14-أبريل-2024
الشاعر حيدر محمود

الشاعر حيدر محمود شاعر الوطنين فلسطين والأردن

حملتني مطالعة حياة الشاعر حيدر محمود وأشعاره العديدة عن الوطن "فلسطين والأردن" أقول، حملتني إلى سنوات عديدة خلت، أعيدت إليّ تلك الدقائق الخمس بين نشرة أخبار الثامنة وما يليها من برامج على التلفزيون الأردني، انتابتني مشاعر مختلطة وأنا أتذكر توقي لسماع ذلك اللحن المميز للقصيدة : "يعشقون الورد لكن، يعشقون الأرض أكثر"، وفطنت لما عرفت أنها من أشعار حيدر محمود أن خلود الشاعر أمر مفروغ منه طالما أبدع، فحتى ولو كنا صغارًا في ذلك الوقت وحتى لو عرفناه من شعره فقط دون اسمه سيظل صدى الكلمة واللحن مترددًا في آذاننا على مدار السنوات ما دام نبض الحياة فينا.

 

من رحم المأساة يولد العظماء

في حيفا، تاج جبل الكرمل وثالث أكبر المدن الفلسطينية ولد الشاعر حيدر محمود في العام 1942م أي قبل نكبة العرب بـ 6 سنوات، يعني هذا أن الشاعر شهد أصعب مرحلة مرت على فلسطين والعالم العربي في العصر الحديث من تهجير قسري وتطهير عرقي مورس على أيدي عصابات الهاغانا ومجازر بربرية صهيونية في حيفا تحديدًا حيث كان يعتبر سقوط حيفا أول التداعي الذي أعقبته أحداث النكبة عام 1948م.

خرج حيدر محمود من وطنه لاجئًا حيث مخيم الكرامة وأنهى دراسته الابتدائية ومنه إلى عمان عام 1955 م حيث أتم دراسته الإعدادية والثانوية عام 1959م من كلية الحسين ثم توجه إلى بريطانيا برعاية رئيس الحكومة آنذاك وصفي التل لدراسة الإعلام عام 1963 م ثم أتم الماجستير في إدارة الأعمال عام 1979م من جامعة كاليفورنيا ونال الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية العالمية للآداب في الصين.

أدت قصيدة "نشيد الصعاليك" إلى إقالة حيدر محمود من منصبه كمستشار لرئيس الوزراء، وحكم عليه بالسجن

البدايات

عمل حيدر محمود في العام 1964 م سكرتيرًا للتحرير في صحيفة الجهاد ومنها انتقل للتقديم الإخباري والثقافي والسياسي في التلفزيون الأردني، بعد ذلك عمل كمستشار للمدير العام في التلفزيون ثم مستشارًا إعلاميًا للقوات المسلحة الأردنية كما شغل منصب مدير دائرة الثقافة والفنون عام 1981-1989 م.

كان قريبًا من السلك السياسي والقوات المسلحة الأردنية ونظرًا لما لقيه من دعم نظير نبوغه الأدبي والفكري، شغل حيدر محمود عددًا من المناصب المهمة في الدولة، ففي العام 1990 م تم تعيينه كمستشار إعلامي لرئيس الوزراء ثم أوفد سفيرًا للأردن في تونس بين عامي 1991-1999م، ومنه إلى إدارة مركز الحسين الثقافي التابع لأمانة عمان الكبرى عام 2001 م، ومنها وزيرًا للثقافة عام 2002 م، ليعود بعدها مرة أخرى إلى إدارة مركز الحسين الثقافي قبل أن يكون عضوًا في مجلس الأعيان الـ26 وااـ27. 

ومع تعدد مناصبه السياسية المرموقة في الدولة الأردنية لم ينشغل الشاعر حيدر محمود عن كونه واحدًا من الناس، يشاطرهم همومهم ويثور على ما يهددهم ويقدم شعره وسيلة للدفاع عنهم والتحدث بلسانهم، كما كان له في قصيدته "نشيد الصعاليك" التي أثارت اضطرابات عديدة في الشارع الأردني مع أوائل شهر نيسان من العام 1989 م، حيث تحدثت القصيدة عن الظلم الاجتماعي الذي يعانيه المواطنون العاديون، أدت هذه القصيدة إلى إقالة حيدر محمود من منصبه كمستشار لرئيس الوزراء آنذاك وتم الحكم عليه بالسجن بموجب الأحكام العرفية إلا أنه تم الإفراج عنه لاحقًا بأمر مباشر من الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.

وهناك العديد من القصائد التي امتدح بها حيدر محمود السلالة الهاشمية المتمثلة بقائدها آنذاك الملك الحسين بن طلال، ومن بعده الملك عبد الله الثاني بن الحسين حيث تعتبر قصيدتا "مع عبد الله يدًا بيد " و " صدقت الوعد يا ملك القلوب "من القصائد الجميلة التي كتبها حيدر محمود في مدح الملك عبدالله والتي تميزت بجمال الأداء وانسيابية اللحن كذلك. 

الشعر..جواز السفر

وتذكرة العبور نحو بلاد بيننا وبينها بضعة كيلومترات والكثير الكثير من البنادق، إن بذرة الانتماء التي يرويها الغياب القسري عن الوطن ربما تكون أكبر وأكثر تأثيرًا في النفس من المكوث في الوطن نفسه، حالة الغائب المشتاق الذي يتغنى بحلم العودة من الشتات هي حالة كل فلسطيني غُرّب عن الوطن، وفي حالة شاعرنا كانت هذه البذرة قد بدأت تعطي ثمرها في شعره.

