24-نوفمبر-2017

قبيل مؤتمر "الرياض 2" أعلنت قيادات في الهيئة العليا السورية للمفاوضات استقالتها (رويترز)

رغم تأكيد مسودة البيان الختامي لمؤتمر الرياض للمعارضة السورية، على عدم وجود أي دور لرئيس النظام السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية التي من المتوقع أن تفضي لحل سياسي ينهي الأزمة السياسية في البلاد؛ إلا أنّ ملامح انقسام يُرجح أن تواجهه المعارضة السورية، ممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات، بعد موجة الاستقالات التي عصفت بها الثلاثاء الماضي، والتي استبقت اللقاء الثلاثي بين رؤساء الدول الضامنة لاجتماعات أستانا في مدينة سوتشي الروسية.

قبيل مؤتمر "الرياض 2" للمعارضة السورية، أعلنت قيادات في الهيئة العليا السورية للمفاوضات استقالتها، ما يضع الرياض في مأزق

استقالات متتالية في الهيئة العليا للمفاوضات

وقبل يوم واحد من التوجه للعاصمة السعودية الرياض، لحضور الجولة الثانية من الاجتماعات التي يُفترض بها أن تفضي لوفد موحد يمثل المعارضة السورية في اجتماعاتها التفاوضية مع ممثلي النظام السوري برعاية الدول الضامنة للاجتماع؛ أعلن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، ورئيس الوزراء الأسبق المنشق عن النظام السوري، رياض حجاب، استقالته من منصبه، ألحقه بها إعلان شخصيات عديدة استقالاتها من بينها الناطق الرسمي السابق باسم الهيئة سالم المسلط، والناطق الحالي رياض نعسان أغا، وعضو الائتلاف الوطني سهير الأتاسي، كما أعلن جورج صبرا رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق مقاطعته مؤتمر الرياض، بالإضافة لكبير مفاوضي وفد جنيف محمد صبرا.

اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. وحدة المعارضة وبدعة تسريبات الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

غير أن الاستقالات المتتالية التي جاءت بمثابة الاحتجاج على الدور السلبي لرئيس منصة موسكو قدري جميل لم تتمكن من التأثير على جدول أعمال المؤتمر الذي عقد في موعده المحدد. وقاطع قدري جميل مؤتمر الرياض على اعتبار أن مسودة البيان الختامي تُعد "خروجًا عن نص قرار مجلس الأمن 2254". ويسود انقسام حاد بين أوساط المعارضة السورية، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الائتلاف السوري المعارض، والهيئة العليا للمفاوضات، على أن رحيل الأسد مطلب أساسي للوصول لأي حل سياسي، فإن قدري جميل المدعوم من موسكو يرى أنه لا مانع من بقاء الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية.

وكان الأسد قد كلف قدري جميل مع مجموعة من الأسماء، بإعداد مسودة مشروع دستور جديد لسوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وفي عام 2012 أصبح عضوًا في مجلس الشعب التابع للنظام السوري، وعُيّن بعدها نائبًا لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية. لكن في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 أصدر الأسد مرسومًا يقضي بإقالته من منصبه بسبب "قيامه بأنشطة ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة"، ليقوم بعدها بتشكيل ما يعرف بمنصة موسكو ككيان معارض بدعم من روسيا!

مصير الأسد معلق بين الرياض وسوتشي

وبحسب ما نقلت وسائل إعلام، فإن مسودة البيان الختامي لمؤتمر "الرياض 2" أكدت على أن تكون سوريا دولة ذات "نظام حكم ديموقراطي على مبدأ اللامركزية الإدارية"، والتعهد بإعادة تشكيل وهيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية، مع التنويه على أن أي عملية سياسية لن تتحقق "دون مغادرة بشار الأسد، وزمرته، وأركانه سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالي"، والاتفاق على تشكيل وفد تفاوضي موحد في موافقه.

وكان تطور جديد استبق مؤتمر "الرياض 2" عندما نشرت وسائل إعلام روسية صورًا تظهر وصول الأسد إلى مدينة سوتشي للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووفق ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية، فإن الطرفين أعربا عن استعدادهما للبدء بعملية سياسية، والجلوس مع الراغبين على طاولة المفاوضات. وكما كان متوقعًا فقد تجاهل الطرفان الضغوط الدولية التي تطالبهما بفك الحصار عن منطقة الغوطة الشرقية المستمر منذ أكثر من خمسة أعوام.

