14-فبراير-2018

اجتمعت المواثيق الدولية على وصف الإخفاء القسري بأنه "جريمة ضد الإنسانية" (ألتراصوت)

كالعديد من الانتهاكات الفاضحة والمعلنة لحقوق الإنسان دوليًا، من جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والاحتجاز التعسفي والمحاكمات العسكرية للمدنيين وحرمان المعتقلين من التمثيل القانوني الواجب دستوريًا؛ سُلطت الأضواء القانونية كثيرًا على جريمة الإخفاء القسري وتبعاتها وما يترتب عليها من شروط جزائية ووقائية تناط بالأطراف صاحبة المسؤولية، من حكومات وهيئات عدلية بالأساس.

وصف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الإخفاء القسري بـ"الجريمة ضد الإنسانية" التي لا تسقط بالتقادم

وتعددت الديباجات والمنابر القانونية التي تطرقت لجريمة الإخفاء القسري، إذ نص من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من تموز/يوليو 2002، على وصف الإخفاء القسري بأنه "جريمة ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، مُعطيًا أسر الضحايا الحق في جبر الأضرار ومعرفة مصير أقربائهم.

اقرأ/ي أيضًا: قانون "الجرائم الإلكترونية" وفظائع الاختفاء القسري في الإمارات

ولم يدع نظام روما الأساسي أي متسع للتملص من تحديد الإخفاء القسري كجريمة معممة ضد الإنسانية، خاصة عندما يكون ممارسة ممنهجة، وذلك ما تم تأكيده عبر المادة السابعة الخاصة بالجرائم ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي، التي قدمت التشخيص القانوني الآتي: "لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم"، ثم ذكر الإخفاء القسري.

ولم تقتصر الإدانة القانونية لجريمة الإخفاء القسري عند نظام روما الأساسي، بل تعدته لعديد من النصوص المؤسسة والمكملة. إذ جاء في المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، أن كل ممارسة لجريمة الإخفاء القسري العامة أو المنهجية، هي "جريمة ضد الإنسانية" كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق، وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون.

بينما اشتمل تعريف الإعلان الخاص بحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، على أنّ الإختفاء القسري يحدث عند القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغمًا عنهم، أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر، على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها، أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين، أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، ما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون.

ليتضح التوصيف القانوني لجريمة الإختفاء القسري على أنه الحرمان من الحرية لأسباب سياسية على أيدي جهات تابعة للدولة، ومن ثم رفض هذه الجهات الاعتراف بمكان وجود الشخص المختفي، أو الإعلان عن مصيره، ما يجعله خارج حماية القانون. وبالتالي يوفر هذا الاختفاء القسري الممنهج نوعًا من الإفلات من العقاب، ويسمح بارتكاب المزيد من جرائم الاختفاء القسري، والجرائم التي تستتبعه كالتعذيب.

وعن الوقائع المتصلة بالجريمة، يتبين أن الإخفاء القسري يحدث بأن تصل مجموعة من الرجال المسلحين، التابعين للدولة، مرتدين زيًا رسميًا أو مدنيًا، وغالبًا ما يخفون هويتهم، فيقومون باقتحام أحد المنازل أو أماكن العمل، أو اختطاف شخص من الشارع أو من أي مكان آخر، ويقومون باختطاف ذلك الشخص. 

ومن الممكن اختطاف عدد من أسرة واحدة  دون عرض إذن من النيابة أو استصداره أصلًا، أو توجيه التهم له. ويصاحب هذا الاعتقال الضرب والعنف الشديد في أغلب الحالات. لتتجه بعد ذلك قوات الاعتقال بالأشخاص المختطفين إلى مكان غير معلوم ويبقى ذوو الضحية يبحثون عنه إلى أجل غير معلوم، فقد يصل بهم البحث إلى التعرف على مكان إخفاء الضحية أو قد لا يعلمون عنه شيئًا لسنوات، أو قد يجدون جثته ملقاة بإحدى الطرقات.

ويمكن الإيجاز حول توصيف جريمة الإخفاء القسري، على أنه حرمان من حرية يتبعه رفض الاعتراف بمصير الشخص المختفي أو مكان احتجازه، ما يجعله خارج حماية القانون، وعادة ما يتم هذا الإخفاء على أيدي السلطات الحاكمة، وتكون وراءه دوافع سياسية، أو استهداف لمعارضين أو صحفيين أو أصحاب رأي.

