29-أكتوبر-2017

أصبحت السعودية بمثابة ممول للعمليات العسكرية لواشنطن في المنطقة (الأناضول)

تعطي التطورات الأخيرة في ساحة الحرب السورية، مقارنًة بالسنوات السابقة، انطباعًا بأنها تحولت لأعقد فترة تمر بها أكثر من أي وقت مضى، إذا أخذنا بعين الاعتبار المغامرة السعودية الجديدة في سوريا في سياق الإطار العام لحربها المضادة على الثورات العربية، فبعد أن كانت تحركاتها في سوريا تحت غطاء زعم دعم الثورة، التي حاربت نظيراتها في بلدان الثورات العربية الأُخرى بفجاجة؛ باتت الآن أكثر تماشيًا مع فجاجة موقفها العام من الثورات العربية، بتخليها عن أي دعم وإن كان صوريًا للمعارضة السورية، وانسياقها نحو ما ساهمت في صناعته بادئ ذي بدء من تخريب الثورة على أصحابها.

في سوريا، باتت السعودية الآن أكثر تماشيًا مع فجاجة موقفها المناهض للثورات العربية، بتخليها عن أي دعم وإن كان صوريًا للمعارضة

120 طن متفجرات لقصف دمشق

وسياسة الرياض المضطربة -ليس في سوريا فقط إنما في مختلف الخارطة العربية- لم تكن وليدة المرحلة الحالية، إنما ترجع لأعوام سابقة منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية في المدن السورية مطلع ربيع 2011، فقد كشفت قبل أيام وثيقة مسربة عن وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) إعطاء الرياض أوامر لفصائل المعارضة في آذار/مارس 2013، باستهداف قصر الرئاسة في العاصمة دمشق.

اقرأ/ي أيضًا: وداعًا للثورة.. أهلًا بتقاسم "تركة" سوريا الميتة

وتُشير الوثيقة إلى أن الهجوم الذي أمرت الرياض شنه بقذائف الهاون كان بغرض محاولة الضغط على النظام السوري، وجاءت التعليمات من نائب وزير الدفاع السعودي حاليًا سلمان بن سلطان، الذي طلب بتدمير مطار دمشق الدولي، وإشعال العاصمة بالصواريخ، حيثُ قدم سلمان 120 طنًا من المتفجرات والأسلحة للمعارضة السورية.

وبالطبع فإن النظام السوري رد بهجوم أعنف على مناطق سيطرة المعارضة بعد الهجوم الذي تعرضت له دمشق.لكن هذا الحال من الرياض كان في السابق، قبل أن يتبدّل الموقف "المعلن" للسعودية، ميلًا أكثر نحو منصتي موسكو والقاهرة، والموقف الإماراتي من سوريا، والذي ظل ضبابيًا فترة طويلة. بل إن عدة تقارير أشارت إلى جنوح الرياض نحو بقاء الأسد في الحكم، ولو لفترة انتقالية، ليتكشف بجلاء أن دعم المعارضة والثورة، لم تكن إلا مزاعم من ورائها حاجة في نفس الرياض. 

سياسة الرياض المضطربة

صحيح القول يخبرنا أن الرياض دخلت في دوامةٍ من الاضطرابات بسبب موقفها السياسي، حيثُ إن تصريحات متناقضة عن مسؤولين دبلوماسيين إزاء التطورات الأخيرة التي تشهدها الخارطة السورية، أظهرت ميل الرياض لصالح الموقف الروسي المرتبط بمقترح الحل السياسي، بعد أن اتضح غياب أي تأثير أمريكي على مفاصل القرار المرتبط بإنهاء الأزمة السورية.

وفي آب/أغسطس الماضي، ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، أن معارضين سوريين حضروا الاجتماع الذي ضم مختلف فرقاء المعارضة السياسة في الرياض، في تموز/يوليو الماضي؛ قالوا إن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، أبلغهم أن بلاده ستنسحب من الأزمة السورية، كما أكد دبلوماسي غربي أن الرياض لم تعد مهتمة بأمر سوريا.

