04-أغسطس-2018

هناك اتهامات للسلطات الروسية بمقتل الصحافيين الثلاثة (Getty)

يتعرض الصحافيون الروس إلى انتهاكات واسعة، ومخاطر حقيقية على حياتهم بسبب القبضة الأمنية الصارمة في البلاد. وقد قتل ثلاثة صحفيين في أفريقيا الوسطى الأسبوع الماضي، وسط اتهامات للسلطات الروسية بالتورط في قتلهم. ويكشف هذا التقرير المترجم من صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أنهم كانوا يعدون وثائقيًا عن ميليشيات تابعة للكرملين في المنطقة. 


لقي ثلاثة مواطنين روس، كانوا يعملون على صناعة فيلم وثائقي عن مرتزقة مقربين من الكرملين، مصرعهم نتيجة إطلاق الرصاص عليهم  في جمهورية إفريقيا الوسطى هذا الأسبوع. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على المخاطر التي يصرّ الصحفيون الروس على خوضها، بالرغم  من ارتفاع عدد الصحفيين الذين يلقون حتفهم أثناء أدائهم لعملهم.

 قُتل الصحفيون الروس في أفريقيا الوسطى بالرصاص في كمينٍ، حسبما نقلت وكالات الأنباء عن مسؤولين محليين

وقد قُتل الصحفيون الثلاثة بالرصاص في كمينٍ، بينما كانوا يتنقلون داخل البلد التي مزقتها الحرب، حسبما نقلت وكالات الأنباء عن مسؤولين محليين. وقالت الجهة الإعلامية التي كانوا يعملون معها إنَّهم كانوا يحققون مع عسكريين روس يعقدون الصفقات في جمهورية إفريقيا الوسطى. وينظر رئيس الجمهورية، فوستين أرشانج تواديرا، إلى روسيا على أنها بلد يمده بالسلاح والتدريب العسكري في خِضم حرب أهلية دامية. ومن غير الواضح مَنْ الذي قتلهم.

وكان الرجال الثلاثة، أورخان جمال وكيريل رادتشنكو وألكسندر راتسورغييف، من بين الروس الذين استمروا في إعداد تقارير مستقلة، على الرغم من حملة القمع التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حرية الصحافة، والعنف الذي يُقترف في حق الصحفيين. وفي الأسابيع الأخيرة، قُتل صحفيان روسيان آخران في ظروف غامضة بمدينة نيزني نوفغورود الروسية.

وقد موَّل ميخائيل خودوركوفسكي، مليونير النفط الروسي السابق والمنفي من روسيا، هذا الفيلم الوثائقي حول المرتزقة، وقد قال إنَّ تمويل هذا الفيلم هو جزء من عدة ملايين من الدولارات يقدمها سنويًا لوسائل الإعلام الروسية.

اقرأ/ي أيضًا: منشقان عن نظام بوتين .. يشغلان صحافة العالم

وفي مقابلة أجراها يوم الأربعاء 1 آب/أغسطس، قال خودوركوفسكي إنَّه عازم على معرفة مَنْ يقف وراء مقتل الصحفيين الثلاثة، وإنَّه لا يزال من المبكر إلقاء اللوم على الكرملين أو أي جهة أخرى. وأضاف أنَّه سيزيد في المستقبل من مشاركته في تقدير المخاطر التي تواجه وسائل الإعلام والإعلاميين الذين يموِّل أعمالهم، وأنَّه لن يتوقف عن تمويل الصحافة الاستقصائية.

وقال خودوركوفسكي أثناء اتصالٍ هاتفي أجراه من لندن: "إنَّها واحدة من الطرق القليلة التي باستطاعتنا أن نؤثر من خلالها على الوضع في البلاد حاليًا". مبينًا أنه "حتى عندما تكتب وسائل إعلام صغيرة عن شيء ما، وتحوز انتباه ولو شريحة ضيقة من الجمهور، يُمكن أن تصبح السلطات أكثر حساسية، وأن تشعر بخطرٍ أكبر، وأن تخفف من سطوتها".

ووثَّق الصحفيون الروس في السنوات الأخيرة أعمال "مزرعة ترول (المتصيد)" في سانت بطرسبرغ التي حاولت التأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، والقوات الروسية في أوكرانيا، والمرتزقة في سوريا، وعدد من الأمثلة الأخرى عن الفساد والظلم والتعسف في الداخل الروسي. وفي الشهر الماضي، اعتُقل ستة من حراس السجون بعد أن نشرت صحيفة نوفيا جازيتا المستقلة مقطع فيديو لأعمال التعذيب التي تحدث داخل أحد السجون الروسية. ووفقًا للجنة حماية الصحفيين، فقد قُتِل ما لا يقل عن 28 صحفيًا في روسيا منذ عام 2000.

ويوم الأربعاء، قالت وزارة الخارجية الروسية، ووسائل الإعلام الموالية للكرملين، إنَّ الصحفيين الذين قُتلوا هذا الأسبوع ربما لاقوا حتفهم بالخطأ. ونقلت وكالة أنباء ريا نوفوستي عن خبير روسي في الشؤون الإفريقية قوله إنَّ الصحفيين لقوا مصرعهم في "حادث سرقة اعتيادي وسط الصراع الذي تشهده البلاد بأكملها". وتكهنت كومسومولسكايا برافدا، أكبر صحيفة نصفية في روسيا، بأنَّ وكالات الاستخبارات الغربية قد تكون هي من قتلتهم لكي تنال من المصالح الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتشوِّه صورتها.

وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا إنَّ المسؤولين المحليين ذكروا أنَّ الصحفيين تجاهلوا التحذيرات التي تُعلمهم بدخولهم إلى منطقة خطيرة.

وقالت زاخاروفا في منشورٍ على موقع فيسبوك: "لا يزال العمل الذي كانوا يقومون به في جمهورية إفريقيا الوسطى، والأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها، والمهام التي كانوا يقومون بها، مثارًا لأسئلة لم تُحسم إجاباتها بعد". مضيفة أنَّ الصحفيين كانوا قد دخلوا البلاد بواسطة تأشيرة سفر سياحية -دون الحصول على الاعتماد المناسب- وأنَّهم تقاعسوا في طلب المشورة الأمنية من وزارة الخارجية الروسية قبل قيامهم بالرحلة.

وقال أندريه كونياكن، الذي يعمل محررًا في مركز إدارة التحقيقات، وهو مركز إخباري تابع لخودوركوفسكي وكان يعمل مع صانعي الأفلام الثلاثة، لأسوشييتد برس، إنَّ الصحفيين استخدموا تأشيرة السفر السياحية حتى يتمكنوا من العمل بسرية، وإنَّه يشكُّ في أنَّهم تعرضوا لحادثة سرقة.

وأخبر أسوشييتد برس قائلًا إنَّ "الجريمة نُفِّذت بأسلوب لا شكَّ في أنَّه من تنفيذ جهة معينة، فإذا كان بإمكان اللصوص سرقة كلِّ ما لديهم، لماذا يقتلونهم إذن"؟

وكان الصحفيون الثلاثة قد وصلوا إلى العاصمة بانغي صباح يوم الأحد، وفقًا لمكتب إدارة التحقيقات. وفي يوم الأحد، حاولوا دون جدوى الدخول إلى قاعدة عسكرية حيث كانوا يعتقدون أنَّ المرتزقة الروس يدربون جيش البلاد. ويوم الاثنين، قالت الوسيلة الإعلامية إنَّ الصحفيين انطلقوا إلى مدينة بامباري في رحلة يتوجب عليهم أثناءها أن يقطعوا 230 ميلًا (ما يُقارب 370 كيلومترًا)، على أمل ترتيب اتصالات مع الحكومة، أو زيارة أحد مناجم الذهب.

ويبدو أنَّ الصحفيين قد قُتلوا أثناء تلك الرحلة، ولكن في طريق يقع شمال المسار الذي كان يُتوقع أن يسلكوه. وقد نجا سائقهم، حسبما أفادت تقارير وكالات الأنباء.

عانت جمهورية إفريقيا الوسطى من صراع استمرَّ لأكثر من عقدين من الزمن، وقد اتخذ هذا الصراع في الأعوام الأخيرة الماضية طابعًا دينيًا صريحًا. ففي عام 2013، أطاحت ميليشيا السيليكا المقاتلة بالرئيس فرانسوا بوزيزيه، الذي شغل منصب الرئيس حينها، وخاضت منذ ذلك الحين معركة مع ميليشيا "أنتي بالاكا" المسيحية. وقد ارتكب كلا الطرفين أعمالًا وحشيةً.

اقرأ/ي أيضًا: أليكسي نافالني.. معارض شاب يهدد عرش بوتين

واستغلت روسيا، وسط هذه المذبحة القائمة، الفرصة لتوسيع نفوذها في الدول الإفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى. وقالت وزارة الخارجية الروسية في شهر آذار/مارس إنَّ موسكو كانت تعمل مع جمهورية إفريقيا الوسطى الغنية بالماس والذهب، من أجل دراسة "تنمية مجال الموارد الطبيعية في إفريقيا الوسطى الذي سيعود بمنافع متبادلة على كلا البلدين". وقد تحصَّلت روسيا كذلك على موافقة من الأمم المتحدة لإرسال ذخائر وأسلحة صغيرة للحكومة، وتزويدها بخمسة مدربين عسكريين، و170 موجِّه مدني.

استغلت روسيا، المذبحة القائمة في أفريقيا الوسطى، الفرصة لتوسيع نفوذها في الدول الإفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى

وقال مركز إدارة التحقيقات إنَّ الصحفيين كانوا يحققون في أمر المرتزقة الذين تُشرف عليهم مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة (وكالة تعاقد عسكرية خاصة) مرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريجوزين، المورِد الرئيسي للطعام في روسيا، والمقرب من بوتين. وقد أفادت وسائل إعلامٍ روسية بأنَّ أعمال فاغنر تنشط في سوريا كذلك، كما وجه له المحامي الخاص روبرت مولر اتهامات بالتورط في تدخل "مزرعة ترول" بسانت بطرسبرع في الانتخابات الأمريكية عام 2016.

وقال خودوركوفسكي، موضحًا سبب منحه الضوء الأخضر لإعداد الفيلم الوثائقي: "توصلت في النهاية إلى أنَّ الوضع الذي نحن فيه، فيما يتعلق بهذا النوع من كيانات المرتزقة التي تفتقر إلى الشفافية، أكثر خطورة عما هو بالنسبة للجميع". وتابع: "يُمكن أن يُسْتَغل هؤلاء المرتزقة مستقبلًا للتعامل مع أمور داخل روسيا عن طريق أيادٍ غير حكومية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مقبرة جماعية مجهولة تكشف حقائق مرعبة عن روسيا ستالين

استبعاد نافالني من رئاسيات روسيا.. المعارض الوحيد في ديمقراطية زائفة