وبات من المعلوم اختبارًا وضمنًا، أن الشخص المخفي قسريًا يتعرض لكافة أنواع الانتهاكات المصاحبة لإخفائه من حرمان من الحرية وتجويع وحرمان من الرعاية الطبية وتعذيب قد يصل إلى حد القتل، ويُتهم بعد قتله بالإرهاب، أو تُلفّق له أي قضية، أو يُدفن داخل السجن في صمت، فلا يُعلم مكانه ولا تعترف الدولة باحتجازه لديها.

وتتنافى هذه الإجراءات الانتهاكية، بوصفها مخالفة متكاملة، مع المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهما المادتان اللتان تنصان على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكذلك حال المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تُجرّم إكراه أي شخص على الشهادة ضد نفسه أو الاعتراف بذنب لم يرتكبه.

وبما أن جريمة الاختفاء القسري الممنهجة، تعد "جريمة حرب" و "جريمة ضد الإنسانية"، بالتالي يمكن أن تُشكل أساسًا لملاحقات قضائية، وذلك لخطرها الشديد على المجتمع، ولانتهاكها العديدَ من حقوق الإنسان. فالقانون الدولي يحظر استخدام الإخفاء القسري تحت أي ظرف، بل يشدد في تتبعها في حالات الطوارئ والحروب والنزاعات الأهلية.

ومن بين أبرز الحقوق التي تنتهك بوقوع جريمة الإخفاء القسري، ما كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تحمي مجموعة من الحقوق تشدد على حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية، وحق الفرد في الحرية والأمن على شخصه، إضافة للحق في الحياة وفي الحرية وفي الأمن الشخصي، وفي عدم التعرض للتعذيب والسلامة الجسدية.

يُضاف إلى ذلك الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وبشكل أساسي الحق في الحياة، والحق في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية. إضافة إلى الحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض، والحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء.

فضلًا عن أنه جريمة بحد ذاته، ينطوي الإخفاء القسري على جرائم أخرى كالتجويع والحرمان من الرعاية الطبية أو التعذيب الذي قد يصل للقتل

ومن بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لضحايا جريمة الإخفاء القسري وأسرهم، يُحضِر الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة، والحق في مستوى معيشي مناسب، والحق في الصحة، والحق في التعليم.

اقرأ/ي أيضًا: من لفافات البانجو إلى الإستروكس.. كيف يُقتل الشباب بالتعذيب في مصر؟!

بينما توضح ديباجة الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، أن ميثاق الأمم المتحدة يفرض على الدول "الالتزام بتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، احترامًا عالميًا وفعليًا، وإذ تستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإذ تشير إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإلى المواثيق الدولية الأخرى ذات الصلة بمجالات حقوق الإنسان والقانون الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وإذ تشير أيضًا إلى الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992، وإذ تدرك شدة خطورة الإخفاء القسري الذي يشكل جريمة ويشكل، في ظروف معينة يحددها القانون الدولي، جريمة ضد الإنسانية، وقد عقدت العزم على منع حالات الإخفاء القسري ومكافحة إفلات مرتكبي جريمة الإخفاء القسري من العقاب، وقد وضعت في الاعتبار حق كل شخص في عدم التعرض لاختفاء قسري، وحق الضحايا في العدالة والتعويض، وإذ تؤكد حق كل ضحية في معرفة الحقيقة بشأن ظروف الاختفاء القسري ومعرفة مصير الشخص المختفي، فضلًا عن حقه في حرية جمع واستلام ونشر معلومات لتحقيق هذه الغاية".

ويرد في الجزء الأول من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري، عدم جواز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، وعدم جواز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، قد تستخدم لتبرير الاختفاء القسري، إذ لا مُبرر له.

وتعرف الفقرة الثانية لهذه الاتفاقية، الإخفاء القسري على أنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف، أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية، يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.

أما الفقرة الثالثة فتنص على أن تتخذ كل دولة طرف في الاتفاقية، التدابير الملائمة للتحقيق في التصرفات المحددة في الفقرة الثانية، التي يقوم بها أشخاص أو مجموعات من الأفراد، يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة من الدولة، ولتقديم المسؤولين إلى المحاكمة. وتشترط الفقرة الرابعة أن تتخذ كل دولة طرف، التدابير اللازمة لكي يشكل الإخفاء القسري جريمة في قانونها الجنائي.

لتأتي الفقرة الخامسة محددة بأن ممارسة الإخفاء القسري العامة أو المنهجية، تشكل جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق، وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون. وتنص الفقرة السادسة على تحميل عواقب ومسؤولية الجريمة لكل من يرتكب جريمة الإخفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها، أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئًا أو يشترك في ارتكابها، كما تستتبع معاقبة الرئيس الذي تكون ولايته وقت وقوع الجريمة واستمرارها.

