28-يونيو-2016

صورة لقوات تابعة لخليفة حفتر خلال أحد المعارك (Getty/كريس هنروس)

ليس من باب الغرابة أن تدعّي الفصائل المتناحرة في ليبيا بأنّ كلّ منها يتبع "الجيش الليبي"، فلكلّ فريق جيشه الذي يصفه بأنه "الشرعي" و"الرّسمي". ففي ظلّ انقسام المؤسسات الرسمية وتصارعها بداية من البرلمان والحكومة وصولا للمصرف المركزي، لم يكن الجيش الليبي بخارج عن هذا الصّراع، بل كان في صلب هذا الانقسام، منذ إسقاط نظام القذافي وانهيار كتائبه المسلّحة.

تمثّل فوضى السّلاح في ليبيا، وتعدد الفصائل المسلّحة بكل مناطقها من أهمّ التحديات التي تواجه تكوين جيش موحّد

الجيش الليبي..

 اسم واحد ومسميات كثيرة

أدّت التركيبة الفريدة لكتائب القذافي خارج إطار الهيكلة المعتمدة للجيوش، بالتوازي مع انشقاق أجهزة عسكرية وأمنية من النظام، وما لحقه تباعًا من سيطرة المجموعات المسلّحة للثوار على البلاد، لمشهد مفكّك تُباع فيه الأسلحة على قارعة الطريق ويسعى فيه كل حامل سلاح لبسط نفوذ في ظلّ غياب قوات نظامية رسمية.

ورغم محاولات تشكيل أجهزة نظامية على غرار قوات الدروع سنة 2012، ظلّ الصّراع المسلّح بين الفصائل الليبية والتفكّك بين أجهزة الدولة هو السّمة البيّنة حتى تمظهر في صيف 2014 أوج الصّراع "تحت يافطة الدّولة"، بادعاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من جهة، ورئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين من جهة أخرى، بأن كلّ منهما هو حامل صفة "القائد الأعلى للجيش الليبي". وبذلك، بات كلّ فريق يدّعي بأن قواته المسلّحة هي "الشرعية" وبأن القوات الأخرى تمثّل "الجيش الموازي". وما بينهما، تنتشر فصائل عسكرية متفرقة على مختلف مناطق البلاد، ينتمي كلّ فصيل منها لفريق ما بدرجات متفاوتة وذلك في ظلّ تعدّد "أمراء الحرب".

اقرأ/ي أيضًا: الجوع..سلاح داعش للسيطرة على سكان الفلوجة

أمام هذه الفوضى، كان عنوان تشكيل "جيش ليبي موحّد" أحد العناوين الضرورية لأي اتفاق بين الفرقاء الليبيين، وهو ما تضمّنه اتفاق الصخيرات. بيد أن الفشل الذي بدأ يلحق هذا الاتفاق بداية منذ رفض رئاستي المؤتمر الوطني ومجلس النواب له، وصولا للجدل حول حكومة الوفاق الوطني التي لم تُمنح الثقة بعد، زاد من تعميق الفجوة بين الفرقاء بشكل بدا أكثر عمقًا من الفترة السابقة. حيث رفض مجلس النواب الاعتراف بالمادة الثامنة من الاتفاق معتبرًا أنه يهدّد المؤسسة العسكرية في إشارة للقوات المسلحة التي يقودها اللواء خليفة حفتر، وزادت صفة "القائد الأعلى للجيش الليبي" انتشارًا على سبيل الشياع، حيث بات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق يحمل هذه الصفة بدوره كذلك.

وقد أكّد مؤخرًا المبعوث الأممي مارتن كوبلر بأنه "لا يوجد جيش ليبي موحّد حاليًا" وذلك على ضوء اشتراط المجتمع الدّولي لتكوين هذا الجيش لرفع الحظر على تصدير السلاح لليبيا، وهو حظر قد قرّرته الأمم المتحدة قبل 5 سنوات.

تحديّات تشكيل الجيش الليبي

يمكن حوصلة تحديات تشكيل جيش ليبي موحّد في ثلاث نقاط:

  • غياب إجماع الفرقاء الليبيين بسلطة سياسية واحدة

لم ينجح اتفاق الصخيرات في تجاوز الثنائية المؤسساتية وانقسام أجهزة الدولة، مجلسان نيابيان وحكومتان، حيث فشلت الهياكل الجديدة المنبثقة عن الاتفاق وهي المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوفاق الوطني في استيعاب الفرقاء الليبيين وتمثّلها كهياكل جامعة في الفترة الانتقالية. ويتنازع حاليا صفة "القائد الأعلى للجيش الليبي" كلّ من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني نوري أبوسهمين.

