17-مايو-2018

تبقى المشاكل الاقتصادية أولوية السودانيين (Getty)

أولى المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات اهتمامًا بالسودان من خلال المؤشر العربي (2017- 2018)، وذلك بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العام السوداني حول عدد من القضايا. وانطلق المؤشر من وجود سمات ومصالح مشتركة بين 11 من بلدان المنطقة العربيّة، ولم تشذ آراء السودانيين عن بقية المُستجيبين في قضايا الديمقراطية والحريات وأداء المؤسسات الحكومية والأوضاع الاقتصادية عمومًا.

عبرت أكثرية السودانيين عن عدم الثقة بالحكومة بنسبة 61%

وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ الاستطلاع جرى عبر مقابلات على عينة قوامها 18830 مستجيبًا ومستجيبة، واستغرق أكثر من 45 ألف ساعة، حيث شارك في تنفيذه 865 شخصًا (نصفهم من النساء)، وقطع الباحثون الميدانيون ما مجموعه أكثر من ألف كيلومتر.

شعور بالأمان ولا ثقة بالحكومة

وكان السؤال الأول حول تقييم الأوضاع الاقتصادية، وذهبت آراء السودانيين إلى أنها جيدة بنسبة 51% بينما اعتبر 28% أنها سيئة، أما بخصوص مستوى الأمان في مناطق السكن، فقد أفضت آراء معظم المستجيبين إلى أن مستوى الأمان "جيد" و"جيد جدًا" في السودان.

وعلى غرار عدة دول عربية، فقد انقسم الرأي العام في السودان نحو مدى الثقة بمؤسسة الحكومة. وعبرت أكثرية السودانيين عن عدم الثقة بالحكومة بنسبة 61%.

في السياق نفسه عبرت أغلبية المستجيبين السودانيين عن عدم ثقتهم في مجالسهم التشريعية والتمثيلية، وهذا ربما لأن معظمها يتم تعيينه وفق سلطات رئيس الجمهورية، ولا تعبر عن مطالب واحتياجات المواطنين، وتغض الطرف عن سياسة الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب في المؤشر العربي.. القلق الاقتصادي على عرش المشاكل

 أما بخصوص أهم مشكلة تواجه السودان كبلد، فقد اعتبر 37% من السودانيين، أن المشكلة الأولى هي سوء الأوضاع الاقتصادية، بينما اختار 3% فقط وعلى غير المتوقع أن الأزمة تكمن في غياب الأمن والأمان.

وعلى الرغم من أن الأحزاب السياسية لا تعدُّ جزءًا من سلطات الدولة أو مؤسساتها التنفيذية، فإنه كان من المفيد التعرف إلى وجهات نظر المواطنين نحوها. وكان 41% من السودانيين لا يثقون في الأحزاب السياسية إطلاقًا، وهى النسبة الأكبر لدى المستطلعين، فيما عبرت أكثرية المستجيبين عن عدم قيام المجالس التشريعية بالرقابة على الحكومات. ويفسر هذا على نحو ما عدم ثقتهم في تلك المجالس.

وعطفًا على موضوع السياسة الخارجية فقد سُئل المستجيبون إن كانت سياسات بلدانهم الخارجية عبرت عن آراء المواطنين، وكانت الأغلبية في السودان، أي بمجموع 55% غير راضية عن السياسة الخارجية للحكومة، وفي المقابل بدا تقييم المستجيبين في استطلاع 2017- 2018 أقل من التقييم في المؤشرات السابقة.

أغلبية تريد الهجرة وخوف من التعبير عن الرأي

وتصدرت السودان لائحة الدول العربية بخصوص نسبة السكان الراغبين بالهجرة، وعند تحليل أسباب الهجرة التي ذكرها المستجيبون؛ يتبيّن بأن 88% من السودانيين، الراغبين في الهجرة أشاروا إلى أسباب اقتصادية، وهى المعضلة الكبرى على ما يبدو، بينما قال جزء إنّ دافعهم هو عدم الاستقرار الأمني والسياسي.

بالنسبة لتقييم مستوى الديمقراطية من خلال معيار قدرة المواطنين على انتقاد الحكومة من دون خوف، أفاد 37% من المستجيبين أنه لا يمكن انتقاد الحكومة من دون خوف مقارنة مع 27% في استطلاع 2012. وفي المقابل، أفادت أكثرية المستجيبين، بنسبة  أكثر بلغت من ثلاثة أرباعهم، أن أداء الحكومة على صعيد خدمات توفير المياه والكهرباء وتأمين تغطية خدمات الصرف الصحي وتحسين مستوى التعليم المدرسي الحكومي وتحسين الخدمات الصحية والطرق وحل مشكلة البطالة والفقر سيئ إلى سيئ جدًا.

