13-نوفمبر-2019

بيدرو سانشيز (AFP)

على عكس ما كان مراد لها: أن تفك حالة الانسداد السياسي الذي تعرفه البلاد منذ سحب الثقة من حكومة رخوي ذات حزيران/يونيو 2018. أتت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها إسبانيا أول أمس الأحد، 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، لتزيد وحول ذات الانسداد السياسي بللًا. بعد فشلها الأول في تشكيل حكومة الظافرين من اقتراع نيسان/ أبريل الماضي: اليسار ممثلًا بقطبيه، الحزب الاشتراكي ويونيداس بوديموس.

المفاجأة في الانتخابات التشريعية التي شهدتها إسبانيا كانت اختراق حزب VOX اليميني المتطرف ليصير ثالث قوة في البرلمان

أطوار ذلك الفشل القديم باتت معروفة، وسبق أن بسطناها بالشكل سابقًا، وتوجب على الإسبان العودة إلى صناديق الاقتراع مجددًا. في وقت كان المراد من تلك العودة تأكيد الأغلبية المريحة لحزب معين تمكنه من تشكيل حكومة بشكل سلس. انتهت نتائجها إلى صدارة هشة للحزب الاشتراكي PSOE، ملاحقًا بحزب الشعب المحافظ. بينما المفاجأة كانت اختراق حزب VOX اليميني المتطرف ليصير ثالث قوة في البرلمان، ولم ينفع بوديموس الشد والجذب الذي مارسه على بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة السابقة والحزب الاشتراكي، في تحسين موقعه الذي تقهقر فاقدًا ثلاث مقاعد.

اقرأ/ي أيضًا: اتساع دائرة اتهامات ترامب وانقسام في الشارع الأمريكي حول عزله

بانوراما أبرز النتائج الانتخابية

عرفت انتخابات يوم الأحد نسبة مشاركة تعادل 70 %؜، وبلغة الأرقام، لا يزال الحزب الاشتراكي بقيادة بيدرو سانشيز متصدرًا المشهد، ورغم فقدانه لثلاثة مقاعد أحرز المرتبة الأولى بـ 120 منها، حاصدًا 28 %؜ من الأصوات. في حين ظلّ مطاردًا من غريمه التقليدي، حزب الشعب المحافظ، الذي حقق تقدمًا ملحوظًا عن نتائجه السابقة، بتحصله على أصوات 20.8 %؜ من الإسبان ما يعادل 88 مقعدًا، عوضًا عن الـ66 التي حصدها في الانتخابات السابقة. فيما أكبر اختراق، ومفاجأة سياسية، هو الذي حققه حزب VOX اليميني المتطرف الذي أصبح ثالث قوة في البرلمان، متقدما بـ28 مقعد عن أول انتخابات تشريعية يخوضها هذا الحزب الفتي في نيسان أبريل الماضي، متحصل على ما مجموعه 52 مقعدًا برلمانيًا بنسبة أصوات عادلت 15.1 %.

بينما الخاسرون كان على رأسهم حزب بابلو إغليسياس، يونيداس بوديموس اليساري، الذي لم يحسّن مركزه الرابع كما كان طموحه عبر سجال تشكيل الحكومة، وعلى العكس فقد 7 من حصيلته الماضية حاصدًا هذه المرة 35، بنسبة 12.8%؜ من الأصوات فقط. في وقت كانت الضربة القاسمة هي التي تلقَّاها حزب سيودادانوس، اليميني اللبيرالي، متراجعًا عن مركزه الثالث في الانتخابات الماضية إلى السادس، فاقدًا 47 مقعدًا أي ما يقوف 80 % من حصيلته في الانتخابات الماضية، مكتفيًا بتمثيلية من 10. بينما حل قبله التحالف اليساري الكتالوني ERC في المركز الخامس بـ 13 مقعد برلمانيًا.

مثلت مقاعد هذه الأحزاب الستة 91 %؜ من مجموع المقاعد الـ 350 للبرلمان الإسباني، ما يعني أن مصير الحكومة موضوع بين يديها. أيديولوجيًا حصد اليسار 155 مقعدًا، أما اليمين 150. 

تشكيل حكومة مستقرة؟

"نريد تشكيل حكومة مستقرة وتقدمية مهما كلّفنا الأمر"، كان هذا أول ما صرح به بيدرو سانشيز، رئيس الاشتراكي الإسباني، عقب صدور النتائج. لكن ليست المهمة بهذه البساطة اقترانًا بمسلسل الأحداث الذي سبق الرجوع إلى الصناديق، أي الشد والجذب مع بوديموس. وارتباطًا كذلك بالحقيقة القائلة إن كلًّا من الفريقين، اليسار واليمين، لا يتوفران على الأغلبية المريحة لـ 176 مقعد.