في حين جاءت الفقرة العاشرة موضحة أن على كل دولة طرف في الاتفاقية، يوجد في إقليمها شخص يشتبه في أنه ارتكب جريمة إخفاء قسري، أن تتكفل باحتجاز هذا الشخص، أو تتخذ جميع التدابير القانونية الأخرى اللازمة لكفالة بقائه في إقليمها متى رأت، بعد فحص المعلومات المتاحة لها، أن الظروف تستلزم ذلك.

ويتم هذا الاحتجاز وتُتخذ هذه التدابير، وفقًا لتشريع الدولة الطرف المعنية، ولا يجوز أن تستمر إلا للمدة اللازمة لكفالة حضوره أثناء الملاحقات الجنائية أو إجراءات التقديم أو التسليم.

وأكدت الفقرة الـ16 على عدم جواز أي دولة طرف، أن تطرد أو تبعد أو أن تسلم أي شخص إلى أي دولة أخرى، إذا كانت هناك أسباب وجيهة تدعو إلى الاعتقاد بأن هذا الشخص سيقع ضحية للاختفاء القسري. وحددت الفقرة الـ17 أنه لا يجوز حبس أحد في مكان مجهول، ودون الإخلال بالالتزامات الدولية الأخرى للدولة الطرف في مجال الحرمان من الحرية، يتعين على كل دولة طرف، في إطار تشريعاتها، القيام بما يلي:

  • تحديد الشروط التي تجيز إصدار أوامر الحرمان من الحرية.
  • تعيين السلطات المؤهلة لإصدار أوامر الحرمان من الحرية.
  • ضمان عدم إيداع الشخص الذي يحرم من حريته، إلا في مكان معترف به رسميًا وخاضع للمراقبة.
  • ضمان حصول كل شخص يُحرم من حريته على إذن للاتصال بأسرته أو محاميه أو أي شخص آخر يختاره، وتلقي زيارتهم، رهنًا فقط بمراعاة الشروط المنصوص عليها في القانون، وضمان حصول الأجنبي على إذن للاتصال بالسلطات القنصلية لدى بلده وفقًا للقانون الدولي الواجب التطبيق.
  • ضمان سبل وصول كل سلطة ومؤسسة مختصة ومؤهلة بموجب القانون، إلى أماكن الاحتجاز، وذلك، عند الضرورة، بإذن مسبق من سلطة قضائية.
  • ضمان حق كل شخص يحرم من حريته، وفي حالة الاشتباه في وقوع اختفاء قسري، حيث يصبح الشخص المحروم من حريته غير قادر على ممارسة هذا الحق بنفسه؛ حق كل شخص له مصلحة مشروعة، كأقارب الشخص المحروم من حريته أو ممثليهم أو محاميهم، في جميع الظروف، في الطعن أمام محكمة تبت في أقرب وقت في مشروعية حرمانه من حريته، وتأمر بإطلاق سراحه إذا تبين أن حرمانه من حريته غير مشروع.

وتجدر الإشارة إلى اشتمال الحق في الجبر المشار إليه في هذه الاتفاقية، الأضرار المادية والمعنوية، وعند الاقتضاء، طرائق أخرى للجبر من قبيل: رد الحقوق وإعادة التأهيل والترضية، بما في ذلك رد الاعتبار لكرامة الشخص وسمعته، وضماناتٌ بعدم التكرار.

وتقول الفقرة 30 بالجواز لأقارب الشخص المختفي أو ممثليهم القانونيين، أو محاميهم أو أي شخص مفوض من قبلهم، وكذلك لأي شخص آخر له مصلحة مشروعة، أن يقدموا، بصفة عاجلة، طلبًا من أجل البحث عن شخص مختف والعثور عليه.

تصاعدت جريمة الإخفاء القسري عربيًا منذ فشل التحول الديمقراطي وإحباط الثورات، انطلاقًا من حجة الإرهاب وغيرها من الحجج العسكرتارية

هذا إذن السياق القانوني الذي يتوجب التعامل به مع جريمة بحجم الإخفاء القسري، خاصة أن هذه الجريمة في تصاعد مشهود عربيًا منذ فشل التحول الديمقراطي، تبعًا لإحباط ومحاصرة الربيع العربي، سواء بحجة الإرهاب أو غيره من الحجج العسكرتارية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاختفاء القسري "للورد الي فتح في جناين مصر"!

الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان