13-يناير-2019

ضمت موجة الشعبوية العالمية إسبانيا هذه المرة (أ.ف.ب)

لم يكن لدى اليمين المتطرف في إسبانيا أي قوة انتخابية تُذكر منذ انتهاء حقبة دكتاتورية فرانكو، لكن يبدو أن الانتخابات الأخيرة في إقليم الأندلس خلال بداية شهر كانون الأول/ديسمبر من العام المنصرم، تحيل إلى أن روح فرانكو المحافظة لا تزال حاضرة، حيث حقق حزب "فوكس" اليميني المتطرف انتصارًا انتخابيًا مفاجئًا، بفوزه بنسبة 10% من الأصوات، وانتخاب 12 نائبًا برلمانيًا.

يشير صعود حزب "فوكس" إلى أن روح الدكتاتور فرانكو لا تزال حاضرة، ولا يزال الحنين لاستعادة "إسبانيا المسيحية القديمة" موجودًا في بعض الخطابات المحلية

 كان هذا زلزالًا انتخابيًا زعزع المهتمين بسياسة المنطقة الأوروبية، ليس فقط لأن اليمين المتطرف قد وصل إلى البرلمان في أكبر منطقة في إسبانيا من حيث عدد السكان، ولكن أيضًا لأن اليسار قد فقد أغلبيته البرلمانية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

فوكس.. حزب يميني مسيحي

تأسس حزب "فوكس" السياسي في 17 كانون الأول/ديسمبر 2013، وأعلن عنه رسميًا خلال مؤتمر صحفي بمدريد بعد شهر، ويصنف الحزب نفسه على أنه "حزب يميني مسيحي ديموقراطي"، ويمثل أقصى جناح اليمين الشعبوي.

ترشح لأول مرة في الانتخابات الأوروبية عام 2014 لكنه لم يستطع الفوز بأي مقعد في البرلمان الأوروبي، واختار عدم المشاركة في الانتخابات الإقليمية الكتلانية خلال 2017. بيد أن هذه الإخفاقات الانتخابية لن تطول، حيث سينجح الحزب في إحراز 12 مقعدًا برلمانيًا في الانتخابات الإقليمية الأندلسية الأخيرة، ليدخل لأول مرة في برلمان إقليمي.

ربما يمثل فوز حزب "فوكس" اليميني النسخة الإسبانية لصعود الشعبوية حول العالم، ومع ذلك فإن هناك خصائص مميزة لليمين الإسباني مرتبطة بالسياق التاريخي والسياسي لهذا البلد. تَذكر مجلة جاكوبين في تحليل مطول لها، أنه وعلى عكس الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، التي تبني أيديولوجيتها على الهوية القومية الخالصة، يضيف الحزب الإسباني إلى ذلك العنصر الديني الكاثوليكي.

ولا يعني هذا أن الحزب  يشبه بعض الأحزاب ذات الصبغة المسيحية المُعلمنة في أوروبا، مثل الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تقوده المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بل إنه يحتفظ بالنسخة الكنسية المحافظة من الدين.

لم يتخلل الحزب أي دور علماني قد يكسر علاقاته مع الكاثوليكية، مما سمح له بتبنّي خطاب المحافظين الجدد "صراع الحضارات" على أساس الدين، ولذلك فهو لا يخشى مهاجمة الأفكار التي بدا أن القوى التقدمية أرستها بدون رجعة علنًا، مثل العلمانية في تدبير الشأن العام، والتعايش مع الآخر المختلف، والتحرر الجنساني.

إنها نفس الأفكار التي من أجل هدمها أعلن الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو حربًا شاملة على الجمهورية الإسبانية اليسارية في سنة 1936، بهدف استرجاع إسبانيا المحافظة المبنية على احترام ثلاثة مبادئ، الدين والقومية والأسرة. وقد نجح بالفعل في ذلك وحكم إسبانيا على ذلك المنوال طوال 36 سنة، قبل استعادة الديموقراطية.

ما وراء صعود اليمين

يشير صعود حزب "فوكس" إلى أن روح فرانكو لا تزال حاضرة، ولا يزال الحنين لاستعادة "إسبانيا المسيحية القديمة" موجودًا في بعض الخطابات المحلية، وهو ما يشير إلى أن الديموقراطية الإسبانية تواجه تحديات جدية. 

اقرأ/ي أيضًا: أين ينتصر الشعبويون في العالم؟..ولماذا؟

ويأتي هذا المد اليميني في إسبانيا في سياق الموجة العالمية من القوى الشعبوية المعادية للأجانب، خاصة بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية 2016، ولذلك لا يبدو غريبًا أن حزب "فوكس" اليميني المتطرف يتبنى شعارات ترامبية، من قبيل "لنجعل إسبانيا عظيمة مرة أخرى" و"دعونا نبني جدارًا حدوديًا في سبتة ومليلية لوقف المهاجرين".

 جاء الصعود اليميني المدوي في إسبانيا مستغلًا القلق من موجة "الإرهاب" التي تضرب في كل مرة مدنًا أوروبية، بما فيها برشلونة، وتخلف هلعًا في المجتمع

كما ساهمت الاحتجاجات الانفصالية في كتالونيا في شحذ الأصوات القومية في المجتمع الإسباني وتقوية السياسة المركزية لمدريد، وهو ما يصب في صالح الأحزاب اليمينية عامة التي تقدم نفسها كمدافع صلب عن الوحدة الترابية والهوية الوطنية الإسبانية، فبعد استفتاء 2017 لاستقلال كتالونيا، زاد مباشرة عدد أعضاء حزب "فوكس" بنسبة 20%.

وفي نفس الوقت، جاء الصعود اليميني المدوي في إسبانيا مستغلًا القلق من موجة "الإرهاب" التي تضرب في كل مرة مدنًا أوروبية، بما فيها برشلونة، وتخلف هلعًا في المجتمع، يُترجم مباشرة إلى أصوات انتخابية يمينية. وعلاوة على ذلك، أجّجت سياسات التقشف والمظالم الاجتماعية وفضائح الفساد النزوع الشعبي نحو الأحزاب الشعبوية كبديل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الديمقراطية.. على حافة الهاوية

أوروبا واليمين.. عصر الظّلام المُقبل