وربما ينصبُ هذا في الحديث المُثار حاليًا حول الاتجاه لاختيار أحد المعارضين المحسوبين على منصتي القاهرة أو موسكو، لاستلام مهام المنسق العام الحالي للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، حيثُ ينقسم المشهد المعارض السوري بين فريقين، الأول يشترط مناقشة بند تنحي الأسد عن السلطة في أي مفاوضات، وهو الأمر الذي يرفضه الفريق الثاني.

لكن الرياض لا ترغب بالانسحاب كاملًا من الشأن السوري، فهي ترى أن وجودها مع تغيير معادلة حلفائها أمر ضروري، ولربما كانت الزيارة التي أجراها وزير الدولة السعودي ثامر السبهان برفقة مبعوث الرئاسة الأمريكية إلى سوريا بريت ماكغورك، إلى الرقة، تأتي في سياق إحدى هذه التحالفات الجديدة للرياض، التي قد تكشف عنها الوثائق لاحقًا، حيثُ يسيطر على المدينة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

المعروف عن الزيارة أنها جاءت في سياق "التفاهم السعودي الأمريكي حول إعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة". وبحسب وسائل إعلام سعودية، فإن الرياض ستلعب الدور الأبرز في عملية إعادة إعمار مدينة الرقة، إلى جانب أبوظبي. ولم يُفصح عن التكلفة المخصصة لهذه العملية، لكن ذلك يعطي انطباعًا أوليًا يفيد بأن الرياض ستمول إعادة بناء ما دمرته مقاتلات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وستفعله لصالح قسد، الذراع العسكرية لأكراد سوريا الذين يسعون لحكم ذاتي!

صفقات مالية في الخفاء

ولعل زيارة ثامر السبهان تؤكد في مضمونها على تبدل الموقف السعودي بشكل عام اتجاه القضايا السياسية في المنطقة العربية، مقابل استمالتها لحلفاء محليين (مثل الأكراد) لمواجهة اتساع رقعة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ويبيّن حجم الأموال المُترتب على الرياض دفعها لترامب بوضوح لا يترك مدعى للشك، أنها كانت مقابل تغيير خطابه اتجاه السعودية.

وعند عودته من قمة الرياض في أيار/مايو الماضي، أوضح ترامب أنه اشترط على السعودية دفع مئات المليارات مقابل موافقته على القيام بالزيارة، وأنه يتوجب صناعة الأشياء في الولايات المتحدة من أجل تصديرها للدول الغنية في الشرق الأوسط، مكررًا لأكثر من مرة أمام حشد من أنصاره جملة "مليارات الدولارات دُفعت"، في إشارة لحجم الاتفاقيات الموقعة مع الرياض، والتي قُدرت بما يزيد عن 400 مليار دولار.

ولم يقف حجم الأموال المدفوعة من الرياض عند الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، إنما امتدت لتقديم الإمارات والسعودية 100 مليون دولار لمشروع إيفانكا ترامب، المرتبط بتمويل مشاريع صغيرة للنساء في الدول النامية. كما أن الرياض، ولاستمالة حليف آخر إلى جانبها، قامت بإبرام صفقة مع موسكو لشراء منظومة الدفاع الجوي "إس-400" بقيمة لا تقل عن ثلاثة مليارات دولار.

وفضلًا عن ذلك، فإن تقارير تحدثت عن استعانة الرياض بوسطاء، لدفع مبالغ لواحد من فنادق ترامب في واشنطن، لممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية لتبديل موقفها من قانون جاستا الذي يجيز لعوائل ضحايا 11 أيلول/سبتمبر، رفع دعاوى قانونية ضد السعودية لمساهمتها في تمويل الهجوم الإرهابي الذي استهدف برجي التجارة العالمي وجزء من مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وفق ما تقول عديد الوثائق الغربية.

شراكات السعودية المضطربة في الشرق الأوسط

قبل أن يصل ترامب للبيت الأبيض، شن هجومًا حادًا عبر وسائل الإعلام الأمريكية خلال حملته الانتخابية، متهمًا السعودية بتمويل الإرهاب ومشاركتها في هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وفي مقابل ذلك لم تتأثر شركاته التجارية في السعودية (أكثر من 40 شركة) بتصريحاته الصحفية، فهو ما بين حزيران/يونيو 2015 وأيار/مايو 2016، قام بتأسيس ما لا يقل عن 46 شركة في مختلف الدول العالمية.

