20-فبراير-2017

صورة مركبة للمنشقين وبوتين

تكثر المقالات الصحافية منذ أيام حول قضية مثيرة للجدل، بعد إعلان زوجين نائبين في البرلمان الروسي، انشقاقهما عن نظام بوتين وتقديمهما اللجوء السياسي في أوكرانيا. خصوصًا أن الحديث عن "معلومات" خطيرة قد يدلي بها هذان السياسيان، قد تمسّ مباشرة بمصالح الكرملين وتفضح أسراره الخاصة. إذ إنه قبل أشهرٍ قليلة مضت، كان دينيس فوروننكوف وماريا ماكساكوفا من ألمع النجوم في سماء موسكو السياسية، حيث كانا يحاولان إصلاح النظام من الداخل، لكنهما كانا جزءًا منه. كان الثنائي يستقلان سياراتٍ فارهة ويتناولان الطعام مع نخبة الكرملين في مطاعم باهظة وكانا يقضيان عطلاتهما في "باريس" و"كان". كان الاثنان عضوين بالبرلمان الروسي، الدوما. فوروننكوف عقيد بالجيش الروسي في وقتٍ سابق، وماكساكوفا مغنية بأوبرا مارينسكي. عاش الثنائي حياةً جيدة في روسيا بوتين، إلى أن لفظهما النظام.

تكثر المقالات حول قضية مثيرة للجدل، بعد إعلان زوجين نائبين في البرلمان الروسي، انشقاقهما عن نظام بوتين وتقديمهما اللجوء السياسي في أوكرانيا

الآن هما منشقان يطاردهما جهاز الأمن الاتحادي الروسي، المعروف اختصارًا باسم FSB، بعد لجوئهما إلى أوكرانيا، حسب تقريرٍ نشره موقع "ذا ديلي بيست" الإخباري الأمريكي، وهما يقولان أنهما مستعدان للبوح بخبايا نظام بوتين. وفي الوقت الحالي، على الأقل، يقول الزوجان إنهما لا يعلمان بشأن تعاملات روسيا مع دونالد ترامب أو معاونيه، حتى إذا كان يمكن أن تقود المعلومات التي يقدمانها إلى الأوكرانيين على نحوٍ غير مباشر إلى اكتشاف المزيد بشأن الأسئلة التي تحيط بالرئيس الأمريكي الجديد وفريقه واتصالاتهم بالمخابرات الروسية.

"ينبغي أن يدرك الأمريكيون أن بوتين ومن معه يعتقدون أنه يجعل الكوكب يدور بقدميه"، مثل كرة قدم، صرح فوروننكوف في مقابلةٍ حصرية للموقع الأمريكي. وأضاف: "إن القوات السيبرانية لجهاز الأمن الاتحادي قوية عالميًا. إنهم الآن لا يكتفون بالاستماع إليك (لقد سمعوا وسجلوا جميع مكالماتي الهاتفية لمدة ثماني سنوات). إنهم أيضًا يهاجمون دولٍ أخرى".

أقرأ/ي أيضًا: "روسيا اليوم".. صناعة الوهم البوتيني

يقول فوروننكوف إنه وزوجته لم يكن لديهما خيار سوى الفرار من روسيا في أواخر العام الماضي: "لهزيمة مخططات جهاز الأمن الاتحادي"، والذي بدأ في جمع معلوماتٍ عنهما تتعلق بعددٍ من التهم المزعومة المرتبطة بصفقةٍ عقارية مثيرة للجدل. إحدى الاستراتيجيات المفضلة لإسكات المشتبه في إثارتهم للشغب هو اتهامهم بالفساد في نظامٍ يعج به. ولم يوقف أحد النائبين بالدوما عندما جمعا متعلقاتهما وعبرا الحدود في تشرين الأول/أكتوبر 2016، قبل أن تسقط حصانتهما البرلمانية رسميًا في أوائل كانون الأول/ديسمبر. لكنهما لم يذهبا إلى ألمانيا، البلد التي تحمل ماساكوفا جنسيتها إلى جانب الروسية، وإنما إلى أوكرانيا، للتعاون مع الحكومة التي يسميها الكثير في الكرملين "الطغمة العسكرية" أو "دمى أوباما".

جالسًا في ردهة فندق حياة في قلب كييف، تحدث فوروننكوف بانفعالٍ عاطفي بينما تفقد الرسائل على هاتفه المحمول باستمرار. "عرض مجموعة من المجرمين بجهاز الأمن الاتحادي السماح لي بدفع 3 ملايين دولار كرشوة مقابل إغلاق القضية التي لفقوها ضدي"، قال فوروننكوف، الذي كان محددًا للغاية بشأن الرجل الذي يقود الحملة ضده: الجنرال بجهاز الأمن الاتحادي أوليج فيوكتيستوف.

أصر النائب السابق على أنه ليس عدوًا لروسيا، وأنه يحب بلاده، لكنه يرغب في فضح المتورطين في ممارساتٍ غير قانونية في المحكمة. بعد أن "سرقت" الحكومة الروسية شركة يوكوس للنفط عام 2003 وسجنت الرجل الذي أسسها، ميخائيل خودوركوفسكي، "أعطى بوتين فريق الجنرال فيوكتيستوف بالكامل ضوءًا أخضر لسرقة وملاحقة رجال الأعمال"، صرح فوروننكوف لـ ذا ديلي بيست. زعم فوروننكوف أنه في عام 2014 استولى جهاز الأمن الاتحادي على شركات وسجن آلاف الأشخاص على خلفية جرائم اقتصادية مزعومة، وهو المصير الذي رأى أنه كان ينتظره. "تصدر نسبة 0.5% فقط من الأحكام القضائية الروسية بالبراءة. حتى ستالين كانت تلك النسبة تبلغ في عهده 20%. يبدو نظام بوتين أقرب إلى النازيين"، قال فوروننكوف.

