22-أبريل-2018

ثروة الذهب في السودان باتت سببًا لتأجيج الصراعات الداخلية (رويترز)

تسعى الخرطوم لأن تجعل السودان أكثر إغراءً للمستثمرين، لكن هذا يتسبب من جهة أخرى في نشوب نزاعات وصراعات واسعة الانتشار. المزيد من التفاصيل في تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


قال المتظاهرون إنهم  يرغبون دائمًا في أن تكون تجمعاتهم سلمية، لكن بحلول نهاية اليوم في منجم الذهب بمنطقة وادي السنقير النائية في السودان، لقي رجل مصرعه وأصيب خمسة آخرون بجروح.

تدفع المساعي الخاطئة للحكومة السودانية في جعل البلاد جاذبة للاستثمار الأجنبي؛ في إشعال فتيل النزاعات واسعة الانتشار

فقد تجمع العمال في الموقع الذي يقع على بعد 400 كيلومتر شمال الخرطوم، للاحتجاج على اتفاق عقدته الحكومة في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، خصصت بموجبه حقوق تعدين للشركة الروسية "ميرو غولد".

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الخبز في السودان.. مقاومة بالحيلة لمناورات السلطة

يقع المنجم في واد صغير يسكنه بضعة آلاف من السكان المحرومين من إمكانية الوصول إلى المستشفيات أو المدارس أو الطرق المناسبة. وأصبحت الأراضي القليلة الصالحة للزراعة، تُستخدم الآن في الغالب لاستخراج المعادن.

قال أحمد الصايم، وهو أحد المتظاهرين، لموقع "ميدل إيست آي"، إن الأرض ملك لهم، وأنهم تظاهروا سلميًا لأن الاتفاق بدأ دون طلب مشورتهم، مضيفًا: "كان من بين الحراس الروس قناص تدعمه الشرطة السودانية. وقد أطلقت النيار فجأة دون سابق إنذار".

وقد لقي الحبوب فرح، 28 عامًا، أحد قادة الاحتجاج، مصرعه، إذ يقول الصايم إنه تم استهدافه، ملقيًا باللوم على ولاية نهر النيل، التي يقع فيها المنجم، لعدم نزعها فتيل التوتر في الوقت المناسب. لكن حاتم الوسيلة، حاكم الولاية، أنكر إطلاق الحراس الروس النيران على المحتجين في الخامس من آذار/مارس المنصرم.

وقال الوسيلة: "قوات الشرطة في الموقع هي المسؤولة عن حماية الشركة وموظفيها"، مضيفًا: “لقد حاولوا بشتى السبل تجنب استخدام قوتهم، لكن السكان المحليين بدأوا في مهاجمة الشركة، لذا قامت الشرطة بإنفاذ قوتها".

الصراع على الأرض

أثار مقتل فرح وتورط شركة أجنبية في هذا، غضبًا عارمًا في جميع أنحاء السودان، وتسبب في انتقادات واسعة من قِبل السياسيين والنشطاء المعارضين. وقارن البعض هذا الأمر مع شركة الأمن الأمريكية الخاصة، سيئة السمعة، بلاك ووتر، والتي تعرف حاليًا باسم شركة "أكاديمي" منذ عام 2011، إذ قتل موظفوها 14 مدنيًا عراقيًا في بغداد عام 2007.

ونشر أحدهم على موقع تويتر، صورًا لرجل يرفع بندقية، قال إنه الحارس الذي أطلق النيران على العمال. إضافة لصور قتلى وجرحى. وكتب المستخدم: "تحقيق شامل في الحادثة، ومحاسبة المسؤولين عنها، وإبعاد الشركة الروسية، هو أول الحل، وإلا تحولت منطقة نهر النيل لصراعات دموية".

صورة من قال المغرد إنها لحارس أطلق النيران على عمال المنجم
صورة من قال المغرد إنه حارس أطلق النيران على عمال المنجم 

وأثار الموت والاحتجاج مجددًا، النقاش والجدل حول من يملك الحقوق في الموارد الطبيعية بالسودان، في الوقت تُكثف فيه الخرطوم جهودها لجذب المستثمرين الأجانب.