حديث سانشيز عن حكومة تقدمية، يقول مراقب، هو بمثابة إعادة الكرة مرة أخرى إلى ملعب بوديموس، ملمحًا من خلال تحديد طبيعة الحكومة طبيعة الحليف المفترض. لكن الخطاب في ظاهره كان موجهًا للجميع، باستثناء واحد هو حزب VOX، "الذين ينشرون خطاب الكراهية"، على حد وصف رئيس الحكومة الإسبانية.

قال زعيم حزب VOX اليميني المتطرف، سانتياغو آباسكال، إن نتائج الانتخابات في إسبانيا "تلقين درس لليسار ومزايداته الأخلاقية!"

في حين يبقى طرح تشكيل حكومة مع بوديموس قائمًا، وانطلق الاشتغال عليه بعد أول اجتماع تشاوري جمع سانشيز ببابلو إيغليسياس، رغم أن 155 مقعد ليست بالقاعدة البرلمانية الكافية لتنصيبها. بعد الإشارة التي تلقاها زعيم بوديموس، وعبرَ عنها قائلًا: "إن ما كان في نسيان/أبريل اختيارًا هو الآن ضرورة"، في إشارة إلى التحالف مع الـ PSOE. مقرًا أن إعادة الانتخابات لم تحقق أيًا من أهدافها السياسية، سوى أنها قوت تواجد اليسار في البرلمان.

اقرأ/ي أيضًا: الإطاحة بموراليس.. تحالف الجيش واليمين والـCIA ضد الاشتراكية في بوليفيا؟

بينما تبقى العشر مقاعد التي أحرزها سيودادانوس معلّقة، رهينة ما ستؤول إليه الأمور في البيت الداخلي للحزب، ومع توضحها سيتبين مآل ميلانه: إما محافظًا على اصطفافه يمينًا، أو مراجعة حساباته ودعم اليسار رغم استبعاد حدوث هذا الأمر. هذه "النتائج الكارثية تقع على مسؤولية القائد" هكذا اعتبرها الرئيس رئيس الحزب، ألبير ريفيرا، قبل أن يقدمَ استقالته معلنًا اعتزاله النهائي لـ"الحياة السياسية والحياة العامة بعد أن خدم إسبانيا لسنوات"، مكرسًا حياته المستقبلية لعائلته وأشغاله الخاصة.

اعتزال نهائي اقتلع زعيم حزب الشعب، بابلو كاسادو، من نشوة النتائج التي حققها حزبه، ليغرد في ما يشبه بيان الوداع لا مع ريفيرا وحده بل مع تحالف كان قبل يوم الأحد قائما مع سيودادانوس، قائلًا: "أنا آسف بعمق عن القرار الذي اتخذه ريفيرا، لقد كان مناضلًا وطنيًا!". وفيما يخص النتائج الانتخابية أتى أول تصريح لزعيم حزب الشعب الإسباني قائلًا: "لقد فشل الاستفتاء الذي أطلقه سانشيز الخاسر الأكبر في هذا اليوم!". بعد تعزيز مقاعده في البرلمان متخطيًا ما نتج عن الانتخابات الماضية، التي أرخى سحب الثقة من حكومة ماريانو راخوي ظلاله عليها. ومشيرًا إلى تجاوز حزبه لمرحلة الصدمة التي أحدثتها الواقعة.

معجزة VOX

كانت أكبر مفاجأة أفرزتها نتائج الانتخابات هي الاختراق الذي أحدثه حزب VOX اليميني المتطرف. ففي غضون 11 شهرًا تحول من حزب بلا تمثيلية في البرلمان، إلى ثالث قوة داخله. كان هذا عنوان خطاب زعيم الحزب، سانتياغو آباسكال، الذي اعتبر النتائج "تلقين درس لليسار ومزايداته الأخلاقية!"، متوعدًا بالاستمرار في مكافحة ما أسماه “الدكتاتورية اليسارية".

هذه النتائج التي صداها تعدى حدود المملكة الإيبيرية، حيث غردت مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف قائلة: "اليوم حقق حزب VOX نتيجة رائعة في الانتخابات الإسبانية، برافو لقيادة هذا الحزب ولعملها المثير للإعجاب". كما هنّأ ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة الإيطالي، والذي لا يقل يمينية ولا تطرفًا عن نظيريه الآخرين، صديقه آباسكال، مغردًا: "لسنا فاشيين ولا عنصريين، في إيطاليا كما في إسبانيا نود فقط العيش بسلام في أوطاننا".

