12-أغسطس-2019

يسعى النظام السوري إلى تفريغ إدلب قبل السيطرة عليها بالكامل (Getty)

لم تمض ساعات على هدنة إدلب، حتى عادت طائرات الأسد وروسيا لتلقي قنابلها وصواريخها على ريفي إدلب وحماة، وتنهي بذلك أمل المدنيين بسريان مؤقت للحياة في مدنهم وقراهم المدمرة، ما دفع بالأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى قرع ناقوس الخطر قبل انفجار قنبلة إدلب الإنسانية التي قدد تتحول لورقة ضغط بيد النظام وحليفه الروسي.

يبقى وضع المدنيين في محافظة إدلب رهنًا للاتفاقات والتفاهمات بين الأطراف الدولية والإقليمية، ومع فشل مؤتمر أستانا 13 بإنجاز تهدئة، قد يصبح المدنيون ورقة بيد النظام وروسيا يلوحان بها أمام تركيا والغرب

وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر أستانا 13 في العاصمة الكازاخستانية الأسبوع الماضي، والذي اشترط انسحاب فصائل المعارضة بعمق 20 كم من خط منطقة خفض التصعيد في إدلب، بالإضافة لسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، أصبح وقتًا مستقطعًا في الحرب التي يشنها النظام وحلفاؤه على المنطقة منذ أواخر نيسان/أبريل الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: رهان موسكو الأخير.. المال مقابل السلام في إدلب

للمرة الأولى.. روسيا متهمة بمجازر إدلب

أحصى منسقو استجابة سوريا في الشمال السوري الخسائر المادية والاقتصادية التي تعرضت لها إدلب خلال الحملة الأخيرة، وبحسب المنظمة بلغت الخسائر قرابة 1.45 مليار دولار أمريكي، وتجاوز عدد المنشآت المتضررة 288، في حين وثقت  مقتل 1200 مدني بينهم 328 طفلًا منذ شباط/فبراير الماضي، كما أدت الغارات الجوية إلى نزوح أكثر من 700 ألف مدني خلال 5 أشهر.

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أيضًا مقتل 347 مدنيًا بينهم 91 طفلًا و39 سيدة خلال شهر حزيران/يونيو الفائت جلهم في ريفي إدلب وحماة، منهم 231 مدنيًا بينهم 59 طفلًا، و32 سيدة قتلوا على يد قوات الأسد. مشيرة إلى أن النظام وروسيا ارتكبوا 33 مجزرة في الأشهر الثلاث الماضية.

وإثر التقارير المأساوية عن نتائج التصعيد العسكري للنظام وموسكو، اتهمت الأمم المتحدة لأول مرة بشكل رسمي، روسيا بدعم المذابح التي يرتكبها نظام الأسد في إدلب منذ أكثر من 90 يومًا.

وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق شؤون الإغاثة الطارئة مارك لوكوك في جلسة لمجلس الأمن حول سوريا: "الآن ومنذ أكثر من 90 يومًا، رأينا كيف أدى القصف من قبل (نظام الأسد)، وبدعم من روسيا، إلى وقوع مذبحة في منطقة خفض التصعيد بإدلب في 26 من تموز/يوليو".

وأوضح لوكوك أن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أحصى سقوط ما لا يقل عن 450 مدنيًا منذ أواخر نيسان/أبريل، بما في ذلك أكثر من مئة خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

واتهم المسؤول الأممي نظام الأسد وحلفاءه بمواصلة القصف الجوي بلا هوادة، وضرب المرافق الطبية والمدارس وغيرها من البنى التحتية، واستبعد أن يكون ذلك مجرد صدفة.

كما حث لوكوك مجلس الأمن الدولي على التحرك وفعل شيء حيال أطفال إدلب، وأشار إلى أنه تم التحقق من صحة المعلومات، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية، وأشرطة فيديو للانفجارات والمباني المدمرة والجثث المحترقة وصراخ الأطفال.

كذلك تقدمت عشر دول أعضاء في مجلس الأمن من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتحقيق في تعرض منشآت طبية تدعمها الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا للقصف من قبل نظام الأسد المدعوم من روسيا.

وسلمت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبلجيكا وبيرو وبولندا والكويت وجمهورية الدومنيكان وإندونيسيا التماسًا دبلوماسيًا رسميًا لغوتيريش بشأن إجراء تحقيق في الهجمات التي تتعرض لها هذه المرافق.

وقالت الدول لغوتيريش في التماسها: "تعرض ما لا يقل عن أربع عشرة منشأة مدعومة من الأمم المتحدة لأضرار أو تدمير في شمال غرب سوريا منذ نهاية نيسان/أبريل، ولذا نطلب منك بكل احترام أن تدرس فتح تحقيق داخلي بالأمم المتحدة في الهجمات التي ألحقت أضرارًا أو دمرت مرافق تدعمها الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا ورفع تقرير بشكل فوري".

تفريغ إدلب قبل السيطرة عليها

يسعى النظام إلى السيطرة على إدلب في محاولة لكسب الشرعية باعتباره المسيطر على أكبر مساحة من الأرض، كما أنه يعلم أن إدلب بيئة حاضنة للثورة وقد واجهته عسكريًا بقوة، وبالتالي فإن أهلها لن يقبلوا بعودته.

ويهدف الأسد من عمليات القصف العشوائية لدفع المدنيين إلى النزوح قرب الحدود التركية وعزل فصائل المعارضة. ويرى مراقبون أن النظام يتّبع نمطًا معينًا في القصف، فالموجة الأولى من الضربات تركّز عادةً على الأهداف العسكرية لترعب بذلك المدنيين الذين يعيشون في مكان قريب.

وتتألف موجة القصف الثانية من ضربات عشوائية تُشنّ على منطقة معينة، مما يشير إلى أنه سيستهدف أيًا كان داخل هذا المحيط. أمّا الموجة الثالثة فيحدث فيها قصف مكثف، حيث يعتبر النظام جميع من لم ينزح من المنطقة هدفًا لقنابله وصواريخه.

في 18 من حزيران/يوليو، رفع مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات  الطوارئ، تقريرًا مقلقًا إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع الإنساني في إدلب. يشير إلى نزوح 330 ألف مدني منذ الأول من أيار/مايو الماضي من منازلهم في المحافظة على وقع غارات النظام وروسيا، وتجمع معظمهم في 342 مخيمًا غير رسمي أنشئت على طول الحدود مع تركيا.

يتوجه النازحون إلى هذه المخيمات المكتظة أصلًا لاعتقادهم بأنهم سيكونون أكثر أمانًا هناك، وهذا صحيح في الوقت الحالي لأن المنطقة لم تتعرض للقصف بعد، ولأن المنظمات الدولية قادرة على الوصول إليها من تركيا بسهولة، مما قد يؤدي إلى توفّر قدر كبير من المساعدات.

وهذا يولّد مفارقة وهي أنّ المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة تشجّع عن غير قصد استراتيجية النظام وروسيا التي تهدف إلى إخلاء جنوب إدلب. ويلفت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وشؤون الإغاثة، "أنّ 250 ألف طفل هم خارج المدرسة لأن المرافق التعليمية الخاصة بهم إما مدمَّرة أو تُستخدم كبيوت للمشردين داخليًا".

وفي ظلّ غياب مرافق إيواء إضافية، خيّم عدد كبير من الأشخاص النازحين داخليًا في بساتين الزيتون، ومن المرجّح أن يصبح هذا الأمر شاقًا مع اقتراب فصل الشتاء ووصول المزيد من النازحين إلى الحدود.

ويحذر مراقبون من تكرار سيناريو حلب في إدلب، حيث قصفت قوات النظام المنطقة لمدة ثلاث سنوات قبل اقتحامها، ممّا قلّص عدد المدنيين من 1.5 مليون نسمة إلى أقل من 100 ألف شخص عشية الهجوم البري. وتضم محافظة إدلب حوالي 3 ملايين مدني بينهم مليون طفل، هجرهم النظام من جميع أنحاء سوريا.

إلى أين يفر النازحون؟

في حال تواصلت عمليات القصف المدفعي والجوي على محافظة إدلب، يرجح أن يتوجه النازحون الفارون من الموت إلى أعزاز وجرابلس وعفرين شمالي سوريا، وهي المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا.

لكن هذه المناطق التي استقبلت سابقا نازحين ومهجرين من مختلف أنحاء سوريا، تبدو غير قادرة على استقبال المزيد من النازحين من إدلب، وهي تعاني من وضع اقتصادي وأمني متردٍ، إضافة إلى توجه تركيا لإعادة اللاجئين السوريين من أراضيها إلى تلك المناطق مما قد يهدد بأزمة إنسانية كبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: معركة إدلب الكبرى.. تحرير الشام عتبة لـ"حمام دم" الأسد

ويبدو أن النظام لن ينجح في الترويج لعودة النازحين إلى مناطق سيطرته، وإجبارهم على "المصالحة" واحتجازهم في مراكز الإيواء كما فعل بالتنسيق مع روسيا عقب السيطرة على غوطة دمشق الشرقية وغيرها من المناطق إثر حصار و قصف عنيف ومكثف.

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 347 مدنيًا بينهم 91 طفلًا و39 سيدة خلال شهر حزيران/يونيو الفائت جلهم في ريفي إدلب وحماة، منهم 231 مدنيًا بينهم 59 طفلًا، و32 سيدة قتلوا على يد قوات الأسد

ويبقى وضع المدنيين في محافظة إدلب رهنًا للاتفاقات والتفاهمات بين الأطراف الدولية والإقليمية، ومع فشل مؤتمر أستانا 13 بإنجاز تهدئة في إدلب، قد يصبح المدنيون ورقة بيد النظام وروسيا يلوحان بها أمام تركيا والغرب لتحصيل مكاسب سياسية أكثر في جولة جديدة من تسويات "أستانا الروسية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