23-ديسمبر-2018

ملصق الناشرين للكتاب (تويتر)

كانت وفاة الشّاعر اللبنانيّ بسّام حجّار (1955-2009)، وبإجماع القرّاء والأدباء معًا، أقرب إلى فاجعةٍ أدبية من كونهِ مُجرّد موت عاديّ، وضربًا مما يُمكن أن نُطلق عليه خيبة الأمل الكبيرة. لأنّ حجّار المولود في مدينة صور، جنوب لبنان، لم يكن شاعرًا فقط، بغضّ النظر عن أنّ هذا الأمر هو ما ميَّزهُ، ولم يكتف أيضًا بالمكوث في فضاء الشّعر الذي يتَّفق الجميع على أنّهُ كان ترجمةً لحياة الراحل، تلك التي عُرِفَ عنها شقاؤها وحجم الألم الذي كانت تصدِّرهُ لهُ على دفعاتٍ كبيرة، وإنّما ذهب نحو الترجمة، ليصير من الأسماء التي بات يعتمد عليها القارئ العربيّ في التعرّف إلى الثقافات الأُخرى، وقراءة أعمالٍ أدبية نُقلت إلى العربية، دون شك، بحرفيةً وأمانة وشغف في آن معًا. نتحدّث عن آغوتا كريستوف، وياسوناري كواباتا، والطاهر بنجلون، ويوكو أوغاوا، وإميلي نورثومب، وغيرهم من الأسماء التي يعود الفضل إلى حجّار في نقل أعمالها إلى اللغة العربيّة لأوّل مرّة.

طباعة الأعمال الشعرية الكاملة تعيد الشاعر اللبناني بسام حجار إلى الواجهة، وتضع منجزه الشعريّ في متناول المتعطشين إليه

بُعيدَ وفاتهِ، ورغم مطالب القرّاء والأدباء وأصدقاء الراحل، لم تُتَّخذ أي خطوةٍ من شأنِها أن تكون تحيَّةً جادّة لحجّار من جهة، وتكريمًا حقيقيًا لهُ من جهةٍ أخرى. المطالب، تلك التي تتجدّد في ذكراهُ السنوية، كانت بسيطة، وتمثّلت في إعادة طباعة أعمالهِ الشّعرية في كتابٍ واحد، من شأنهِ أن يُعيد شعرهُ إلى الواجهة مجدّدًا، لا سيما أنّ الطبعات القديمة لمجموعات حجّار إمّا نفذت من السوق، أو توقّفت دور النشر التي سبق وأن أصدرتها قبلًا، ولأسبابٍ غير مفهومة إطلاقًا، عن إعادة طباعتها، دون وجود أو ظهور أيّ مُبادرةٍ تنقذُ أعمال الراحل من الإهمال والنسيان.

اقرأ/ي أيضًا: صورة ضائعة مع وديع سعادة

الحديث هنا عن دور النشر التي دأبت سابقًا على نشر مؤلّفات حجّار، شعرًا كانت أو ترجمات، ولم تلتفت إلى أمرٍ كهذا بعد أن توفّيَ. كأنّ الشّاعر، بمجرّد وفاته، تموت أعمالهُ معهُ، وتصبح أقلّ من أن تُعاد طباعتها ونشرها مُجدّدًا. والأمر هنا لا ينطبق على بسّام حجّار وحدهُ، وإنّما على جُملةٍ من الشّعراء الذين غابت أعمالهم بمجرّد أن غابوا هم، وتواروا عن الأنظار. نأخذ على سبيل المثال الشّاعر العراقيّ سركون بولص، الذي لولا اشتغال خالد المعالي – صديقه وصاحب "منشورات الجمل"- على إعادة طباعة أعماله الشعرية، وترجماته، لكان الآن منسيًّا هو الآخر.

في العودة إلى بسّام حجّار وأعمالهُ الشعرية، كان آخر ما صدر لهُ بعد أن توفّيَ هو مختارات شعرية تُرجمت إلى الفرنسية وصدرت عن داريّ "إكت سود"، و"لوريان دي ليفر" تحت عنوان "سوف تحيا من بعدي" ترجمة ناتالي بونتان. أمّا على صعيد الترجمات، كانت دار "هاشيت أنطوان – نوفل" قد أصدرت العام الماضي رواية للروائيّ الفرنسيّ باتريك موديانو بعنوان "أزاهير الخراب" بترجمة حجّار. بالإضافة إلى إعادة طباعة كلّ من "منشورات المتوسّط" و"دار الفارابي" لرواية التشيكي بوهوميل هرابال "قطارات تحت الحراسة المشدّدة"، الذي سبق وأن ترجمها بسّام حجّار قبل ما يزيد عن 20 عامًا. ومما لا شك فيه أنّ الأمر الأخير، أي إعادة إصدار رواية هرابال، يفتح الباب للسؤال عن أسباب إعادة إصدار ترجمات الراحل دون شِعره؟