ويُعد السودان بلدًا فقيرًا، إذ إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، وصل إلى 1428 دولار فقط، وهو ما يعادل أقل من الربع في الأردن على سبيل المثال. فيما بلغ معدل التضخم في الفترة نفسها 26.9%، مما جعل السودان يحتل المرتبة 222 عالميًا من أصل 227 دولة، بل وأقل من سوريا واليمن!

ومع هذا، يعد السودات غنيًا بالموارد، إلا أن المشكلة تمثلت دائمًا، في كون ملكية هذه الموارد غالبًا ما كانت مصدرًا لإثارة الصراعات.

وعلى الصعيد الدولي، تخوض الخرطوم نزاعًا منذ عقود مع مصر حول مثلث حلايب، وهي منطقة تقع على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر، شمال السودان، وتخضع بالفعل لسيطرة القاهرة. ولأن المنطقة غنية بالمعادن والنفط، فقد وضعت السودان قواتها على أهبة الاستعداد منذ كانون الثاني/يناير 2016، ما أدى إلى زيادة التوترات.

وفي عام 2017، أنتجت البلاد 107 طن من الذهب، مقارنة بـ93 طن في عام 2016، ما يجعلها ثالث أكبر منتج للذهب في قارة أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا. ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام أقل من التقديرات الحقيقة، ولا تأخذ في الاعتبار الذهب المُنتج بشكل غير قانوني.

المخزون المعدني للذهب في السودان
المخزون المعدني للذهب في السودان

تعتبر النزاعات على الأراضي أمرًا تقليديًا في السودان. ومن الناحية التاريخية، يُمكن القول بأنها تحدث خلال موسم الجفاف، إذ يبحث البدو الرحل عن أراض خصبة يرعون فيها ماشيتهم، ويدخلون في نزاع مع المزارعين. وعادةً ما تُحل هذه التوترات من خلال المفاوضات القبلية.

تعتبر النزاعات على الأراضي أمرًا تقليديًا في السودان، ضاربًا في التاريخ غير أن التدخل الحكومي الخاطئ غالبًا ما يؤدي لتفاقم الأوضاع

لكن القوانين التي تحكم ملكية الأراضي في السودان غير محددة بوضوح؛ ففي بعض الأجزاء تُحدد الملكية بموجب القوانين التي أصدرتها الإدارة الاستعمارية البريطانية، ولكنها تحدد في معظمها بالعرف الذي دام قرونًا بين القبائل وقادة المجتمعات المحلية.

اقرأ/ي أيضًا: حروب السودان.. تزجية فراغ مبيكي

وقد أدى تدخل الحكومة إلى تفاقم الوضع خلال العقدين الماضيين، ولا سيما في إقليم دارفور. حيث ساندت الخرطوم البدو العرب في نزاع على الأراضي الذي تحول بدوره إلى مصادمات عرقية، ثم إلى حرب أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون شخص آخرين على الأقل.

وأدى الصراع إلى فرض عقوبات دولية ضد السودان، والتي رُفعت فقط في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وفي شهر آذار/مارس عام 2017، قدّر وزير المالية السابق، بدر الدين محمود، التكلفة التي تكبدتها السودان بعد 20 عامًا من العقوبات، بمبلغ 45 مليار دولار.

كما تضرر الاقتصاد بشدة عندما أصبح جنوب السودان مستقلًا في عام 2011، إذ أخذ معه ثلاثة أرباع عائدات البلاد النفطية. ويمر اقتصاد البلاد حاليًا بتقشف شديد كجزء من خطة إصلاح اقتصادي تتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي.

ونتيجة لذلك، يتعين على الخرطوم أن تعتمد أكثر على المستثمرين الأجانب الذين يستغلون الموارد الطبيعية لتعظيم دخلها، لكن ذلك يدفع إلى مزيد من النزاعات!

