30-يوليو-2019

رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، من داخل البرلمان الإسباني (ASP)

فشل بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني المنتخب حديثًا، في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان. كان ذلك للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام، اصطفت الفرق البرلمانية قبل نحو ثلاثة أيام مجددًا عكس إرادة الحزب الذي تصدر انتخابات نيسان/أبريل الماضي، حزب العمال الاشتراكي الإسباني، تاركين زعيمه معزولًا دون حليف، عاجزًا عن تحقيق الأغلبية الحاكمة.

للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام فشل بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان

فشلٌ مرده، وخلافًا لكل التوقعات، لا إلى ضغط الأنداد التقليديين أي تحالف اليمين واليمين الوسطي، بل إلى شرخ في كتلة اليسار والمقصود هنا حزب بوديموس، الذي رفض بالقطع نسخة سانشيز لتشارك الحكم.

اقرأ/ي أيضًا: هل تعود روح الدكتاتور فرانكو الفاشية "المتدينة" إلى إسبانيا؟

ويأتي ذلك في وقت أبان رئيس الوزراء المذكور عن تعنتٍ كبير إلى تلك النسخة، مكرسًا حالة الجمود التي تعيشها البلاد؛ دون حكومة بعد أزيد من ثلاثة أشهر عن السباق الانتخابي. قد تعيد المشهد إلى نقطة الصفر، إلى الصناديق التي قد تعيد فتح كل الاحتمالات.

لكن يبقى المجال مواربًا لتدارك الأمر في "عملية قيصرية" تمتد حتى تاريخ الـ23 أيلول/سبتمبر القادم، بإيجاد اتفاق بين المتنازعين أو بتدخل الملك ربما، في إيجاد مخرج لولادة حكومة طال انتظارها.

بيدرو سانشيز
رئيس الوزراء، سانشير، عن حركة بوديموس: "لا يمكن تشاطر الحكم مع حزب لم يتعدى عمره خمس سنوات"

كل شيء بدأ يوم الإثنين 22 حزيران/يوليو الجاري، حينما عرض رئيس الوزراء بيدرو سانشيز نسخته للحكومة على البرلمان الإسباني لأول مرة، مستفيضًا في حديثه عن برنامجه التشريعي، وسياساته الموعودة في مسائل عدة أخذت من اهتماماتها العدالة الجبائية وحقوق العمال والمرأة والتغيرات المناخية حصة الأسد، ومن المساحة الخطابية لسانشيز الذي وصل لهذه المرحلة بعد أن تصدر الانتخابات الأخيرة بـ28%؜ من الأصوات و125 مقعدًا، متبوعًا بغريمه حزب الشعب اليميني بـ 66 مقعدًا فقط.

اليوم الذي يليه، مع وصول موعد التصويت كانت هزيمته متوقعة، لكن لم يكن الرجل يتخيلها بذلك الحجم، مع صياحه داخل البرلمان: "نحن لسنا بصدد الاختيار بين يمين ويسار، اختيارنا الآن بين أن تكون لنا حكومة أم لا!".

كان لفريق بوديموس رأي آخر حين امتنع عن التصويت، تاركًا مشروع الحكومة المقترحة يسحق بين فكي حزب الشعب وحزب سيودادانوس، معهما حزب فوكس اليميني المتطرف والصاعد حديثًا.

بوديموس: لدي عرض.. مرفوض!

لاحقًا، ومن جهتها أعلنت حركة بوديموس أنها تريد "الخروج من أزمة التشكيل الحكومي الحالية وبناء حكومة ائتلافية تقدمية تعالج التحديات الكبيرة في بلدنا". وفقًا لما جاء به بيانها مرفوقًا بمقترحاتها لإيجاد حل لأزمة الصراع على الحقائب الحكومية ذاك. 

وهو صراع نفيه يثبت إيجابه حين يقول رئيس الحكومة: "يجب علينا أن نتذكر أنه لا توجد حقائب لها أولوية أولى على أخرى، كل الحقائب الوزارية يجب أن تساهم على حد سواء في تحسين حياة المواطنين و تشكل جميعها جزءًا من مجلس وزراء إسبانيا".

وأطلقت بوديموس في اللحظات الأخيرة مبادرة تشمل نائب الرئيس للحقوق الاجتماعية وسياسات المساواة والصحة، ووزارة العمل، والعلوم والجامعات، في حين تمثل عرض الحكومة في: نائب للرئيس وثلاث وزارات هي الصحة والإسكان وسياسات المساواة. وهو ما أظهر أن النقطة المركزية في المفاوضات بين الحزب والحكومة تركزت حول حقيبة العمل، بدون أن تشمل وزارة الضمان الاجتماعي .