تصدرت السودان لائحة الدول العربية بخصوص نسبة السكان الراغبين بالهجرة

وجرى اعتماد مؤشر مدى انتشار الفساد المالي والإداري في البلاد، بوصفه أحد المؤشرات المعيارية التي يمكن أن تساهم في تفسير العلاقة بين المواطنين والدولة، وتقييم المواطنين لأداء دولهم بصفة عامة، فظهر أن 85% من المستجيبين يعتقدون أن الفساد المالي والإداري منتشر جدًا في السودان، بينما يرى 3% أنه غير منتشرٍ على الإطلاق. وبالنسبة للعدالة في تطبيق القانون، يعتقد 12% من المستجيبين السودانيين أن الدولة تقوم بتطبيق القانون بالتساوي إلى حدٍ كبير، بينما يرى 68% أن الدولة تقوم بتطبيق القانون بين الناس ولكنها تحابي بعض الفئات، ويرى 18% أن الدولة لا تقوم بتطبيق القانون بين الناس  بالتساوي على الإطلاق. 

أيضاً سُئل المستجيبون إن كان مبدأ الحصول على محاكمة عادلة مطبقًا في بلدانهم، وهنا انقسم الرأي العام في السودان بشكل شبه متساوٍ، أما الشروط التي أوردها المستجيبون السودانيون بوصفها شروطًا يجب توافرها ليعدَّ بلدٌ ما بلدًا ديمقراطياً، كانت كالأتي ( 48% ضمان الحريات السياسية والمدنية العامة، 22% المساواة والعدل بين المواطنين، 9% إنشاء نظام حكم ديمقراطي، 5% الأمن والأمان والاستقرار، 6% تحسين الأوضاع الاقتصادية).

إيمان بقضيتي فلسطين والديمقراطية

واستمرارًا في المحاور التي تعلق بتعريف السودانيين لمفهوم الديمقراطية، قال 51% إنهم يعارضون مقولة "إنّ الأداء الاقتصادي يسير بصورة سيئة في النظام الديمقراطي"، بينما عارض 47% مقولة "إنّ الأنظمة الديمقراطية غير جيدة في الحفاظ على النظام العامّ"، وأيد فقط 3% ذلك. كذلك رفض 48% مقولة "إنّ النظام الديمقراطي يتعارض مع الإسلام"، ووافق 47% على مقولة "إنّ النظام الديمقراطي وغن كانت له مشكلاته، فهو أفضل من غيره من الأنظمة"، وعارضها بشدة 4%  وهذا يعني أن الرأي العام منحاز إلى نظرة إيجابية نحو الديمقراطية.

وبخصوص عدم ملاءمة نظام سياسي ينحصر التنافس فيه بين الأحزاب الإسلامية، انقسم الرأي العام بنسبة 48% يعتقدون أنه ملائم، وبين 38% رأوه غير ملائم. كذلك وافق 67% من السودانيين على استلام حزب سياسي للسلطة لا يتفقون معه، إذا حصل على عدد أصوات يؤهّله لذلك ضمن انتخابات حرّة ونزيهة، وعارض 27% ذلك.

وبالإشارة لثورات الربيع العربي، فقد كان لدى 28% رأي ايجابي فيها إلى حد ما و18% لديهم رأي سلبي، أما مدى اهتمام المستجيبين بالشؤون السياسية في بلدانهم، كان 36% مهتمين قليلًا، بينما 31% غير مهتمين على الإطلاق.

دافع معظم  السودانيين الراغبين بالهجرة هو تحسين الأوضاع الاقتصادية

وعلى صعيد اتّجاهات الرأي العامّ نحو مقولة "لا يحقّ للحكومة استخدام الدّين للحصول على تأييد الناس لسياساتها"، فإن الرأي العام شبه متوافقٍ على رفض استخدام الحكومة الدين للحصول على تأييد المواطنين سياساتها وقد حل السودان في المرتبة الثالثة بنسبة 77%.

اقرأ/ي أيضًا: حروب الأرض في السودان.. مناجم الذهب عنصر جديد في خريطة الصراعات الممتدة

أما اتجاهات الرأي العامّ بحسب المواقف نحو اعتبار القضية الفلسطينية قضية جميع العرب، أو قضية الفلسطينيين فقط، فقد اعتبر 72% أنها قضية جميع العرب، بينما قال 17% إنها قضية الفلسطينيين وحدهم وعليهم حلها، كما أن اتجاهات الرأي العامّ نحو الاعتراف بإسرائيل سارت بنفس الاتجاه المناصر للقضية الفلسطينية، حيث رفض 79% ذلك، بينما وافق 18% عليه. وعلى ذات النحو فإن الدول الأكثر تهديدًا لأمن الوطن العربي بالنسبة للسودانيين كانت إسرائيل بنسبة 47%، بينما اختار 27% أمريكا.