 يؤكد فورو أنه ليس عدوًا لروسيا، وأنه يحب بلاده، لكنه يرغب في فضح المتورطين في ممارساتٍ غير قانونية في المحكمة

وبينما ينعت المسؤولون الروس الآن فوروننكوف بالخائن، يجتمع النائب البرلماني السابق مع الإدارة الرئاسية الأوكرانية والمدعين للاستعداد للشهادة في قضية الخيانة ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في أوائل آذار/مارس. "دعا يانوكوفيتش الكرملين إلى إرسال الجيش وقتل الشعب الأوكراني. إنه مجرم وإذا دعم بوتين يانوكوفيتش فأنا لن أدعم بوتين"، على ما أعلن فوروننكوف. لن يكون الرئيس السابق في قاعة المحكمة، حيث يعيش في المنفى في روسيا. من المتوقع أن تلقي جلسات الاستماع الضوء على بعض أنشطة معاونيه، بما في ذلك المستشار السياسي الأمريكي بول مانافورت، والذي كان، حتى استقالته في الصيف الماضي، مدير حملة دونالد ترامب. لكن، مجددًا، يقول فوروننكوف إنه لا يعلم شيئًا بشأن مانافورت.

في تلك الأثناء، جعلت الأنباء -بأن السلطات الأوكرانية منحت فوروننكوف الجنسية- الكثيرين في أوكرانيا يتساءلون عن نوع الصفقة التي عقدها المنشق مع قيادة البلاد. "أريد أن أعلم لماذا لم تحاكم سلطاتنا فوروننكوف"، صرحت الصحفية الأوكرانية أناستاسيا ماجازوفا للموقع الأمريكي بغضبٍ واضح. كعضوٍ في البرلمان الروسي، صوت فوروننكوف لصالح ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، أشارت ماجازوفا، وأشاد بنوفوروسيا، وهي الدولة الانفصالية في شرق أوكرانيا، على موقع "تويتر".

لقد كان منح فوروننكوف وماساكوفا اللجوء "قرارًا سياسيًا"، صرح مصطفى نعيم، وهو نائب بالبرلمان الأوكراني، لموقع "ذا ديلي بيست". يعتبر فوروننكوف مكسبًا كبيرًا في محاكمة يانوكوفيتش، نائبٌ برلماني روسي سابق مستعد للشهادة ضد الكرملين. في تلك الأثناء، نددت موسكو، اقتداءً بتقاليد جهازي NKVD وKGB التي بدأها فلاديمير لينين منذ 100 عام، بفوروننكوف وماساكوفا باعتبارهما "أعداءً للشعب".

أقرأ/ي أيضًا: بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس

وصف النائب الروسي فيتالي ميلونوف ماساكوفا بأنها "عاهرةٌ سياسية". عارضت عضوة البرلمان التي كانت مغنية بالأوبرا بشدة القانون المناهض للمثليين الذي قدمه ميلونوف ودافعت عن حقوق المثليين والمتحولين جنسيًا. كما كانت ماساكوفا أيضًا عضوة الدوما الوحيدة التي لم تصوت لصالح القانون الذي منع الأسر الأمريكية من تبني أيتام روس.

"إن مجرد كتابة منشورات ناقدة على الشبكات الاجتماعية يصبح خطيرًا، لكن كلًا من فوروننكوف وماساكوفا، وهما رمزان لامعان وسط النخبة السياسية الروسية، انتقدا سياساتٍ بعينها حتى لفظهما النظام"، قالت أولجا كريشتانوفسكايا، صديقة ماساكوفا والباحثة في الشؤون الروسية.

لكن الثنائي بديا متآلفين للغاية مع كبار مسؤولي الكرملين. قبل وقتٍ ليس بطويل، كان فوروننكوف يصافح أيديولوجيا سياسة روسيا الكبرى التي يتبناها بوتين فلاديسلاف سوركوف؛ كما التقط الثنائي صورة مع سيرجي ناريشكن، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي. هل كانا عميلين مزدوجين، تساءل البعض في كييف، أُرسلا للقيام بدورٍ أكثر تعقيدًا؟ وحتى إذا استطاع الأوكرانيون الثقة بهما، هل يستطيعان الثقة بالأوكرانيين؟. "ليس هناك ضمانة بأن تمتنع سلطاتنا عن تسليم الثنائي إلى روسيا في صفقةٍ ما أو مقابل سجناء؛ لكن لسببٍ ما يثق فوروننكوف بأنه آمن في أوكرانيا"، صرحت إكاترنا سيرجاتسكوفا، وهي مقدمة برامج بإحدى القنوات المستقلة، لموقع ذا ديلي بيست. ومن جانبه، يقول فوروننكوف إنه لا يعتقد أن السلطات الأوكرانية سوف تعيده وزوجته إلى روسيا. "سوف يلوث هذا سمعة أوكرانيا الدولية"، على ما يقول.

ترجمة بتصرف. لقراءة المقال الأصلي انقر هنا.

اقرأ/ي أيضًا:

أنجيلا ميركل.. هدف روسيا القادم

الجيش الروسي يكشف عن خططه في التسلح لعام 2017