نص المقترح أو العرض الذي قدمه تشكيل إغليسياس للحكومة شمل: "وزارة للعمل بصلاحيات لرفع الحد الأدنى للأجور بين المهنيين وإلغاء الإصلاح العمالي لحزب الشعب". غير أن تمسك الحزب الاشتراكي "PSOE" بعرضه الأول وبالمقابل رفض العرض الذي قدمه إغليسياس قبل ثلاث ساعات من التصويت، هو ما جعل سانشيز يخرج خرجته التهديئية بقوله إنه "لا توجد حقائب وزارية أهم من أخرى".

الطلب الجديد الآخر من بوديموس كان حقيبة وزارة العلوم والجامعات، مع صلاحيات تمكن من زيادة تمويل الأبحاث العلمية ورفع نسبتها إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي طوال فترة الدورة التشريعية، وبلورة مسار بحثي جدير بالتقدير بالمقارنة مع نظرائه في أوروبا، بالإضافة إلى خفض الضريبة الجامعية ورفع نسبة المنح حسبما جاء في نص العرض الذي تقدم به إغليسياس.

وطلبت بوديموس أيضًا إدراج وزارة "سياسات المساواة"، التي أدرجتها الحكومة كوزارة منفصلة. ويتضمن عمل تلك الوزارة إجراء إصلاح في نظام الرعاية والتعليم والمساواة في الأجر بين الجنسين، وإجازة أبوة وأمومة متساوية.

كما طلبت بوديموس تمكين نائب الرئيس من مسؤولية قضايا  الذاكرة الديمقراطية، وهي الإجراءات التي تتخذها الحكومة في مقاطعات مختلفة للمصالحة ودعم حقوق المتضررين من الحرب الأهلية الإسبانية وفترة حكم الديكتاتورية الفرانكوية.

وتضمّن العرض كذلك أن تتكلف وزارة الصحة وشؤون المستهلك بتحقيق نظام صحي شامل ووقف خصخصة هذا القطاع. فضلا عن ضمان الحق في القتل الرحيم.

يومان لن ينهيا خلاف 90 يومًا

يوم الأربعاء الماضي أنهى حزب PSOE مفاوضاته مع بوديموس، رافضًا مقترح إغليسياس الأخير. ثم يوم الخميس الذي يليه عرض الأمر مجددًا على نواب الأمة، والنتيجة ذاتها: فشل سانشيز في الحصول على ثقة البرلمان، وضغط متواصل لبوديموس بحثًا عن تمثيلية تليق بقدر الأصوات التي حظي بها عبر اقتراع نيسان/أبريل.

"حاولنا تكوين تحالف حكومي، وبوديموس عرقل ذلك!"، تقول كارمن كالبو النائبة الاشتراكية، مضيفة أنه "لا يمكن الاستمرار في السير على هذا المسار التصعيدي، الذي يطرح توليفات أخرى لكن لا يحقق تحالفًا. في وقت تعيش البلاد فيه ضغطًا كبيرًا دون حكومة!". فيما أكد إيون بيلارا، النائب البرلماني عن يونيداس بوديموس، تفاؤله لإيجاد مخرج للأزمة منتصف شهر أيلول/سبتمبر، قائلًا إن ذلك سيكون "أفضل من خوض الانتخابات مجددًا".

هذا وقد بدا أن السمة الأبرز لكل مشاورات الحزبين هي "انعدام الثقة المتبادلة"، يؤكد ذلك كون الحزبين طوال مدة 90 يومًا لم يجتمعا سوى أربع مرات، واحدة منها لم تدم سوى 20 دقيقة، في حين تخلف عن كلها حضور بيدرو سانشيز وبابلو إغليسياس، قيادتا الحزبين اللذين اكتفيا فقط بالمحادثات الهاتفية طوال هذه المدة.

يورد تقرير لموقع إلبايس الإسباني، أن حزب حركة بوديموس لا يظن أن لسانشيز رغبة في التحالف معه، وبذلك يفسرون تعنتها خلال المفاوضات، كما أن السبب في عدم منحهم حقيبة وزارة العمل، كون الحزب مقلق في نظر "CEOE"، وهي أكبر جمعية لرجال الأعمال وأصحاب المقاولات في إسبانيا، الأمر الذي جاهد حزب PSOE في نفيه، معللًا استمراره في المفاوضات بأن لا أحد يريد انتخابات جديدة.