  • صراع حول تحديد نواة الجيش الليبي الموحّد

هل تتمثّل نواة الجيش الليبي الموحّد في القوات المسلحة التي يقودها خليفة حفتر التي تسيطر على المنطقة الشرقية أم في القوات المسلحة التي يقودها المجلس الرئاسي التي تسيطر على المنطقة الغربية؟ تمثّل الإجابة محلّ خلاف حادّ بين الليبيين. بينما يؤكد حفتر أن قواته هي التي تمثّل المؤسسة العسكرية في إطار الدّولة، فإن القوات المسلّحة الداعمة لحكومة الوفاق الوطني ترفض ذلك. وقد صرّح مؤخرًا المبعوث الأممي مارتن كوبلر، أنه يجب تشكيل نواة من الجيش، تضم في صفوفها جنودًا من الشرق والغرب والجنوب، معتبرًا بأن الجيش الذي يقوده حفتر "لا يمثّل كل اللّيبيين".

  • فوضى السّلاح في البلاد

تمثّل فوضى السّلاح في البلاد وتعدد الفصائل المسلّحة بكل مناطقها من أهمّ التحديات التي تواجه تكوين جيش موحّد. وقد نصّ اتفاق الصخيرات على ضرورة نزع الأسلحة والذخيرة من قبل حكومة الوفاق الوطني وهو ما لم يتحقّق في ظلّ عدم الاعتراف مجلس النواب وأجهزته المسلحة بهذه الحكومة. وفي غياب الاعتراف بسلطة مركزية وشرعية في البلاد تستأثر بحمل السلاح، يصعب تشكيل جيش ليبي موحّد، حيث ترفض الفصائل نزع أسلحتها دون وجود ضمانات ومنها انصهارها في الأجهزة الجديدة للدولة.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

المجموعات المسلّحة والجيش الليبي

تتعدّد الفصائل العسكرية المسلّحة وتتصارع فيما بينها في كتل مختلفة ما تفتأ تشهد تغييرات بحسب موازين القوى على الأرض وميزان الرّبح والخسارة. وفيما يلي رصد لأهم الفصائل المسلّحة على ضوء رهان تشكيل جيش ليبي موحّد.

بينما يؤكد حفتر أن قواته هي التي تمثّل المؤسسة العسكرية في إطار الدّولة الليبية، فإن القوات المسلّحة الداعمة لحكومة الوفاق الوطني ترفض ذلك

  • القوات المسلحة ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺔ

القوّات المسلّحة العربية اللّيبية هو "الجيش الليبي" لدى مجلس النواب وغير المعترف به من المؤتمر الوطني سابقًا. فهي القوات العسكرية التي انضمّت للواء خليفة حفتر في إطار عملية الكرامة سنة 2014. ويمثل هذا الجيش الجهاز العسكري للسلطات المتواجدة في المنطقة الشرقية وهي مجلس النواب والحكومة المؤقتة التي يترأسها عبد الله الثني.

يتمركز نفوذ هذه القوات في المنطقة الشرقية التي تحظى بدعم قبائلها. فيما ينحصر نفوذها في المنطقة الغربية عبر غرفة عمليات يقودها العقيد إدريس مادي ينحصر نفوذها أساسًا في مدن الزنتان والرجبان وورشفانة. ولم تعترف السلطات في المنطقة الغربية بهذه القوات حيث يصفها خصومها بأنّها من بقايا جيش القذافي.

وتضمّ هذه القوات عددًا من التشكيلات العسكرية أهمّها القوات الخاصّة " الصّاعقة" التي يقودها العقيد ونيس بوخمّادة، والقوات الجويّة التي يقودها العميد صقر الجروشي. ويتولّى اللواء عبد الرزّاق الناظوري مهمّة رئاسة الأركان منذ أغسطس 2014، فيما يتولّى اللواء خليفة حفتر مهمّة القيادة العامّة فيما يتمتّع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بصفة القائد الأعلى. وبذلك يشكّل هذا الثالوث عماد هذه القوّات.

وترفض هذه القوّات الاعتراف باتفاق الصخيرات وتحديدًا ما يتعلق بمنح حكومة الوفاق صلاحيات التعيين في المناصب العسكرية وذلك تحت عنوان "عدم المساس بالمؤسسة العسكرية". كما ترفض انضواء القوات المحسوبة على فجر ليبيا سابقًا ضمن القوات النظامية، وذلك في ظلّ الخشية من تقليص نفوذ خليفة حفتر في الفترة القادمة.