غردت مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف قائلة: "اليوم حقق حزب VOX نتيجة رائعة في الانتخابات الإسبانية، برافو لقيادة هذا الحزب ولعملها المثير للإعجاب"

فيما يرجع محللون سياسيون نتائج VOX إلى التعثر الذي عرفته الحكومة الإسبانية أول الأمر، ما منح الحزب المتطرف فرصة في رص صفوفه واستغلال السخط العام من الانسداد السياسي. كما استفادَ من الأحداث التي عرفتها تلك المرحلة، على رأسها احتجاجات برشلونة التي حولها قمع رجال الأمن إلى معارك عنيفة في شوارع عاصمة الإقليم. كما عبأ الحزب الفتي الذي يقدم نفسه وريثًا شرعيًا للحقبة الفرانكوية أصواته، مستغلًا عملية نقل رفاة الدكتاتور من مقبرته في وادي الشهداء بالعاصمة مدريد، ضامًا إلى جانبه بالضجة التي أثارها آباسكال المتعاطفين الذين أيقظ فيهم مشهد النقل حنين إلى فرانكو. 

إشارة أخرى مهمة

رجوعًا إلى الخارطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات، نلاحظ كون مقاطعات في الأندلس منحت VOX مقاعدها، إضافة إلى المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية. هذه إشارة ضرورية كذلك للإجابة على سؤال: لماذا صعد نجب اليمين الشعبوي في البلاد؟

اقرأ/ي أيضًا: فرانكو خارج مدريد.. شبح الديكتاتور يعيد الاستقطاب السياسي

"سبتة معقل تقليدي لليمين المحافظ" يقول عزيز صابر، الناشط الحقوقي وعضو حزب بوديموس الإسباني، في حديثه لـ"ألترا صوت". مشيرًا إلى الميلان التاريخي لأصواتها ناحية حزب الشعب، وأن ما حدث الآن هو استبدال حزب الشعب بتيار VOX الأكثر تشددًا. استبدال يرجعه صابر إلى طبيعة المدينة الحدودية، وتركيبتها الاجتماعي والسياسية، التي "تعيش بشكل يومي على وقع الجريمة المنظمة ومعارك تصفية الحسابات وصراعات مافيا تهريب المخدرات والاتجار بالبشر".

ويضيف صابر أن: "التركيبة السكانية لسبتة تتفشى فيها الهشاشة، وتتوزع على محيط مركزها هوامش أغلبية سكانها من العرب المغاربة، يعانون اللامبالاة والإهمال بالتالي يمثلون بيئة مثالية لانتشار خلايا الإرهاب والجريمة المنظمة. إضافة إلى الأعداد الكبيرة من القاصرين المغاربة المتخلى عنهم الذي يدفعهم الحرمان إلى السرقة أو التسول". وبشكل معاكس "جعل خطاب VOX المتطرف رائجًا في أوساط الأغلبية الإسبانية في المدينة، مالئًا الفراغ الذي أحدثته انتكاسة حزب الشعب بعد سقوط حكومة راخوي".

لأن أغلبية السكان الإسبان في سبتة ينسلون من عائلات عسكرية، يجعلها مركزًا تقليديًا لليمين، عكس حواضر وسط إسبانيا

وهناك عامل آخر، هو استمرار الإحساس بالتهديد عند ساكنة سبتة وهاجس الترحيل في يوم ما عن المدينة. و"أباسكال يلعب على هذا الوتر الحساس عند ساكنة سبتة، وهذا ما يفسر تأكيده في عدة خطابات على السيادة الإسبانية على هذه المدينة" يقول صابر. مشيرًا كذلك إلى أن أغلبية السكان السبتيين الإسبان ينسلون من عائلات عسكرية، أو كانت معمرة بشمال المملكة، ما يؤكد كونها مركزًا تقليديًا لليمين الإسباني، عكس حواضر وسط إسبانيا الصناعية أو الفلاحية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تعود روح الدكتاتور فرانكو الفاشية "المتدينة" إلى إسبانيا؟

في حين يشير ذات المتحدث إلى أمر آخر، هو صعود اليمين المتطرف في كل من مرسيا وألميريا، المقاطعتين اللتين تحتضنان مئات الآلاف من العمالة الفلاحية المهاجرة، والتي ساهمت بشكل كبير ازدهار تلك المناطق. "هي الآن مهددة بهذا المد المعادي للهجرة" يختم المتحدث.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تشبه الحرب السورية..الحرب الأهلية الإسبانية؟

كارمن لافوريت: سأبقى وحيدة!