أشباح كتالونيَا المرعبة

ظِلٌ آخر يخيم بثقله على المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة الإسبانية، ظل إقليم كتالونيَا الذي تتم محاكمة قادة محولة استقلاله الأخيرة، تزامنًا مع الصراع البرلماني المذكور. في وقت لعبت فيه القضية دورًا محوريًا في إسقاط حكومة راخوي السابقة، بعد أن كانت أحزاب كتالونيا المحلية أول من سحب الثقة من الحكومة اليمينية، معيدة عداد التشريع إلى الصفر ومقدمة مقود الأحداث للحزب الاشتراكي على طبق من ذهب.

في رسالة لكيم تورا، رئيس إقليم كتالونيا الحالي، يؤكد تصويته ضد حكومة سانشيز ما دام "هذا الأخير لم يقرر عودته إلى طاولة المفاوضات مع القوى الاستقلالية، وما دام لا يمنح الحرية الكاملة للأصوات الكتالونية في تقرير مصيرها".

وذكر تورا رئيس الحكومة بأن "جهود عموم النواب الكتلان في البرلمان الإسباني هي من مكنته من منصبه ذاك"، وفي المقابل واجهها رئيس الحكومة بـ"مزيد من القمع والتضييق". وأكد تورا في ختام رسالته أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الاحتقان على الجهتين، هو "العودة إلى الحوار في جو هادئ والالتزام بإجراء استفتاء عام حول مصير الإقليم". الشيء المرفوض قطعًا من قبل رئيس الحكومة الجديد.

في المقابل، وفي حين نفى رغبته في أي حقيبة وزارية لنفسه، لوّح سانشيز برفضه لوجود اسم بابلو إغليسياس ضمن قائمة الوزراء "نظرًا لدعمه الكبير للاستفتاء غير الشرعي لاستقلال كتالونيا 2017"، وإصراره على اعتبار معتقلي تلك الوقائع "معتقلين سياسيين".

بابلو إغليسياس
زعيم حركة بوديموس، بابلو إغليسياس، في البرلمان الإسباني

هذا في الوقت الذي يبقى وضع اليد في اليد مع الأحزاب الاستقلالية خيار يقوي التحالف اليساري الصعب مع بوديموس، هذه الأحزاب التي خرجت بمقاعد قليلة، لكن إذا ما اجتمعت تكون كافية لتحقيق التوافق المأمول على تشكيل حكومة، بـ15 مقعدًا للحزب الجمهوري اليساري الكتالوني (ERC) وسبعة مقاعد لحزب "جميعًا من أجل كتالونيا"، وستة مقاعد لحزب الباسك الوطني، وأربعة للحزب اليساري الباسكي، إضافة إلى مقعدين لحزب ائتلاف جزر الكاناري، ومقعد حزب التراضي الفالنسي، ليصبح المجموع حكومة برضى 199 صوتًا.

من هذا الحين إلى 23 أيلول/سبتمبر

بعد فشل التصويت الثاني على حكومة سانشيز، جعلت قيادة حزب PSOE الأمر واضحًا: "لا استمرار في المفاوضات مع بوديموس، بالنسخة التي يطلبها"، راميةً الكرة في ملعب إغليسياس كي يضحي في سبيل عدم إعادة الانتخابات.

في المقابل، هناك حل انفراد الحزب الاشتراكي وحده بالحكومة، وهذا يستلزم، من هنا وصولًا إلى 23 أيلول/سبتمبر، خوضه معركةً أخرى مع جانب آخر. هكذا يحول الحوار وضغطه مجددًا إلى نقيضه الأيديولوجي، التحالف اليميني الثلاثي لحزب الشعب وسيودادانوس وفوكس.

في لقاء تلفزي له على قناة "Telecinco" الإسبانية، عبر بيدرو سانشيز عن "ضيقه من كون إسبانيا لم تتحصل على حكومة إلى هذا الحين"، مجددًا رفضه للاستمرار في التفاوض مع بوديموس، طالعًا بعلة أخرى لرفضه، هي: "لا يمكن تشاطر الحكم مع حزب لم يتعدى عمره خمس سنوات!".

بعد فشل التصويت الثاني على حكومة سانشيز، صرحت قيادة حزبه بوضوح: "لا استمرار في المفاوضات مع بوديموس بالنسخة التي يطلبها"

وعلى ما يبدو، فلدى سانشيز طموحٌ لحكومته،ولإسبانيا ككل، يتعدى الاستمرار كنموذج اقتصادي ناجح للخروج من الأزمة المالية، إلى قيادة ائتلاف لدول جنوب أوروبا يقف صدًا للمد اليميني الشعبوي الزاحف من شمال شرق القارة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ووترغيت الإيبيرية.. كيف حاولت الحكومة الإسبانية إعدام بوديموس؟

فوز اليسار الناقص.. ما الرهانات التي تطرحها نتائج الانتخابات الإسبانية؟