07-أبريل-2017

دييغو ريفيرا/ المكسيك

كتّاب كثيرون مارسوا السياسة وانخرطوا فيها بعمق، ومنهم من مات فيها أو بسببها. لكنّ عددًا قليلًا منهم من فكّر بالرئاسة. ترى كيف يكون شكل الحكم إذا ما تسلّم زمامه شاعرٌ أو روائي؟ هل تستطيع يوتوبيا الكتابة أن تخلق يوتوبيا مشابهةً في الواقع؟ هل يمكن للكاتب أن يكون حاكمًا عادلًا؟ هل تصلح الأفكار التي تأتي بنا إلى الفن والكتابة في حيز الممارسة السياسية؟ هل تغير السياسة في الكتابة أم العكس؟ إذا كانت الكتابة تقوم أساسًا على النقد، فهل يصلح الأمر نفسه في السياسة، التي تعادي النقد في العموم؟ وهل يخون الكاتب نصه حين يصبح سياسيًا؟ هنا ثلاث تجارب لكتاتبين صارا رئيسين، وثالث حاول وفشل.


ليوبولد سيدار سنغور.. نصف دكتاتور

كان ليوبولد سيدار سنغور أول رئيس للسنغال بعد استقلاله عن فرنسا عام 1960، وظل في منصبه مدة عشرين عامًا، حيث استقال من منصبه في 1980. يعد ليوبولد سنغور أول رئيس أفريقي يترك منصبه طواعية، بينما الآخرون غادروها مرغمين أو مقتولين. ينتمي ليوبولد سنغور إلى أقلية صغيرة هي سيريريون، وقد حكم بلدًا ذا غالبية إسلامية، وقد حكم بطريقة احترمت كل المكونات، ولم يعط المجموعة التي ينتمي إليها أية امتيازات.

وليوبولد سنغور مؤلف النشيد الوطني السنغالي "الأسد الأحمر". كان سنغور، مع الشاعر المرتينيكي إيمي سيزير، أول من طرح فكرة الزنوجة. وقد سئل مرة عن الشيء الذي يفضل أن يذكر به بعد رحيله، أن يذكر شاعرًا ومفكرًا أو رجل دولة، فأجاب: "اختر قصائدي، ففيها الجوهري".

ومن الغريب أن شاعرًا ديمقراطيًا مثل ليوبولد سنغور قد فرض نظام الحزب الواحد، بعد سنتين من تأسيس الجمهورية، وحارب التعددية الحزبية، والحركات الاحتجاجية. وقد جاء ذلك على خلفية اتهام رئيس الحكومة مامادو ديا بالتحضير للانقلاب على نظام ليوبولد سنغور، وقد ألقي في السجن مدة 12 سنة، وخرج سنة 1974 في الوقت الذي عاد جرى فيه إصلاح النظام ديمقراطيًا وتمت العودة إلى التعددية الحزبية.

من دواوين ليوبولد سنغور الشهيرة: "أغاني الظل"، و"رسائل الشتاء"، و"قرابين سوداء".


فاتسلاف هافل.. أنسنة السياسة

ينتمي الرئيسي التشيكي فاتسلاف هافل (1936 - 2011) إلى عائلة غنية، وبسبب انتمائه العائلي ذلك لم تقبله الجامعات الشيوعية حين كان يرغب في دراسة الآداب، لاتهام الأغنياء بالتعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، فعمل فاتسلاف هافل سائق تاكسي.

كان فاتسلاف هافل كاتب دراسات ومقالات بحثية، وكان ناشطًا سياسيًا في الحركة الطلابية. كتب حوالي 20 مسرحية، وكانت مسرحياته، وكذلك دراساته، عن الإنسان في ظل النظام الدكتاتوري. اعتقل فاتسلاف هافل ثلاث مرات، وقد أمضى خلالها ما يقارب خمس سنوات. وفور خروجه من السجن في اعتقاله الأخير أصبح رئيسًا.

يعد فاتسلاف هافل مهندس إسقاط الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا السابقة، في الثورة المخملية. تولى الرئاسة في تشيكوسلوفاكيا بين عامي 1989- 1992، وقبل انفصال سلوفاكيا عن التشيك بشكل سلمي، ثم تولى رئاسة جمهورية التشيك بين عامي 1993 - 2003. وقد حاز فاتسلاف هافل العديد من الجوائز الأدبية والحقوقية، لكن أبرزها كان حصوله على "جائزة غاندي للسلام"، وذلك "لإسهامه في السلام والتزامه بحقوق الإنسان في أصعب المواقف".

