16-يونيو-2017

قد يمثل نافالني تهديدًا حقيقيًا لبوتين مع تزايد شعبيته في الشارع الروسي (فاسيلي شابوشنيكوف/Getty)

ربما تكون المرة الأولى من نوعها التي تشتد فيها وتيرة المواجهة أثناء الاحتفال بـ"عيد روسيا السنوي" بين السلطات الروسية وعلى رأسها فلاديمير بوتين (65 عامًا)، والمعارضة التي يتزعمها المعارض الروسي البارز، أليكسي نافالني (41 عامًا)، إذ شهدت عشرات المدن الروسية احتجاجات واسعة رُفعت فيها شعارات مكافحة الفساد، وسرعان ما تحولت إلى مواجهاتٍ مباشرة مع رجال الأمن أسفرت عن اعتقال مئات الأشخاص، بينهم غالبية رموز المعارضة.

ورغم أن المعارضة سعت للحصول على ترخيص لتلك التظاهرة التي جمعت أغلب المعارضين الروس تنديدًا بـ"الفساد الحكومي المستشري"، إلا أنّ السلطات الروسية واجهت التظاهرات بكثير تضييقات قبيل انطلاقها، ثم بعد انطلاقها، بدايةً من إغلاق الطرق إلى الساحات المخصصة لها، مرورًا بتصريح النظام بتعامله "الصارم" مع التظاهرات، نهاية بالتعامل الصارم بالفعل مع التظاهرات.

يزعم بوتين أن روسيا ستقف إلى جانب السلام ومع من يرفض الحرب، رغم أنه يُساهم بقوة في إشعال فتيل حربٍ ضارية في سوريا

ولم تكن تلك التظاهرات الأولى التي تشهدها روسيا هذا العام، فبشكل عام زادت وتيرة التظاهرات ضد السلطات الروسية منذ بداية الفترة الرئاسية الثالثة لبوتين.

حُكم بوتين "الأبدي"

على مقربة من تظاهرات المعارضين يجلس الرجل المخابراتي العتيد مُسترخيًا، يعزف بعض الموسيقى أو يُمارس إحدى هواياته الأخرى، وهو غير مكترث كثيرًا بهتافات المعارضين التي يرى فيها "صراخ أطفال" كما قال سابقًا. هكذا هو الحال إذن مع بوتين، أو ما يسعى هو وإدارته إلى تصويره عنه.

اقرأ/ي أيضًا: منشقان عن نظام بوتين.. يشغلان صحافة العالم

وكادت المعارضة أن تيأس من بوتين الذي أثبت قدرته على اللعب بكل الأوراق للحفاظ على سلطته؛ فخرج عديد المتظاهرين إلى شوارع العاصمة الروسية موسكو مطالبين بإجراء انتخابات مُبكرة "نزيهة"، لوضع حد لحكم بوتين "الأبدي"، بعتبيرهم. وكما المعتاد أيّد الغرب تلك التظاهرات ضد بوتين الذي يُمثل له "مصدر إزعاج" حقيقي.

في المقابل يزعم بوتين أن روسيا "ستقف على الدوام إلى جانب السلام، ومع من يختار طريق الشراكة المتكافئة، ومن يرفض الحرب كظاهرة مناهضة لحياة الإنسان وطبيعته"، على حد تعبيره، رغم أنه يُساهم في إشعال صراع مُسلّح في سوريا، لا يُكلفه فقط مئات ملايين الدولارات، وإنما يُكلف العالم أيضًا آلاف القتلى، وملايين اللاجئين. 

سوريا وهناك أيضًا القرم، صراعان، وإن أثبتا قدمي روسيا في العالم وأكسباها حضورًا قويًا مفروضًا، إلا أنهما كلفاها كثيرًا، وهو ما ينعكس أثره بوضوح على الداخل الروسي الذي يُطالب فيه المعارضون برحيل "اللص الماكر" كما يصفونه.

أليكسي نافالني.. هل يُمثل تهديدًا لبوتين؟

في عام 2014، أصدرت محكمة روسية حكمًا يقضي بالسجن ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ، وغرامة حوالي 76 ألف دولار، بحق أليكسي نافالني المدون والسياسي الروسي المعارض، بعد اتهامه بالاختلاس، وهي تهمة وصفها كثيرون بـ"الملفقة"، بسبب دعوته لتنظيم احتجاجات في قرابة 100 مدينة روسية.

وكانت تظاهرات قد خرجت في وقت سابق في شوارع موسكو احتجاجًا على قانون فرض الضرائب على العمال الذين لا يعملون بعقود دائمة ولا بدوام كامل، إذ يقضي المرسوم الجديد بفرض ضرائب على أولئك الذين يعملون أقل من 183 يومًا في السنة، بدفع حوالي 250 دولارًا للحكومة كتعويض عن الضرائب المفقودة، الأمر الذي اعتبره هؤلاء استغلالًا وهدرًا لحقوقهم الشخصية. مُباشرة أشارت أصابع الدولة إلى أليكسي نافالني، كمحرك ومنظم لتلك التظاهرات. 

وبالتزامن مع مرور 17 عامًا على تولي بوتين حكم روسيا، خرجت تظاهرات أُخرى في آذار/مارس الماضي، فيما قُدّر عدد المتظاهرين بحوالي 90 ألفًا، طالبوا رئيس الوزراء ديمتري ميدفيدف بالاستقالة على خلفية التقرير الذي نشره مركز مكافحة الفساد الذي يديره أليكسي نافالني، حول تضخم ممتلكات بعض رجال الحكومة، داعيًا إلى خروج تظاهرات احتجاجية ضد هذا "الفساد". 

قد لا يشعر بوتين بأي تهديد من التنديدات الغربية، لكن ربما عليه أن يحذر من أليكسي نافالني بسبب شعبيته المتزايدة في الشارع الروسي

اعتقل أليكسي نافالني في نفس يوم التظاهرات بالقرب من منزله، حتى قبل بدء الاحتجاجات، وسُجن 15 يومًا، ووجهت إليه تهمة "بث الفتنة والتخطيط لأعمال استفزازية"، وهو ما أثار غضب مؤيديه في الشارع الروسي الذين واصلوا الاحتجاج بعد اعتقاله.

اقرأ/ي أيضًا: تكميم الأفواه والقمع في شوارع موسكو

في تلك التظاهرات وقعت اشتباكات بدأتها قوات الأمن ضد المتظاهرين، إذ ضربت الأولى قنابل الغاز المسيل للدموع، واشتبك بالأيدي مع المتظاهرين، واعتقلت منهم كثير، على رأسهم أغلب رموز المعارضة. ومع ذلك ظلت الأعين مُعلقة على جديد أخبار "أليكسي الحر"، كما كانوا يهتفون له في التظاهرات.

التنديدات الغربية بالتعامل الأمني الشديد مع المعارضة لا يبدو أنها تُثني بوتين أو تُشعره بأي تهديد، ربما ليس على قدر ما يُمثله أليكسي نافالني من تهديد حقيقي على النظام الحاكم في روسيا عمومًا، وعلى بوتين بشخصه، وذلك بسبب الشعبية المتزايدة لأليكسي نافالني في الشارع الروسي، علمًا بأنه صرّح بنيته الترشح لانتخابات 2018.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تحولت مكاسب روسيا في سوريا وأوكرانيا لخسائر؟

أين ينتصر الشعبويون في العالم؟.. ولماذا؟