04-أغسطس-2017

السيسي خلال كلمته في مؤتمر الشباب في الإسكندرية، تموز/بوليو 2017

استخدمت الآلة الإعلامية للنظام في مصر مفهوم الدولة الفاشلة، وقامت بالترويج له كمخطط لإسقاط الدول، وكحجة لما بات يسمى بـ"محاربة الإرهاب". قامت برامج عدة في مصر بإعداد مقاطع فيديو تُظهر دخول داعش على الدبابات إلى مناطق داخل الدول إيذانًا بالسيطرة على الأرض.

تقوم الآلة الإعلامية للنظام المصري بترويج مصطلح "الدولة الفاشلة" لخلق رهبة عامة من سقوط الدولة

لكن ما هو مفهوم الدولة الفاشلة؟ وهل هو مفهوم سياسي متفق عليه بين مختلف الباحثين؟ هل فشل دولة ما يرتبط بسياساتها الاقتصادية أو سيطرتها على السلطة؟ كيف استخدمت الآلة الاعلامية في مصر هذا المصطلح لتبرير القمع وتقنينه؟ هل قامت بتحريف المفهوم أو لي ذراعه حتى يتوافق مع الترويج لـ"فوبيا" ضد سقوط الدولة، التي يتبناها السيسي في خطابه الجماهيري في مؤتمر الشباب الأخير؟ وأخيرًا بمقاييس الباحثين الذين تناولوا المفهوم: هل مصر دولة فاشلة، أو دولة ضعيفة، أو أنها خليط غير متجانس من الاثنتين؟

اقرأ/ي أيضًا: رحلة السيسي للبحث عن جهاز أمني من أبنائه

الدولة الفاشلة: مفهوم غامض وإشكالي!

يشير مركز الدراسات الإقليمية والدولية التابع لجامعة جورج تاون إلى أن مصطلح الدولة الفاشلة في بداية ظهوره ركز على الأداء الاقتصادي لهذه الدول، واقتصر على تسميتها بالدول الضعيفة، ثم لجأ إلى استخدام مصطلح "الدولة الهشة" بصفتها خطرًا يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويؤسس ملاذات آمنة للإرهابيين. كما وأشار إلى التخبط الحاصل في المفهوم نفسه، الذي تأرجح بين مفهوم الدولة الضعيفة والفاشلة والمنهارة، "فالمصطلحات تم تسييسها، وتم ترويج خطاب عالمي مطلق حولها"، وقد تم كل هذا بعيدًا عن المؤشرات التي وُضعت لتقييمها.

وعلى أي حال فإن مفهوم الدولة الضعيفة أو الفاشلة يستند في جوهره إلى طبيعة هيكلتها، وإلى ضرورة ضبط المفاهيم المتعلقة بالكفاءة في إدارة الدولة والشرعية، كما يتناول ما يقوم به بعد القادة من تغذية الانقسامات الاجتماعية في سبيل إطالة مدة بقائهم في الحكم، كما هو الحال في مصر، التي تشهد استقطابًا حادًا في الآونة الأخيرة خاصة بعد تولي عبد الفتاح السيسي الحكم.

ويخلص التقرير – الذي يتناول في متنه اليمن والسودان ولبنان كأمثلة للدول الضعيفة – إلى أن مفهوم الدول الفاشلة، ثمة ثلاثة آراء حوله، الأول يرى أن وجود المفهوم في حد ذاته مهم على المستوى التحليلي، والآخر يرى أنه غير مفيد على الإطلاق بسبب عدم دقته تحليليًا، بينما تعاديه صراحة مجموعة أخرى ترى أنه بالفعل تم استخدامه سياسيًا لإدارة أجندات خاصة لبعض أصحاب المصالح.

خصص السيسي جلسة كاملة، ضمن مؤتمر الشباب، للحديث عن "صناعة الدولة الفاشلة"

نعوم تشومسكي ذهب في كتابه "الدول الفاشلة" إلى أنها "الدول غير القادرة أو غير الراغبة في  حماية مواطنيها من العنف، وربما من الدمار نفسه، وتعتبر نفسها فوق القانون محليًا كان ذلك أو دوليًا، ويرى أنها تملك أشكالًا من الديمقراطية تفتقد في جوهرها إلى العملية الديمقراطية الحقيقية".

اقرأ/ي أيضًا: تفاهمات الطغاة في الغوطة الشرقية..مصر السيسي في صف الأسد

فزاعة الدولة الفاشلة في الإعلام المصري

في الآونة الأخير، جند الإعلام المصري كثيرًا من برامجه ومذيعيه، للترويج لمفهوم "الدولة الفاشلة" في إطار مؤامرة تقام على مصر ونظامها، منها ما روج له السيسي نفسه في مؤتمر الشباب الذي عقده في الإسكندرية الشهر الفائت، حيث خصص جلسة كاملة للحديث عن "صناعة الدولة الفاشلة"، داعيًا بصراحة بالغة إلى أن الدور الإعلامي هو "خلق فوبيا" من إسقاط الدولة المصرية، مشيرًا ومخوفًا من تجارب دول أخرى في الإقليم، كما دعى إلى التغاضي عن أي نقد عن الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، لأن أي مرودود لخطط ومشاريع النظام لن تؤتي ثمارها قبل أربعة سنوات، دون أن تفوته عادة الإشارة إلى أهمية دور الجيش في "تثبيت الدولة المصرية"، قائلًا: "إن الجيش ليس مهمته الدفاع فحسب ولكنه يقوم بأشياء أخرى".

ومن الملاحظ استخدام مصطلح الدولة الفاشلة للتخويف من "سقوط الدولة" ومن الحروب الأهلية في المنطقة، مشككًا في نوايا ثورة يناير 2011، التي يرى أنها كانت ستؤدي إلى هذا المصير المحتوم. وفيما يبدو أن الجملة التي يتداولها أنصاره "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق" وجدت ضالتها أخيرًا إطارها النظري الأكاديمي في الترويج لمؤامرة الدولة الفاشلة.

وبناء عليه انبرت برامج تليفزيونية عديدة تتحدث عن مخطط لإسقاط الدولة المصرية، وتحويلها إلى دولة فاشلة، منهم المذيعة المقربة من النظام أماني الخياط في برنامجها بين السطور، وفي البرنامج الصباحي وغيره.. كانت معظم السيناريوهات التي انطلقت منها هذه البرامج، هي سناريوهات الأنشطة الهدامة والمؤامرات التي تقام على مصر لإسقاطها، وفقًا لما حدث في دول أخرى.

تم تبني مصطلح الدولة الفاشلة في مصر ليكون مبررًا لقمع الحريات، وحصر الممارسة السياسية في فئة موالية للسلطة

هل مصر دولة فاشلة؟

على الأقل وفقًا لمؤشر الدول الفاشلة، فإن مصر تقع ضمن الدول التي في حالة "إنذار"، وهي مؤشرات ذات دلالة على اضطراب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية فيها، وعلى عدم قدرتها على خدمة مواطنيها بالشكل الأمثل. وتحتل مصر المركز السابع والثلاثين بين الدول الأخرى، تقاسمها رواندا ذات المركز تقريبًا. وتتوفر لها أسباب الفشل داخليًا قبل الأسباب الخارجية. فعلى المستوى الداخلي، يعيش المصريون أوضاعًا اقتصادية شديدة الصعوبة منذ تعويم الجنيه، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات كبيرة جدا في الأسعار لا يقابلها ارتفاعات موازية في الرواتب. كما يعيشون حالة ضبابية على المستوى الأمني، بسبب تكرار الحوادث الإرهابية، خاصة بسبب التشكيك في سلامة الإجراءات، وبالتالي بالسرديات التي يعلن فيها الأمن الوطني عن مرتكبي الحوادث الإرهابية، وكان التحول الكبير على هذا المستوى بعد تصفية خمسة من المواطنين، اتهمتهم السلطات المصرية بقتل جوليو ريجيني، الطالب الايطالي الذي كان يدرس في مصر، ثم تبين بعد ذلك أنه لا علاقة لهم بالقضية. كما أن العوار ذاته أصاب الجهاز القضائي، وكانت أبرز الحوادث الدالة على الخلل الكبير في الجهاز القضائي، الإعدامات التي طالت مجموعة من الشباب المتهمين في القضية التي تُعرف باسم "عرب شركس"، والتي حصل فيها المتهمون على البراءة بعد تنفيذ أحكام الإعدام بهم.

اقرأ/ي أيضًا: أحمد شفيق سيترشح للرئاسة.. من القاهرة أم لندن؟

أما على المستوى السياسي والحقوقي، فالمصريون يعاينون حالة غير مسبوقة من انسداد الأفق السياسي، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وقمع الحريات، وحجب المواقع على الإنترنت التي وصلت إلى أكثر من 100 موقع الكتروني صحفي، فضلًا عن معاقبة الصحفيين بالحبس أو الفصل التعسفي كما حدث في أزمة صحفيي "اليوم السابع" الأخيرة.

وأخيرًا، الدولة الفاشلة مصطلح تم تبنيه من أجل خطاب سياسي في مصر، يريد أن يستخدمه كفزاعة لقمع الحريات، وحصر الممارسة السياسية على قلة قليلة حول السلطة من المرضي عنهم، بالإضافة إلى استخدامه كفزاعة لرجل الشارع للتأثير عليه حيث تكون كلمة "لا" صدى لفوبيا إسقاط الدولة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في زمن خالد صلاح

"الفاجر القادر".. الرئيس الذي يحكم بفحولته!