الآن، وبعد مرور أكثر من ثماني سنواتٍ على وفاة بسّام حجّار، أعلنت كل من "دار الرافدين، العراق" و"منشورات تكوين، الكويت" عن إصدارهما قبل عدّة أيام من الآن، الأعمال الشعرية الكاملة للراحلة، في خطوةٍ لطالما كانت منتظرة من قرّاء بسّام حجّار، وتعدُّ الخطوة التحيّة التكريمية الأبرز للشّاعر الراحل وشِعره أيضًا، وإنصافًا لهُ بعد أن تعرّض لظلمٍ وإجحافٍ كبيرين، إن كان ذلك على المستوى المحلّيّ، والقصد هنا وزارة الثقافة اللبنانية، أو على المستوى العربيّ بصورةٍ عامّة، ونقصد بذلك دور النشر العربية التي ساهمت في هذا الإجحاف غير المبرر للراحل.

يقول الخبر: "بسام حجّار: الأعمال الشعرية الكاملة"، إعداد وتقديم الشاعر العراقيّ علي محمود خضيّر، صدرت في مجلّدين، ضمّ الأوّل المجموعات الشعرية التالية: "مشاغل رجل هادئ" (1980)، و"لأروي كمن يخاف أن يرى" (1985)، و"فقط لو يدك" (1990)، و"صحبة الظلال" (1992)، و"مهن القسوة" (1993)، و"مجرّد تعب" (1994). بينما ضمّ المجلّد الثاني كلًّ من: "معجم الأشواق" (1994)، و"حكاية الرجل الذي أحب الكناري" (1996)، و"كتاب الرمل" (1999)، و"بضعة أشياء" (2000)، و"ألبوم العائلة، يليه العابر في منظر ليلي لإدوارد هوبر" (2003)، و"تفسير الرخام" (2008).

في تقديمه للأعمال الشعرية الكاملة، يقول علي محمود خضيّر: "جمع بسّام حجّار في شعره خصائص ظلت علامةً دلاليةً على فرادة لطالما نشَدَها كشافو الجوهر الإبداعي الذين قدموا برهانهم في الكتابة. كتب بسّام عن الهشاشة والصّمت، عن الغياب والعائلة، وصعّد عمارة شعره على لبنة الفكر والفلسفة والإرث العالمي للشّعر، مُستندًا إلى ثقافة ورؤيا لا تعوزها اليقظة. هو شاعر القلة بمعنى أنه شاعر العمق لا الوفرة، الهمس لا الصراخ. قد تكون موضوعاته محدودة، لكنه عالجها بأنماط متنوعة من قصيدة النثر جعلت قصيدته حيوية ومرنة إزاء قارئ متباين المستوى. كان يتعامل مع اللغة بوصفها تجربة عيش. شعرُ بسّام فرصة لمراقبة التجربة المعاشة وهي تتحول إلى لغة. ولهذا فهي تجمع بين البساطة والعمق في آنٍ واحد".

كأنّ الشّاعر، بمجرّد وفاته، تموت أعمالهُ معهُ، وتصبح أقلّ من أن تُعاد طباعتها ونشرها مُجدّدًا

اقرأ/ي أيضًا: محمد الماغوط.. شاعر الشفوية المضادة

يُذكر أنّ بسّام حجّار أحد أبرز الشعراء اللبنانيين، لا سيما في مجال قصيدة النثر، تلك التي كان الراحل، عبر اشتغاله المستمرّ والدؤوب فيها، أحد أبرز كتّابها عربيًا، ومطوِّريها أيضًا، وممن أضاف لها قيمةً جوهرية، ومكانة لا يختلف أحد على أهميّتها. وإلى جانب الشّعر والعمل في حقل الترجمة، كان حجّار قد تميّز أيضًا بمقالاته النقدية، وعمله في حقل الصحافة الذي بدء مع صحيفة "النداء" في السبعينيات، وانتهى عام 2009 في صحيفة "المستقبل"، أي حين توفيّ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 مجموعات أساسية في تاريخ قصيدة النثر العربية

قصيدة النثر في مواجهة التحالفات القديمة