وقد اندلعت نزاعات بين الحكومة وملاك الأراضي حول بناء السدود في شمال السودان، بما في ذلك سد مروي في شهر آذار/مارس عام 2009. ويجري بناء السد بتمويل من خلال قروض من الصين ودول أخرى. وقد تأخر إنشاء سدود دال والشريك، التي تُقدم السعودية منح لبنائها، بسبب الاحتجاجات. وقتل أربعة أشخاص في عام 2007 عندما احتج ملاك الأراضي على بناء سد كجبار بالقرب من الحدود مع مصر.

حاولت الخرطوم إقامة تحالفات دولية حيثما أمكن ذلك، وعلى الأخص مع الصين التي تستقبل أكثر من نصف صادراتها. وفي شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2017، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن البلدين يهدفان في نهاية المطاف إلى زيادة التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار.

على الرغم من ذلك يُمثل الذهب الفرصة الأكبر. إذ يوجد 170 شركة لتعدين الذهب تعمل في السودان، وإن كان هذا الرقم لا يأخذ في الاعتبار عمليات التعدين غير الرسمية. فيما تخطط الخرطوم لزيادة الإنتاج في عام 2018 لجعل البلاد تاسع أكبر منتج في العالم وثاني أكبر منتج في أفريقيا.

السلطة والفساد

غير أن الوعود بالتجارة المستقبلية لا تروق لعمال الذهب في وادي السنقير. يقول عبد الله محمد، أحد "وجهاء" المنطقة، لموقع "ميدل إيست آي"، إن "التوتر بدأ عندما وقعت الحكومة على الصفقة مع الشركة الروسية ميرو غولد"، مضيفًا: "التقينا بحاكم الولاية، وأوضحنا مخاوفنا. لقد قمنا بالتعدين في منطقتنا لمدة 10 سنوات. وسيؤدي العقد مع هؤلاء المستثمرين إلى تكبدنا خسائر كبيرة".

وأردف قائلًا: "إن الحاكم وعد بالتشاور معنا قبل أن تبدأ الشركة في العمل، بشأن تعويضنا. لكن من المُستغرب أن السلطات سمحت للشركة بالبدء في العمل، وإحضار معداتها، بل وطرد عمال المناجم المحليين من المنطقة". وأعرب محمد عن تأكده من أن الحكومة "تهتم بالمستثمرين الأجانب أكثر من اهتمامها بمواطنيها".

صرحت مؤسسة "مشروع إنف"، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، في تقرير صدر العام الماضي، يحمل عنوان: "الدولة العميقة في السودان"، بأن النخب الاتحادية والمحلية والجماعات المسلحة، ترتكب "أعمال عنف تؤدي إلى نزع الملكية من السكان المحليين".

وأضاف التقرير: "غالبًا ما تتأثر إيرادات النفط والذهب وتخصيص الأراضي في السودان بالنزاعات. وقد استولت دائرة داخلية داخل الخرطوم على النفط والذهب والأراضي من أجل اكتساب الثروة والحفاظ على السيطرة من خلال الفساد والعنف".

وحذرت "المجموعة السودانية للديمقراطية أولًا" (SDFG) من قبل، من أن حوادث النزاع على الأراضي، بين الحكومة والملاك المحليين، قد ازدادت بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى وفاة العشرات من السكان المحليين.

فيما قال الشفيع خضر، مؤلف كتاب "القبيلة والسياسة في السودان"، إن النخب السودانية تستخدم سلطة الدولة وتعقد تحالفات مع المستثمرين المحليين والدوليين لنهب أراضي السكان المحليين، مضيفًا: "تستخدم الحكومة القوانين لمصادرة أراضي صغار المزارعين والملاك التقليديين والبدو الرحل لصالح المستثمرين".

انفجار مقلع في منجم ذهب بولاية البحر الأحمر السودانية (رويترز)
انفجار مقلع في منجم ذهب بولاية البحر الأحمر السودانية (رويترز)

مشيرًا إلى أن هذا قد أدى إلى "انهيار القطاعات الزراعية، مثل مخطط الجزيرة، الذي كان في يوم من الأيام أحد أكبر مشاريع الري في العالم، والمسؤول عن الكثير من المناطق الكبرى لزراعة القطن في أفريقيا".

