18-نوفمبر-2016

مشهد من أحد أسواق الجزائر العامة (ديا أغوستيني/getty)

شهد البرلمان الجزائري نقاشات حادة، أثناء إقرار قانون المال والموازنة لعام 2017. وهو قانون دافعت عنه أحزاب الموالاة للسلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر)، باعتباره "ضرورة اقتصادية"، تقتضيها المرحلة بسبب تراجع عائدات البترول، وباعتباره "سندًا سياسيًا للحكومة". في وقت رفضت أحزاب المعارضة القانون، والممثلة في نواب "تكتل الجزائر الخضراء" وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العدالة التنمية وكتلة جبهة التغيير وحزب العمال، التي رأت فيه طريقة لمزيد "تفقير الشعب الجزائري".

موازنة عام 2017 في الجزائر تفتح نقاشًا حادًا في البرلمان وقد اعتبرتها المعارضة محاولة لمزيد تفقير الشعب

وترى أحزاب السلطة، أن القانون، يدخل في إطار "خدمة المشروع الاقتصادي" الذي خططت له الحكومة عن طريق ما اصطلح عليه خلال المناقشات بـ"توسيع الوعاء الضريبي وتشجيع الاستثمار"، وهو مشروع دافعت عنه هذه الأحزاب، كونه بالنسبة لهم، اعتمد على تسقيف النفقات العمومية للدولة بهدف ترشيد النفقات والحد من مضاعفة عجز الميزانية"، وفق ما جاء في الوثيقة التي حملها المشروع خلال مناقشات البرلمان.

وتتعلق تحفظات الأحزاب بخصوص القانون بالبنود التي تفرض الرسوم والضرائب على عديد من المواد ذات الاستهلاك الواسع مثل، القهوة والحليب والزيت والسكر بالإضافة إلى المواد ذات الطابع الخدمي مثل الوقود والكهرباء والغاز والهاتف، مما سيضاعف من تدهور القدرة الشرائية للمواطن ويعمق الهوة الاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: ملف "الحركي" في الجزائر.. المسكوت عنه

وفي هذا المنحى، دعت النائب عن تكتل الجزائر الخضراء سميرة ضوايفية إلى "ضرورة منع تمرير المشروع جملة وتفصيلًا"، مؤكدة في مقابلة مع "ألترا صوت" أنه يسعى إلى "إفراغ جيوب المواطنين" عن طريق لجوء الحكومة إلى الحلول السهلة من خلال رفع نسب الرسوم والضرائب"، لافتة إلى أن "رفع الرسوم سيستمر إلى غاية عام 2019، والهدف منه ضمان موارد دائمة من خلال مداخيل مالية من جمع الضرائب التي ستصبح أهم مصدر للخزينة العمومية".

ويوضح نائب حزب العدالة والتنمية لخضر بن خلاف أن "سياسة التقشف والبطالة وتقليص النفقات العمومية التي تنتهجها الحكومة لن تكون محركًا رئيسًا للتنمية في الجزائر"، محملاً الحكومة "الفشل في خطة التنمية"، ومشيرًا إلى أن "الرجوع إلى العشر سنوات الأخيرة يبين أن الحكومة لم تتمكن من إنجاز ما أسمته شبكة من المؤسسات الاقتصادية".

وبلهجة حادة، وجهت الأمين العام لحزب العمال لويزة حنون انتقادات إلى الحكومة. ووصفت قانون المال بـ"العار"، موضحة أن "الجزائر تعيش في مرحلة تحالف السلطة وأصحاب المال"، أو كما وصفتها بـ"المافيا"، التي برأيها تريد أن تحول الجزائر إلى بلد مستورد، يتحكم فيه رجال الأعمال دون الذهاب إلى إنجاز الاستثمارات في شتى القطاعات المتاحة في البلاد.