بشار الأسد التقى بوتين بسوتشي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري (Shutterstock)
بشار الأسد التقى بوتين بسوتشي في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري (Shutterstock)

وهذه الزيارة الثانية التي يقوم بها الأسد إلى روسيا منذ اندلاع الثورة السورية في 2011. والزيارة الأولى كانت نهاية عام 2015، بعد أسابيع قليلة من إعلان روسيا تدخلها عسكريًا بشكل رسمي في سوريا نتيجة تقهقر مقاتلي الأسد، وفقدانه السيطرة على مساحات كبيرة من مناطق نفوذه، وروسيا هي الدولة الوحيدة التي قام الأسد بزيارتها منذ آذار/مارس 2011.

اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن أمريكا وحلفائها، تراجعوا بشكل كبير عن إصرارهم على رحيل الأسد كشرط لإتمام المفاوضات

وتعليقًا على الزيارة التي أجراها الأسد إلى سوتشي، اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الولايات المتحدة إلى جانب الدول التي تعارض بقاء الأسد في السلطة، تراجعوا إلى "حد كبير" عن مطلبهم برحيله عن السلطة، وفي مقابل ذلك أبدوا استعدادهم لقبول عملية انتقال سياسي تبقيه في السلطة على أقل تقدير لبعض الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: سياسات الرياض المضطربة في الشرق الأوسط.. الحالة السورية نموذجًا

هل تكون سوتشي بوابة الحل السوري؟

وبالتوازي مع بدء محادثات "الرياض 2" للاتفاق على توحيد وفد المعارضة السوري، اجتمع في مدينة سوتشي رؤساء كلٍّ من إيران وتركيا وروسيا، لبحث آخر التطورات المرتبطة بعملية الحل السياسي في سوريا. وشدد البيان الختامي للاجتماع على أن أي مفاوضات يجب أن تتم في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254، والتنويه لأهمية اجتماع سوتشي بين مختلف أطياف المعارضة السورية داخل أو خارج البلاد، دون أن يتم تحديد فترة زمنية لموعد انعقاده، على أن يكون في كانون الأول/ديسمبر المقبل.

ويبدو أن روسيا تسعى لضمان نجاح مؤتمر سوتشي بين وفود المعارضة السياسية المنقسمة فيما بينها، مع التنسيق مع السعودي لذلك. وفي هذا الصدد قالت صحيفة الشرق الأوسط السعودية، إن شخصيات معارضة سورية تابعة لمنصة الرياض، طالبت موسكو بأن يكون نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع رئيسًا للمؤتمر على اعتبار أنه "شخصية وطنية مقبولة من شريحة واسعة من المعارضين والعاملين في الدولة" بحسب الصحيفة عينها!

وكان الشرع –شغل خلال فترة حكم حافظ الأسد منصب وزير الخارجية– قد ترأس في عام 2012 مؤتمر الحوار الوطني في منتجع صحارى السياسي، وضم شخصيات سياسية معارضة من الداخل السوري، فيما رفضت المعارضة الخارجية حضور الاجتماع بالإضافة لشخصيات من داخل سوريا، ما لم تحصل على ضمانات من النظام السوري تؤكد رغبته في إجراء إصلاحات سياسية. وبعد انتهاء أعمال المؤتمر، اختفى الشرع من الساحة السياسية بشكل كامل، وتقول تقارير لصحف سورية معارضة إن الشرع موجود في دمشق تحت الإقامة الجبرية، لكن لا توجد معلومات تؤكد أو تنفي صحة هذه المعلومات.

طالبت شخصيات معارضة سورية تابعة لمنصة الرياض، بأن يكون فاروق الشرع نائب الأسد السابق، رئيسًا لمؤتمر سوتشي!

وفي كل الأحوال، فإن موسكو قد تجد نفسها في نهاية المطاف غير قادرة على إلزام الأسد بالتنحي عن السلطة، طالما أنها تصطدم بإيران التي تقدم دعمًا غير محدود على كافة الأصعد للأسد لبقائه في الحكم، حيثُ أظهرت الزيارة الأخيرة للأسد عدم رغبته بالتنحي عن السلطة، وهو ما عكسته تصريحاته التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية. واعتبرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن المقترحات الروسية قد تُبقي الأسد في السلطة لوقت محدود، إلا أنها من الممكن مقابل ذلك أن تقلص سلطاته وتمنح المعارضة دورًا أكبر في الحكومة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تستولي موسكو على حلفاء واشنطن بدءًا من السعودية؟

مؤتمر "سوتشي" لهندسة خراب سوريا باللعنة الطائفية