23-ديسمبر-2016

سوق وهران بالجزائر (Getty)

تشهد الجزائر هذه الأيام أمطارًا وثلوجًا تُسيل لعاب الدول الجافّة، فقد تلقت بعض المناطق كمياتٍ منها فاقت التوقعات، حتى أنها تسبّبت في حوادث وإصابات، وتمنعني الروح الإيجابية في هذا المفصل بالذات من وصفها بالكارثة.

وما جعل هذه الأمطار والثلوج نعمة مضاعفة، أنها وجدت عددًا كبيرًا من السّدود والحواجز المائية قامت الحكومة بإنجازها في السنوات الأخيرة، بحيث باتت تذهب ماءً صالحًا للشرب إلى حنفية المواطن، لا هدرًا مهدورًا إلى البحر، عكس العقود السّابقة.

مرت أعوام على الجزائر تجاوز خلالها سعر البترول المئة دولار، فأغرى ذلك الحكومة بإطلاق يدها في العائدات من غير أية رؤية أو تخطيط

وهي من النعم التي تجعل الواحد يفرح ويحزن في الوقت نفسه، أما سبب الفرح فواضح، وأما سبب الحزن، فيعود إلى أن الحكومة التي أنجزت قرابة ثمانين سدًّا لاستغلال خيرات السّماء، لم تفعل الكثير لاستغلال خيرات الأراضي، وقد تعمدت استعمال كلمة "الأراضي" عوض الأرض، لأن الواقع الجزائري يقول ذلك، فالبلاد شبه قارة فعلًا.

لقد مرّت أعوام على الجزائر تجاوز خلالها سعر البترول مئة دولار أمريكي، فأغرى ذلك الحكومة بإطلاق يدها في العائدات، من غير أية رؤية أو أيّ تخطيط، وما أن تهاوت الأسعار حتى باشرت سياسة تقشف لم تخضع هي الأخرى إلى رؤية وتخطيط منطقيين، وراحت تستعير من البنك الأفريقي، بعد أن كانت تعير صندوق النقد الدولي، وتمسح ديون العديد من الدول الأفريقية.

اقرأ/ي أيضًا: حيل المتسوّلين في الجزائر

تقول الحكومة إنها صرفت 800 مليار دولار أمريكي، في الأعوام الخمسة عشر الماضية، على المشاريع التنموية المختلفة، ويقول الواقع إنها، مع ذلك، لا تزال تستورد القمح واللحم والحليب والثوم والبطاطا من الدول الأخرى، بما فيها فرنسا التي كانت تطعم شعبها ومستعمراتها بنصف ما كان ينتجه سهل المتيجة الذي بات اليوم غابة إسمنتية مشوهة، فلا نحن حافظنا عليه سهلًا مثمرًا، ولا نحن بنينا فوقه مدنًا بالمعايير الدولية للمدن، فمن نصدق يا ترى؟ أرقام الحكومة أم واقع الحال؟

الجزائري اليوم بات يحلم لو أن حكومته استثمرت ثروات الأمس، في مشاريع خالقة للمال والأعمال

يقال إن أكثر الأحلام إثارة للوجع، هي تلك التي فات أوانها، بما يجعلها عضوًا في عائلة الأوهام، ومنها أن الجزائري اليوم بات يحلم لو أن حكومته استثمرت ثروات الأمس، في مشاريع خالقة للمال والأعمال، عوض صرفها في الاستهلاكي العابر، وعملت على تحرير الاقتصاد الوطني من التبعية للنفط وما شابهه، بتشغيل قطاعي الفلاحة والسّياحة وما شابههما، وما يجعل هذا الحلم/ الوهم أكثر وجعًا، أن الحكومة اليوم، تسعى إلى تفادي الحرج، بإعلانها أنها ستفعل ذلك في السّنوات القادمة، من غير أن تعدّ ما يجب أن يُعدّ في هذا الباب، ذلك أن السّياحة والفلاحة لا يمكن أن تنتعشا بفندق بائس ونقل ناعس، وأراض فلاحية منهوبة.

زرت عجوزًا في قرية نائية، تسمّى الخالة فرّوجة، فأعطتني درسًا بليغًا في فنّ تسيير المعيشة، إذ قالت إنها تتفادى آثار تأخر المنحة الحكومية عنها، بتربية عنزة للحليب ودجاج للبيض وأرانب للّحم وبستان للخضر والفواكه، فتمنيت لو أن أعضاء الحكومة كانوا حاضرين معي، علهم يستفيدون من حكمة العجوز، بعد أن فشلوا في الاستفادة من خبراء الاقتصاد والاجتماع والتنمية والفلاحة والسّياحة والصيد البحري.

وحدث أن سمعت لاحقًا صديقًا يقول إنّ اقتصادنا يسير بمنطق عجوز، فاعترضت على حكمه، وأحلته على الخالة فرّوجة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وفاة الصحفي تامالت.. عودة لجدل الحريات في الجزائر

"رحمة ربي" الجزائري.. جدل وتصعيد متواصل