07-مارس-2017

قوات تابعة لخليفة حفتر خلال إحدى المعارك في ليبيا (عبدالله دومة/أ.ف.ب/Getty)

في الوقت الذي تسعى فيه دول الجوار لبلورة خارطة طريق توافقية بين الليبيين على قاعدة إعلان تونس الوزاري، انفجر الوضع ميدانيًا على حين غرّة في منطقة الهلال النفطي التي تضم أهم موانئ تصدير النفط في البلاد. حيث حرّكت "سرايا الدّفاع عن بنغازي" معدّاتها يوم الجمعة 3 آذار/مارس واستطاعت في غضون ساعات قليلة طرد قوات المشير حفتر من مناطق شاسعة في الهلال النفطي والسيطرة على مينائي السدرة وراس لانوف.

قوات "السرايا" ترغب من السيطرة على منطقة الهلال النفطي تأكيد تموقعها السياسي، وفرض نفسها في العملية السياسية الجارية

ولعلّ هذه العملية العسكرية شبيهة من حيث سرعة تحقيقها لاختراقات ميدانية بسيطرة قوات المشير حفتر في شهر أيلول/سبتمبر الماضي على المنطقة ذاتها بعد طردها لقوات "حرس المنشآت النفطية" الموالية لحكومة الوفاق الوطني.

اقرأ/ي أيضًا: إعلان تونس الثلاثي حول ليبيا.. أي آفاق؟

في معنى وتوقيت السيطرة على الهلال النفطي

لا تعني السيطرة على موانئ الهلال النفطي تحويل عائدات التصدير لفائدة طرف دون آخر حيث تُدار الموانئ من المؤسسة الوطنية للنفط التي تتعامل مع حكومة الوفاق ومجلس النواب بموجب اتفاق الصخيرات، والتي دعت مؤخرًا لـ"تجنيبها الصراعات السياسية". بيد أن السيطرة العسكرية على الموانئ ورقة مفصلية في صراع فرض النفوذ على الأرض.

فحين أطلقت "سرايا الدفاع عن بنغازي"، المتكوّنة من إسلاميين وثوار شاركوا في حرب التحرير سنة 2011، العملية العسكرية الأخيرة، سارعت القوى السياسية والعسكرية في شرق البلاد إللى اتهام حكومة الوفاق الوطني بالوقوف ورائها بل تم توجيه أصابع الاتهام لقطر وتركيا. حيث اتهم عشرات الأعضاء في مجلس النواب في بيان مكتوب هذين الدولتين بالوقوف وراء "مليشيات سرايا الدفاع عن بنغازي"، وهي اتهامات رفضتها الدولتان جملةً وتفصيلًا. من جهتها، برّأت حكومة الوفاق نفسها من العملية العسكرية المباغتة.

المهاجمون، من جهتهم، سارعوا لقطع الطريق على المشير حفتر بالتأكيد أنهم لن يظلوا في منطقة الهلال النفطي وأنهم سيسلّمّون الموانئ لحكومة الوفاق الوطني. ولذلك، وجهت القوى السياسية والعسكرية التي تقف خلف حفتر أصابع الاتهام لحكومة الوفاق بما أنها المستفيد الأول من العملية الأخيرة، فهي تخرج الموانئ من تحت السيطرة العسكرية لحفتر وتلحقها بحكومة السراج، وذلك في الوقت الذي تشتد فيه التجاذبات داخل الغرفة المغلقة للوصول لحل سياسي للأزمة في البلاد تحت رعاية دول الجوار.

ولعلّ انتفاع حكومة الوفاق بهذه العملية رغم تبرؤها منها عكسه بوضوح بلاغ المجلس الأعلى للدولة المنبثق عن اتفاق الصخيرات، والذي يترأسه عبد الرحمن السويحلي أصيل مدينة مصراتة والذي وصف رئيس مجلس حكمائها العملية بأنها "كلمة حق في وجه سلطان جائر". حيث اعتبر المجلس الأعلى في بلاغه بأن السبب الرئيسي لاستمرار التوتر في منطقة الهلال النفطي هو "عدم التسليم الفعلي للحقول والموانئ النفطية لحرس المنشآت التابع لحكومة الوفاق الوطني"، وهو ما يكشف عن تبرير مباشر للعملية العسكرية التي قادتها "سرايا الدفاع عن بنغازي".

ولا تنضوي هذه المجموعات العسكرية ضمن القوات الرسمية لحكومة الوفاق بل سبق وتبرأت منها في وقت سابق، غير أن طلبها من السراج لاستلام الموانئ هو بمثابة منحها "هدية" له. ويبدو أن حكومة الوفاق قد قبلتها حيث أكد رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية المكلف من المجلس الرئاسي العميد إدريس بوخمادة أن الجهاز سيتسلم الموانئ والمنشآت النفطية خلال الأيام القادمة.

وتبدو استخلاصًا أن قوات "السرايا" ترغب من هذه العملية تأكيد تموقعها السياسي، وفرض نفسها في العملية السياسية الجارية وتحديدًا في ترتيباتها المستقبلية على ضوء المفاوضات الجارية حاليًا، إضافة لذلك تسندها هذه العملية في تعزيز مواقعها العسكرية في الشرق، حيث تهدف السرايا منذ نشأتها قبل سنة إلى "تحرير بنغازي".