لقد فشلت الحكومة عندما ركزت بشكل مبالغ فيه على النفط، وهمشت قطاع الزراعة، وخصخصت خدمات الري وتوفير البذور. كما تراجعت أيضًا إستراتيجية زراعة مزيد من القمح، التي لم تتمكن من النجاح في المناخات الحارة.

يقول الشفيع خضر: "مع التدهور الاقتصادي وظهور النفط والذهب، بلغ الصراع التقليدي على الموارد والثروة في السودان إلى نقطة متقدمة وخطيرة".

خطر الذهب

قال محمد صلاح، الباحث في التأثير الاجتماعي والاقتصادي والبيئي لتعدين الذهب في السودانن لموقع "ميدل إيست آي"، إن "الرغبة في زيادة تعدين الذهب تنطوي على خطرين كامنين"، مفصلًا: "يتمثل الخطر الأول في أن الحكومة، من خلال عقد صفقات مع المستثمرين الأجانب، وضعت نفسها في  موضع عداء مع السكان المحليين. وبناء على ذلك، ليس أمام الحكومة خيار سوى الدفاع عن مصالح المستثمرين، باستخدام قوة الدولة لمصادرة الأراضي من خلال العديد من الحيل بما في ذلك تغيير القانون".

بينما الخطر الثاني كما قال صلاح، هو "خطر بيئي نتيجة لمعالجة الذهب، الذي يُعد أحد المصادر الرئيسية للتلوث بالزئبق في أفريقيا"، مضيفًا: تلوث الجزيئات الدقيقة الناتجة من معالجة الذهب المياه والهواء، وتشكل خطرًا صحيًا خطيرًا إذا استنشقها البشر والحيوانات". ويعتبر الاستخدام الأكثر شيوعًا للزئبق هو في عمليات التعدين الصغيرة، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

وأردف صلاح قائلًا: "إن استخدام الزئبق والسيانيد في عملية التنقية يجعل عمال المناجم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والسرطان".

هذا وكان شخص قد قتل في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017، وسط احتجاجات في مدينة كالوقي بولاية جنوب كردفان، ضد شركات تعدين الذهب التي تستخدم المواد الكيميائية السامة، وفقًا لما نقلت وسائل الإعلام المحلية.

يقود عبد المجيد ائتلافًا يمثل ضحايا مصادرة الأراضي في مدينة الخرطوم في ضواحي الجريف، والشجارة، والحماداب، والحلفايا؛ مستخدمين الاحتجاجات والاجتماعات والاعتصامات لتوصيل رسالتهم.

وفي السنوات الأخيرة، استقطبت المجموعة الدعم من أولئك الذين تأثروا بمشاريع بناء السدود في شمال البلاد. والآن من عمال مناجم الذهب.

ويرى عبد المجيد أن الحادث الذي وقع في الخامس من شهر آذار/مارس، يعتبر دليلًا على التدهور الملحوظ. ويقول: "انظر إلى الأسباب العامة للصراع في البلاد. ستجد أن النزاعات على الأراضي هي الموضوع الرئيسي للمشكلة، بدءًا من دارفور إلى جبال النوبة، وصولًا إلى النيل الأزرق، والصراعات حول النفط والمناطق الغنية بالذهب ومواقع السدود، وغير ذلك من المسائل".

بالنظر إلى الأسباب العامة للصراعات في السودان، نجد أن النزاعات على الأراضي هي الموضوع الرئيسي للمشكلة

ودعا أصحاب الأراضي، بغض النظر عن خلفياتهم أو وظائفهم أو مصالحهم، إلى التجمع ضد تحالف المستثمرين الأجانب والحكومة، مضيفًا: "ندعو جميع الضحايا من مصادرة الأراضي في جميع أنحاء البلاد لتوحيد وتنظيم أنفسهم في جسد واحد للدفاع عن تاريخهم وهويتهم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة الوقود في السودان.. إنكار رسمي وطوابير ماراثونية وسخرية مؤلمة

في مواجهة كابوس التقسيم.. كيف أسقطت هوية أبطال سودانيين بسبب الانفصال؟