تنتمي أعمال فاتسلاف هافل إلى مسرح العبث، ومن أبرزها "قوة المستضعفين"، "محاولة العيش في الواقع"، و"رسائل إلى أولغا".


ماريو بارغاس يوسا.. كرامة الأدب وذل السياسة

يعد البيروفي ماريو بارغاس يوسا أحد الثلاثة الكبار في الرواية الأمريكة اللاتينية، إلى جانب كل من غارسيا ماركيز وكارلوس فوينتس. نال نوبل للآداب في 2010. كان من مؤيدي الثورة الكوبية لكنه عاد وندّد بنظام فيدل كاسترو، وأيّد نظام السوق الحرة تعبيرًا عن إيمانه بالديمقراطية، ما أثار غضبًا كبيرًا عليه في أمريكا اللاتينية.

رشّح ماريو بارغاس يوسا نفسه عن الحزب اليميني المحافظ لانتخابات البيرو في 199، لكنه خسر المنافسة مع الرئيس فوغيمري (الذي نُحي عن الرئاسة عام 2000 بسبب اتهامات بالفساد)، وتعرّض لحملة تشويه منظمة، استعملت فيها طليقته جوليا أوركيدي التي استلهم قصته معها في رواية "العمة جوليا وكاتب السيناريو". فقد بعد الهزيمة 8 كليوغرامات من وزنه.

يبرر ماريو بارغاس يوسا خسارته للمعركة الرئاسية قائلًا في حوار معه 1998: "كل ما كنت أطرحه وأدافع عنه لم يلق دعمًا وطنيًا، وفي مواجهة الأصولية الليبرالية التي كنت أمثلها فاز فوغيمري، الياباني الأصل، باسم الشعبوية. عندما خسرت انتخابات الرئاسة احتفظت بالصمت، غادرت إلى أوروبا وانكببت على الأدب وحسب". 


رومولو غايغوس.. رئيس مخلوع وكاتب خالد

رومولو غايغوس (1884 - 1969) روائي وسياسي فنزويلي. من عائلة من الطبقة المتوسطة. عمل في بداياته معلمًا وصحفيًا. نشر رومولو غايغوس روايته الأولى "دونيا باربرا" وهو في الثلاثين وكانت الرواية في نقد الدكتاتورية في فنزويلا. وبسبب هذا الكتاب اضطر رومولو غايغوس إلى مغادرة بلده، ليعيش عقدًا من الزمن في المنفى الإسباني.

عاد غايغوس بعد ذلك وأصبح نائبًا في البرلمان، لكن نتيجة لأفكاره الديموقراطية تم إجباره على تقديم استقالته وترك البلاد. وفي عام 1935 عاد إلى فنزويلا من جديد، وعيّن عام 1936 وزيرًا للتعليم، لكنه ترك منصبه هذا نتيجةً لدوافعه الأخلاقية. 

في عام 1947 تم اختياره كأول رئيس منتخب بطريقه شعبيه في انتخابات نزيهة، حصل فيها على معظم أصوات الناخبين، بنسبة 80%، لكنه أطيح به في العام التالي عبر انقلاب قامت به مجموعه عسكرية، ويقال إنه غرق في كتاباته بطريقة أثّرت سلبًا على أدائه كرئيس. ذهب إلى كوبا ولم يعد إلى بلاده إلا في عام 1958 بعد تحريرها من النظام الديكتاتوري السائد فيها، ولم يعد يعمل في السياسة.

يعد رومولو غايغوس أحد أكبر كتاب اللغة الإسبانية في القرن العشرين. في 1960، كان في قائمة ترشيحات نوبل للآداب، وقد أطلقت في بلده فنزويلا جائزة أدبية تحمل اسمه لتكريم الأدب المكتوب باللغة الإسبانية. وفي عام 2015، بمناسبة الذكرى 131 لميلاده، تم تنظيم قراءات من أعماله في الساحات العامة في أنحاء البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 روائيين يجيبون عن سؤال: كيف تكتب الرواية؟

4 روايات عربية من الممكن أن تصبح أفلامًا