اقرأ/ي أيضًا: العلم الليبي..صراع الشرعية بين الثورة وأعدائها

رهانات معركة الهلال النفطي

في سبتمبر/أيلول الماضي، سيطرت قوات حفتر على الموانئ النفطية الأربعة ومنطقة الهلال النفطي إجمالًا، ورغم إدانة حكومة الوفاق حينها لذلك، فإنها اختارت عدم الدخول في مواجهة معها. حيث كانت قوات "البنيان المرصوص" حينها في أوجّ حربها ضد قوات "تنظيم الدولة" في سرت، كما أن الدخول في مواجهة عسكرية مع القوات العسكرية المنضوية تحت مجلس النواب الذي يمثل الشريك الرئيسي لتنفيذ اتفاق الصخيرات، لا يعني إلا اعدامًا لهذا الاتفاق.

وبينما كانت تخشى قوات حفتر طيلة الأسابيع المنقضية انطلاق قوات "البنيان المرصوص" في التوسع شرقًا بعد تحرير سرت، جاءت المباغتة من "سرايا الدفاع عن بنغازي" التي استطاعت تحقيق مكاسب ميدانية كبيرة في ظرف ساعات، وهو ما يكشف عن ضعف خطوط دفاع قوات حفتر. وظلّ السؤال حول ردّة فعلها.

أصدرت قوات حفتر، بعد 72 ساعة من العملية المباغتة، بيانًا أعلنت استعداداتها لانطلاق عملية عسكرية واسعة لاستعادة الموانئ، حيث أعلنت المنطقة الممتدة من رأس لانوف (شرق) إلى مدينة سرت (وسط) وحتى منطقة الجفرة (جنوب) منطقة محظورة، وهي المنطقة التي تضم الهلال النفطي. كما دعت قوات البنيان المرصوص للبقاء في حدود مدينة سرت لعدم تعرضها لنيران الطيران الحربي، فالخشية تظل عندها في إسناد قوات البنيان لقوات "السرايا" أو استغلالها المعارك للتوسع شرقا. وهي خشية أكدها اتهام العقيد أحمد المسماري الناطق باسم قوات حفتر بالتحاق "كتائب المرسى والحلبوص وهما من أكبر كتائب مصراتة" بمنطقة الهلال النفطي لمؤازرة لقوات "السرايا".

لا تبدو قوات حفتر إلا أمام حتمية رد الفعل عسكريًا لاستعادة الموانئ النفطية، لأن خسارة ورقة الموانئ يضعف من حظوظها في المفاوضات

عمومًا لا تبدو قوات حفتر إلا أمام حتمية رد الفعل عسكريًا لاستعادة الموانئ لدوافع سياسية وميدانية. حيث إن قبول المشير حفتر، في هذا التوقيت، بخسارة ورقة الموانئ سيضعف من حظوظه على طاولة المفاوضات، التي يمثل النفوذ العسكري فيها لكل طرف عنصر محدّد في التوازنات وضبط الخريطة السياسية المستقبلية. كما أن قبوله بالهزيمة "المذلة" أمام قوات "السرايا" تشكك في حرفية وهيبة قواته التي يعتبرها مجلس النواب "الجيش الوطني" للبلاد. أما ميدانيًا، فالقبول بخسارة الموانئ النفطية تعني انهيار خط دفاع رئيسي لقوات حفتر وتهديد جدّي لنفوذها المنتشر من أجدابيا غربًا إلى الحدود المصرية شرقًا، وذلك في خشية لمحاصرتها تباعًا.

ولذلك فالمعركة "حاسمة" بالنسبة لكل طرف، ومن المنتظر أن تكون شرسة على الأرض. حيث صرّح قيادي من قوات حفتر مباشرة بعد الاختراق الذي حققته قوات "السرايا" بأن "الحرب في المنطقة مستمرة". ويبدو أن عنصر الاستمرارية يؤكده الطرف المقابل، حيث أكد العميد مصطفى الشركسي وهو من أبرز قادة "السرايا" بأن "المعركة ستطول نسبيًا". وبالتالي، فلن تكون "معركة خاطفة" كما كانت معركة أيلول/سبتمبر الماضي.

كما أن المعركة قد تكون عنصر معطل، من جانب آخر، للمسار التفاوضي الجاري على ضوء مبادرة دول الجوار، حيث أعلن أكثر من 70 نائب في مجلس النواب عن مقاطعتهم للحوار بعد سيطرة قوات "السرايا" على الموانئ.

ولا يبدو، بالنهاية، الخاسر الأوّل إلا الشعب الليبي من حيث تأثير العمليات العسكرية في الهلال النفطي على عمليات التصدير التي حققت تطور لافت في الأشهر الأخيرة حيث بلغت في شهر شباط/ فبراير الفارط 700 ألف برميل أي ضعفيْ الإنتاج مقارنة بالعام الماضي. وقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، على ضوء التطورات الأخيرة، مراجعتها لخطط التصدير وسط تقديرات لتقلص عمليات الإنتاج والتصدير من جديد.

ولعلّه في هذا الجانب، قد تمارس بعض القوى الدولية دورًا للضغط من أجل تهدئة الأوضاع في منطقة الهلال النفطي وتجنيب ارتهان هذه المنطقة الحيوية في منطقة النار، كما ستسعى بالتوازي دول الجوار لتهدئة الأوضاع لعدم إفشال مبادرة تبدو الأكثر جدية لإخراج البلاد من مستنقع الفوضى السياسية والأمنية.

اقرأ/ي أيضًا: 

3 مؤشرات تقرع طبول المعركة الكبرى في ليبيا