قبل أيام وفي خطوة بدت مفاجئة، أعلن فائز السّراج رئيس المجلس الرّئاسي الليبي وبصفته القائد الأعلى للجيش الليبي بحكم منصبه، تكليف اللوّاء عبدالرّحمن الطويل بمهام القائد العامّ لأركان الجيش مؤقتًا، وتعيين النقيب فرج منصور اقعيم وكيلًا لوزارة الداخلية، وهما قراران رفضهما بقوّة غريمه خليفة حفتر القائد العامّ لـ"الجيش الليبي"، المتمركز في المنطقة الشرقية، إذ أعلن القطيعة التامّة في مناطق سيطرته لأجهزة حكومة "الوفاق الوطني".

أجرى فائز السراج تعيينات عسكرية مفاجئة، بدت كضربة عسكرية ضد حفتر قد تعمق الانقسام الليبي

وعليه، تُمثّل هذه الخطوة فصلًا جديدًا من الانقسام بين الفرقاء الليبيين، في الوقت الذي تكثفت فيه مؤشرات التقارب في الفترة الأخيرة. وبدأت الآمال تتصاعد للوصول لحلّ للأزمة، التي يبدو أن رحاها لا زالت مستمرّة.

رسائل التحدّي من السّراج

كانت الرّياح القادمة من المشهد الليبي خلال المدّة الماضية مبشّرة بدرجة ما بانتهاء الأزمة في البلاد والوصول لحلّ توافقي بين القوى السياسية والعسكرية الموزّعة بين المنطقتين الشرقية والغربية، فاللقاء الثنائي بين السرّاج وحفتر في أبوظبي قبل أشهر قليلة، ومن ثمّ اللقاء الثاني قبل بضعة أسابيع في باريس تحت رعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة لتعيين المبعوث الأممي غسان سلامة، المتفائل بقرب حلّ الأزمة، مثّلت جميعًا بالنسبة لكثيرين، مؤشرات لاحتمالية قرب التوافق بين القوى المتصارعة.

اقرأ/ي أيضًا: في أوّل زيارة خارجية للودريان.. فرنسا تدير "حربها" في ليبيا من القاهرة

وإن كانت المخاوف واضحة أيضًا من أنّ طاولات المفاوضات لم تكن محايدة تمامًا، سواءً التي في أبوظبي أو في باريس، ولعل لسببٍ ما خلف ذلك، باغت السّراج حفتر متحديّا إياه في ثلاثة أوجه، إذ فعّل السّراج بموجب القرارين، في البداية، المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات والتي تمنحه صلاحية التعيينات في المناصب العسكرية، والحال أن هذه المادة هي السبب الرئيسي في رفض مجلس النواب في الشرق، المصادقة على الاتفاق الأممي، إذ يمثّل تعديل المادّة شرطًا أساسيًا ترفعه القوى العسكرية والسياسية في الشرق، وبذلك يمثّل تفعيلها حاليًا تحديًّا لهذه القوى.

وتمثّل التحدّي الثاني في تعيين قائد لأركان الجيش، وهو منصب ليس شاغرًا عمليًّا حيث يتولّى اللوّاء عبد الرحمن النّاظوري هذا المنصب، وهو المعيّن من طرف حفتر منذ صيف 2014، أي منذ انطلاق ما تسمى بـ"عملية الكرامة"، ليأتي التعيين الجديد ويزيد في ازدواجية المناصب بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهو ما يصعّب بالتّتابع عملية توحيد الجيش الليبي بطريقة توافقية.

وربّما يحاول السرّاج بتعيينه الأخير، فرض أسماء من المعسكر الغربي داخل الجيش قبل الانطلاق في معركة التسميات في الفترة القادمة، فلم يغلق السرّاج الباب بتمامه بوصفه تعيين الطويل بأنه "مؤقت".

أما الوجه الثالث لتحدّي السرّاج، فيتمثل في تعيين شخصيتين مرفوضتين من حفتر وحلفائه في الشرق بصفة صريحة ومعلومة. فعبد الرحمن الطويل، الذي كان يتولى لجنة الترتيبات الأمنية بموجب اتفاق الصخيرات، يُعتبر لدى القوى السياسية في الشرق محسوبًا على الإسلاميين، ومقرّب تحديدًا من عبدالحكيم بلحاج.