نواب المعارضة في الجزائر وصفوا  قانون المالية الجديد بـ"العار"

وتضيف حنون، أن الجزائر في مرحلة "فساد مالي بسبب استشراء المال السياسي واتساع رقعة توظيفه. وهذا يأتي في خطوات متواترة لتسلل رجال الأعمال إلى ممارسة السياسة عبر الواجهات الحزبية والفعاليات السياسية المتحكمة في دواليب صنع القرار".

من جهته، وصف رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، في تصريحات متواترة، أن "مشروع قانون المالية سيأخذ الجزائر نحو حلبة يدور في فلكها رجال الأعمال، والدولة تخدم فئة قليلة من أصحاب الأموال". واقترح رئيس الحركة اللجوء إلى "حلول أخرى"، من بينها وضع خطة على مدى الخمس سنوات القادمة تهدف إلى صياغة رؤية اقتصادية ترتكز على المحافظة على القطاعات الاستراتيجية وتوسيع فرص القطاع الخاص للجميع بعيدًا من الاحتكارات الفردية، ليتم من بعدها خوض معركة التنمية الاقتصادية والتطوير للانتقال من اقتصاد الريع الذي يعتمد على مداخيل البترول إلى الاقتصاد المنتج الذي يبعث على الاستثمار في قطاع الزراعة والري والسياحة والخدمات.

اقرأ/ي أيضًا: تعديل الدستور والعجز الدائم في الجزائر

ومن جانبه، يقول المحلل السياسي عبد المجيد رمضان، في مقابلة مع "ألترا صوت"، أن "رفض نواب في البرلمان الجزائري من كتل المعارضة لمشروع قانون المالية لسنة 2017، أمر منطقي وموضوعي، وأن دور المعارضة أصلًا يقوم على مراقبة صناع القرار السياسي وإبلاغهم عن النقص والخلل والتعبير عن انشغالات وهموم أفراد الشعب". وأضاف رمضان، معلقًا على الرفض، أن "المشروع يضم العديد من الرسوم والضرائب الجديدة التي ستفرض على المواطنين خاصة على البسطاء منهم، الذين سيتحملون تبعات هذه الزيادات وهم الذين سيدفعون ثمن الأزمة المالية".

اعتراضات على مس قانون المالية الجديد في الجزائر بالقدرة الشرائية للمواطنين 

واعتبر المحلل السياسي أن "الضرائب والزيادات التي يحملها المشروع تندرج ضمن الحلول السهلة التي تلجأ لها الحكومة الجزائرية من أجل إنقاذ الخزينة الحكومية ومواجهة الأزمة المالية بسبب تراجع مداخيل النفط"، منتقدًا النواب الذين يدعون إلى ترشيد النفقات والحد من عجز الميزانية، دون "الإقدام بشجاعة على إجراءات تقشفية في المصاريف والمنح والامتيازات المالية التي تمنح لهم"، ولافتًا إلى أن "العديد من النواب المعارضين لا يقدمون حلولًا بديلة وتصورات مثلى لإنعاش خزينة الدولة دون المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين".

وتنادي أصوات من قلب البرلمان الجزائري بضرورة اتباع سياسة التقشف في ترشيد نفقات البرلمان أيضًا وتخفيض أجور الوزراء والنواب والكوادر السامية في الدولة الجزائرية، وهو حل برأي النائب في كتلة "تكتل الجزائر الخضراء" (تيار إسلامي) ناصر الدين حمدادوش بإمكانه تقليص ميزانية نفقات كانت تصرف على أصحاب الوظائف السامية، معترفًا في حديثه لـ"ألترا صوت" بأنها "ستكون خطوة رمزية تعبر عن تضامن مع الدولة في هذه الأزمة"، مضيفًا أنها خطوة نحو "تطمين المواطن بأنه ليس الوحيد المتضرر من تدهور الوضع الاقتصادي".

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. تعديلات وزارية ضد تيار المعارضة

الجزائر.. الصناعات التقليدية تعاني عديد الصعوبات