كان الشعر هو سلوى حيدر محمود في التعبير عن حبه لبلاد حرم منها صغيرًا فكتب بقلم الحنين وقلب الشجِن قصائد عديدة تعتبر من درر أعماله منها:

  • الأنبياء جميعهم فيها.
  • نشيد إلى غزة.
  • قدر أن تسيل منك الدماء
  • هو الأقصى

" أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين" هي واحدة من أجمل ما كتب حيدر محمود في وصف عمان

عمان في شعر حيدر محمود..بين اللحن والكلمة

كما تغنى حيدر محمود بفلسطين تغنى بالأردن" الأم الحاضنة" وشغلت حيزًا كبيرًا في شعره، وأوردها بأجمل الكلمات وأصدق المشاعر وأروع الصور الفنية وهناك العديد من قصائد حيدر محمود التي تم تلحينها وغناؤها على أيدي ملحنين عظماء وفنانين من مختلف العالم العربي على أن أشهرها صيتًا هما:

  1. أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين

 ضمن ذاكرة مشتركة خلقتها كلمات هذه القصيدة، من منا لم يتخيل عمان كفتاة بدوية كحيلة العينين ترخي جديلتيها على كتفيها تلبس عباءة العراقة و تزهو بشالها الوردي المخضب بزهور ربيعها في مشهد يحبس أنفاس المجد المهتز بسحرها ليودعها قبلة بين عينيها؟

" أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين" هي واحدة من أجمل ما كتب حيدر محمود في وصف عمان، ولحّنها الفنان الأردني جميل العاص وغنتها المطربة المصرية نجاة الصغيرة. تنطوي القصيدة على الكثير من الصور الفنية الرائعة إلى جانب اللحن العبقري لجميل العاص. تحكي الرواية أن هذه القصيدة كتبت من وحي مشهد خطف أنفاس الشاعر لحظة رؤيته خيالات الأشجار في ساعة غروب الشمس في إحدى مقاهي جبل عمان حيث تخيل هذه الخيالات كجدائل فتاة مرتاحة على كتفها وطبعًا لم تكن هذه الفتاة سوى عمان. كتب الشاعر القصيدة واستدعى لتلحينها صديقه جميل العاص، وتم استدعاء نجاة الصغيرة واصطحابها إلى ذات المكان الذي كتبت فيه في جبل عمان ليصل إحساس القصيدة والمكان إليها ومن ثم إلى المتلقي كما أحسه القائمون على الأغنية، وهذا فعلًا ما كان.

  1. أغنية للأرض

إبداع آخر يضاف إلى ملف الشاعر حيدر محمود، أغنية للأرض هي قصيدة غنتها الفنانة السورية هيام طعمة، وهي واحدة من القصائد المحفورة في ذاكرة جيل كامل، ولو كنا ننسى مطلعها لا بد لنا من تذكر لحنها الفريد عندما تقول:

"واكتبي أسماءَنا،

 في دفتر الحبِّ:

 "نشامى" 

..يعشقون الوردَ

 لكن.. يعشقون الأرضَ أكثرْ.."

أكاد أجزم الآن بأن القارئ يردد لحنها مع نفسه.

أبرز أعمال حيدر محمود

هناك العديد من الأعمال الخالدة للشاعر حيدر محمود ومنها:

  • يمرَ هذا الليل، 1969م.
  • اعتذار عن خلل فني طارئ، 1979م.
  • شجر الدفلى على النهر يغني، 1981م.
  • لائيات الحطب، 1985م.
  • من أقوال الشاهد الأخير، 1986م.
  • الأعمال الكاملة «الطبعة الأولى»، 1990م.
  • النار التي لا تشبه النار، 1999م.
  • الجبل، 1999م.
  • الأعمال الكاملة «الطبعة الثانية»، 2001م.
  • في البدء كان النهر، 2007م.
  • عباءات الفرح الأخضر، 2008م.

وله مسرحيتان هما:

  • أراجيل وسيوف 1969.
  • برجاس 1977.

أهم الجوائز التي نالها حيدر محمود

كلل الشاعر حيدر محمود مسيرته الشعرية بعدة جوائز هي:

  • جائزة الدولة التقديرية من الأردن.
  • جائزة الملك عبد االله الثاني للإبداع.
  • وسام الاستحقاق الثقافي من تونس سنة 1999 م عند انتهاء عمله كسفير فيها.

 

يعتبر الشاعر حيدر محمود أحد أهم الأسماء الأدبية في العالم العربي عامة والأردن وفلسطين خاصة، وقد تجلت في أشعاره روح التوائم بين الوطن الأم الغائب "فلسطين" والوطن الأم الحاضن "الأردن"، فمثلما سطر الشاعر أبياتًا خالدة في الحنين وتمجيد فلسطين سطر كذلك قصائد عديدة في مدح الأردن وتغنى بجمالها وبديع عظمة الخالق فيها، وما زالت الكثير من قصائده تدمج في مناهجنا المدرسية منذ أن كنا صغارًا وحتى يومنا الحاضر.