفاق يعقد مع إيران بشأن البرنامج النووي، يلزم مراجعة من الكونغرس، بموجب القانون الأمريكي.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الثلاثاء، إنه ليس لديه ما يضيفه، بخلاف التصريحات التي صدرت في منتصف آب/أغسطس، التي نفت فيها الوزارة وجود أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، بخصوص البرنامج النووي، لكنها لم تستبعد إمكانية التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة.
ومنذ وصوله للحكم في كانون الثاني/ يناير 2021، يحاول الرئيس جو بايدن، إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي التزمت إيران بموجبه بقيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد انسحب من الاتفاق عام 2018، بحجة أنه كان "سخيًا للغاية مع طهران"، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية أمريكية واسعة النطاق على إيران.
وبدا أن الجهود المبذولة لإعادة إحياء الاتفاق قد باءت بالفشل قبل عام تقريبًا، عندما تحدث دبلوماسيون، عن رفض إيران، العرض النهائي الذي نقله وسطاء الاتحاد الأوروبي.
تمتلك إيران 60% من اليورانيوم المخصب، وهذا المخزون يزداد في النمو، ويكفي في حال تخصيبه لدرجة أعلى لصنع ثلاث قنابل نووية
ويعتبر دبلوماسيون أن التوصل إلى اتفاق أمر بعيد المنال بسبب التقدم الذي حققته إيران، لا سيما في تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي لديها قدرة إنتاجية أكبر بكثير، إلا أن تحليلات أخرى ترى أنه قد يكون هناك مجال لإجراء محادثات نووية أكثر جدية بعد الانتخابات الأمريكية.
وردًا على سؤال "رويترز" عن سبب إبطاء إيران لبرنامجها النووي، قال دبلوماسي غربي: "أعتقد إن هذا جزء من المناقشات التي يجرونها مع الولايات المتحدة، وجزء من الاتفاق الأوسع، اتفاق عدم الاتفاق"، مضيفًا: "أنه أفضل من لا شيء، لكنني لا يمكن أن أعتبره بمثابة تقدم هائل".