إلا أنّ تعيين فرج اقعيم وكيلًا لوزارة الداخلية هو الأشدّ تحديًّا، ذلك أن فرج اقعيم كان يقود جهاز المهام الخاصّة حليفًا لحفتر في "عملية الكرامة"، وذلك قبل أن ينشقّ عنه إثر اتفاق الصخيرات، وتحديدًا في صيف 2016، بل ويتهمه بوقوفه وراء الاغتيالات والسجون السريّة في الشرق. كما أن فرج اقعيم هو أصيل منطقة الشرق، حيث ينتمي إلى قبيلة العواقير المؤيدة للقوى المسيطرة في الشرق، وبالتالي يمكن القول إنّ السرّاج يلعب على مزيد تفكيك الحزام القبلي من حول حفتر، وكسب حلفائه السابقين، وذلك على غرار ما فعله بتعيين مهدي البرغثي وزيرًا للدفاع في حكومة الوفاق.

قوى الشرق.. صدّ وتصعيد

أمام رسائل التحدّي الموجّهة من السرّاج، بادر بسرعة خليفة حفتر للردّ عبر قرار بـ"منع أي مسؤول في حكومة الوفاق من مزاولة أي عمل في مناطق القوات المسلحة، وعدم تنفيذ تعليماته أو التعاون معه". وقال حفتر في بيان له، إنه تجاوز سابقًا عن تعيينات في وزارات خدماتية، غير أنه لا يسمح بالتعيينات العسكرية، و"التدخل في الأمن القومي للمناطق المحرّرة"، حسب قوله.

ردّ حفتر على إجراءات السراج بقرار يمنع مسؤولي حكومة الوفاق من العمل في مناطق سيطرته، ما يعني مزيدًا من المعاناة للمواطنين

ليدفع هذا القرار نحو مزيد الانقسام بين أجهزة الدولة في البلاد، إذ من المنتظر أن تجد حكومة السرّاج صعوبات في العمل في المناطق الخارجة عن سيطرتها العسكرية، وبالتالي مزيد تحجيم دورها في تسيير شؤون البلاد. وفي المقابل، ستعمل الحكومة المؤقتة في الشرق على ضوء قرار حفتر على سدّ الخدمات التي كانت توفّرها حكومة السرّاج في عديد المناطق، وهو ما يطرح سؤالًا حول قدرة حكومة الشرق على القيام بهذه المهمّة، فيما يُتوقع أن تزداد معاناة الليبيين أكثر خلال الفترة القادمة.

اقرأ/ي أيضًا: خارطة طريق فائز السراج.. طموح للحل في أرض الألغام

من جهة أخرى، أعلن ثلاثة أعضاء في المجلس الرئاسي، هم فتحي المجبري وعمر الأسود وعلي القطراني، في بيان متلفز، عن "الرفض القاطع لما يتخذه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج من قرارات بصورة انفرادية خارج إطار صلاحياته المنصوص عليها في الاتفاق السياسي"، وهو ما يكشف مجدّدا عن مزيد الانشقاقات داخل المجلس الرئاسي، ومزيدًا من الانقسام في المشهد الليبي عمومًا، خاصة وأن الأعضاء الثلاثة في المجلس الرئاسي، يمثلون منطقة الشرق، علمًا بأن المجلس الرئاسي يضم تسعة أعضاء موزعين تمثيليًا بين المناطق الثلاثة للبلاد. 

ماذا بقي من فرص التقارب؟

هل تمثل تعيينات السرّاج نسفًا للمجهودات الأخيرة لحلّ الأزمة في البلاد؟ يصعب الجزم نهائيًا بذلك، إلا أن رسائل التحدّي الكامنة في هذه التعيينات، والردّ المقابل من حفتر، تشي على الأقل بانتهاء شبه التقارب الذي مكث مدة قصيرة خلال الفترة الأخيرة.

قد تأتي إجراءات السراج وقرار حفتر في إطار لعب كل واحد منهما بأوراقه للضغط على الآخر قبل الجلوس على طاولة المفاوضات الحاسمة

وربّما تأتي كذلك في إطار لعب كل طرف لأوراقه للضغط على الآخر، قبل الجلوس على طاولة المفاوضات والحسم في النقاط الخلافية، خاصة وأن الفاعلين الإقليميين والدوليين يضغطون بكل قوّة لإنهاء الأزمة التي تمثل خطرًا على أمنهم القومي، وذلك في أقرب وقت، إذ تأتي هذه التطوّرات بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الفرنسية لدفع مخرجات لقاء باريس، وقبيل اجتماع سيُعقد قريبا في الجزائر بين أطراف الأزمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معركة الهلال النفطي في ليبيا.. الخلفية والرهانات

طرابلس.. حلبة لصراع لم ينته بعد