  • القوات المؤيدة لحكومة الوفاق الوطني

هي المجموعات العسكرية التي أعلنت دعمها لحكومة الوفاق الوطني، وتنضوي أساسًا في إطار "لجنة الترتيبات الأمنية" التي شكلها السرّاج بداية السّنة الجارية لتأمين حكومته. وتضمّ هذه اللجنة أساسًا مجموعات مدينة مصراتة على غرار "الحلبوص" و"المحجوب" و"المرسى" وكتائب أخرى أهمها كتيبة "النواصي" و"كتيبة فرسان جنزور" وذلك بالإضافة للمجموعات المسيطرة على غالبية مدن المنطقة الغربية مثل طرابلس والزاوية وغريان وصبراتة.

وتتكون لجنة الترتيبات الأمنية من 18 قائدًا عسكريًا، يترأسها العقيد عبد الرحمن الطويل. وتشارك هذه القوات حاليا في عملية "البنيان المرصوص" ضد تنظيم الدولة في سرت.

ومن المنتظر أن تمثّل هذه القوات نواة الجيش الليبي في المنطقة الغربية، وهي القوات الأكثر كفاءة عددًا وعتادًا في البلاد.

  • المجموعات المؤيدة للمؤتمر الوطني

تنضوي هذه المجموعات أساسًا في إطار "القيادة العامة للجيش الليبي" التابع للمؤتمر الوطني العامّ تحت إمرة القائد العام عبد السلام العبيدي، ومن أهمها "غرفة عمليات ثوار ليبيا". ترفض هذه المجموعات اتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق المنبثقة عنه وتؤكد مساندتها للمؤتمر الوطني ورئيسه نوري بوسهمين بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي. وقد شكّلت هذه المجموعات الداعمة لحكومة الغويل غرفة عمليات لتحرير سرت برئاسة العميد محمود الزقل.

ينحصر نفوذ هذه القوات في بعض مدن المنطقة الغربية وهي أقل عددًا وعتادًا من المجموعات المؤيدة لحكومة الوفاق. وتراهن حكومة السراج على كسب تأييد هذه المجموعات التي تعارضها حاليا عبر إعطائها ضمانات وإدماجها في الجيش الليبي.

  • حرس المنشآت النفطية

يمثل حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى، أحد أهمّ المجموعات المسلّحة على الأرض بما أنه يسيطر على أهم حقول النفط شرق البلاد. ويقود هذا الحرس إبراهيم الجضران الذي تتمركز قواته تحديدًا بمدينة اجدابيا الاستراتيجية على شريط الهلال النفطي.

وقد اصطفّت هذه القوات إلى جانب خليفة حفتر منذ 2014 قبل أن تنقلب عليه قبل أسابيع بإعلان انضوائها تحت راية حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس. وقد أدّى هذا الإعلان لإصدار حفتر لقرار بعزل الجضران وتعيين قائد عسكري آخر مكانه، وهو ما بقي حبر على الورق وما أدى لمناوشات بين قوات حفتر من جهة وحرس المنشآت النفطية من جهة أخرى. ومن المنتظر أن تنضوي هذه المجموعة ضمن الجيش الموحّد.

  • مجلس شورى ثوّار بنغازي

يضمّ هذا المجلس مجموعة التشكيلات العسكرية المحسوبة على الإسلاميين و"الثوار" وأهمها كتيبة راف الله سحاتي وكتيبة شهداء 17 فبراير إضافة لكتيبة أنصار الشريعة. ومن أهمّ قادة هذا المجلس وسام بن حميد الذي كان يقود مجموعة مسلّحة سابقًا باسم "درع 1" في إطار تشكيلات دروع ليبيا التي تكوّنت سنة 2012 بدعم من المؤتمر الوطني. وقد تشكّل هذا المجلس منتصف 2014 لمواجهة قوات الكرامة التي يقودها حفتر، حيث لا تزال المواجهات قائمة بين الطرفين في بنغازي.

ويرفض هذا المجلس حكومة الوفاق الوطني ومن المنتظر أن يمثل عقبة أساسية في تكوين جيش موحّد نتيجة رفضه الانضواء في إطار مؤسسات الدّولة، سواء في شرق البلاد أو غربها.

اقرأ/ي أيضًا:

 مصر..أحاديث المصالحة مرة أخرى