وكانت النتائج حول النظرة لتنظيم الدولة الإسلامية - داعش مبشرة، حيث ينظر 71% بشكل سلبي إليه، وبخصوص أهم إجراء للقضاء على الإرهاب في المنطقة، يضع السودانيون كل آمالهم في وصفة التحول الديمقراطي كحل ناجع.

نتائج غير مفاجئة

وبخصوص النتائج التي أظهرت عدم ثقة السودانيين بالأحزاب وبمؤسسات كثيرة، أو تلك المتعلقة بالرغبة في الهجرة، فقد كانت أقل مما توقعها الكاتب والمحلل السياسي السوداني عوض صديق، حيث يقول لـ"ألترا صوت" إن السودانيين الذين عاشوا حياتهم ما بين الحكومات العسكرية، والتعددية الحزبية، وصلوا إلى قناعة أنهم خُدعوا من كل الأحزاب السودانية "التي اعتلت ظهر العسكر للوصول للسلطة، أو تلك التي ناهضت العسكر وسرقت ثورات الشعب"، كما أن معظم الأحزاب "تكرر قادتها وتكررت تجاربهم الفاشلة، وقد أدى ذلك مؤخرًا إلى أن يبقى السودانيون تحت حكم عسكري باطش".

اعتبر 72% من السودانيين أن قضية فلسطين هي قضية جميع العرب

ويضيف صديق قائلاً: "لقد أثر عدم ثقة السودانيين في الأحزاب على تدني الوعي السياسي والممارسة الديمقراطية وخفوت دور النقابات ومنظمات المجتمع المدني عمومًا"، وأوضح أن السودانيين الآن أكثر شعورًا بعدم الآمان، ويكافحون من أجل توفير المقومات الأساسية التي تحفظ حياتهم أكثر من أي وقت مضى، ولذا أصبح بحثهم الدؤوب عن الهجرة هو "الأولوية الأولى التي تسيطر على حياة الجميع، ليس الشباب فقط، لكن أسر كاملة".

ولا يرى رئيس هيئة الأعمال الفكرية في السودان محمد الواثق بدوره، تباينًا كبيرًا بين ما انتهى إليه المؤشر العربي مقارنة بالواقع على الأرض، ويشير الواثق في حديثه لـ "ألترا صوت" إلى أن هذه النتائج متوقعة، تحديدًا فيما يخص سؤال الأمان في بلد كالسودان خارج للتو من حروب وصراعات دامية، وكون (77%) من المستطلعين مقارنة بالمتوسط (64%) يشعرون بالأمان، فهذا تطور طبيعي للانتقال من حالة الحرب إلى السلام.

 وأضاف الواثق أنه بالنسبة لأوضاع الأسر الاقتصادية، التي اعتبر 51% أنها جيدة، فإنها نسبة متفائلة أكثر من النسبة المعلنة من الحكومة، حيت تحدثت الحكومة عن 40 – 46% تحت خط الفقر إلى حد ما خلال العام 2015. وأضاف أن "الوضع تغير كثيرًا جدًا في الآونة الأخيرة بسبب التضخم والضغوط الاقتصادية، كما أن التحدي الأكبر تمثل في الفترة التي أجريت فيها دراسة المركز العربي أعلاه، من يناير إلى مارس 2018، حيث جاءت في ظل موازنة مالية قاسية".

أما بخصوص عدم الثقة في المجالس التشريعية، يشير الواثق إلى أنها نسبة عالية جدًا وأنه مؤشر خطير، كما أن نسبة الثقة في الأحزاب الواضحة من الشارع العام (41%) نسبة منخفضة للغاية، أما نتائج المؤشر حول السياسية الخارجية فإن النسبة ضخمة لا سيما أن السياسة الخارجية في العادة تعبر عن توجهات عامة لا تتعلق بالضرورة بحياة الناس بصورة مباشرة. أما المؤشر الغريب فهو وفقاً للواثق مؤشر حرية الرأي،، مشيرًا إلى أنه "وضع متأخر جداً ويحتاج إلى وقفة". 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المؤشر العربي: كيف يتفاعل العرب مع الديمقراطية؟

المؤشر العربي: كيف ينظر العرب إلى داعش؟