دخلت المنطقة أزمات متتالية بطلتها الرياض وأبوظبي، كحصار قطر وتزايد قمعهما للحقوق والحريات وكذا دعمهما لاستفتاء إقليم كردستان

وجاء موعد قمة الرياض بعد أربعة أشهر من استلام ترامب لمنصبه كرئيس للولايات المتحدة، بالتوازي مع ترويج وسائل الإعلام السعودية لرؤية 2030، والتي فرضت عليه أن يصبح من الدول العربية الداعمة لموقف أبوظبي الرافض لثورات الربيع العربي، حيثُ تجاهل ترامب خلال زيارته للرياض الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في دول الخليج.

اقرأ/ي أيضًا: الإمارات والسعودية على هوى إسرائيل في دعم انفصال كردستان العراق

ودخل الشرق الأوسط منذ قمة الرياض في أزمات متتالية، بدءًا من حصار الدول المضادة لثورات الربيع العربي لدولة قطر، وليس نهاية بتزايد حملة قمع الحريات التي نهجتها دول الحصار ضد المعارضين لسياستها، وكذلك اتخذت الرياض وأبوظبي موقفًا مزدوجًا من الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق مؤخرًا للانفصال عن بغداد. فهما في الوقت الذي أكدتا عبر وسائل الإعلام الرسمية، دعمهما لوحدة الأراضي العراقية، كانت زيارات دبلوماسية تعقد في الخفاء، إن كان للجنرال السعودي السابق أنور عشقي التي سافر فيها إلى كردستان لدعم الأكراد في نتائج الاستفتاء، أو التي قام بها مسؤول كردي بشكل سري لأبوظبي. وفي كلا الحالتين فإن الأكثر وضوحًا هو محاولة الرياض وأبوظبي لاستخدام الأكراد كمجموعة ضغط في المنطقة قد تساهم في كبح جموح التوسع الإيراني في المنطقة.

هل قدمت الرياض شيكًا مفتوحًا لتمويل عمليات واشنطن في المنطقة؟

وفي كل الأحوال، فإن الرياض دخلت في دوامة من الاحتمالات بعدما قررت عوائل ضحايا 11 أيلول/سبتمبر رفع دعاوى ضدها لتعويضهم بملايين الدولارات. وكانت صحيفة نيويورك بوست الأمريكية، قد كشفت عن وجود أدلة تشير إلى أن السفارة السعودية في واشنطن ربما تكون قد شاركت في تمويل تجربة سابقة تحاكي عملية خطف الطائرات التي استهدفت برجي التجارة العالمي عام 2001.

وكذلك تحدث تقرير لموقع "ميدل إيست آي" عن دور إماراتي، بعد أن طالبت مجموعة من عوائل الضحايا بإجراء المزيد من التحقيقات حول دور أبوظبي في الهجمات، وهو ما يفسر الدور الذي يلعبه السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، عبر دفعه ملايين الدولارات لمجموعات الضغط الأمريكية للتأثير على موقفها كاملًا اتجاه الرياض وأبوظبي، اللتين دخلتا في مغامرة كبيرة بالشرق الأوسط.

 وبالنظر لدور السعودية في عملية إعادة إعمار الرقة إلى جانب الإمارات، فإن إشارات استفهام تبقى معلقة على دور قسد التي أضحت قريبة من السيطرة على ثاني أكبر حقل نفطي في سوريا (التنك)، بعد أيام من سيطرتها على أكبر حقل نفطي (العمر) شرق دير الزور. ومن المتوقع أن يرافق هذه السيطرة معاركَ بين النظام السوري بالاشتراك مع حلفائه من طرف، وقسد مدعومة من واشنطن التي تقود التحالف الدولي من طرف آخر.

يبدو أن السياسات المضطربة للسعودية، ستجعل منها بمثابة ممول لعمليات واشنطن العسكرية في المنطقة لضمان رضا ترامب عنها

وبالتالي فإن الدور السعودي في الرقة لن يكون بالطبع في سبيل الحصول على النفط الذي يسعى خلفه ترامب، إنما على ما يبدو سيكون مقتصرًا على تمويل عملية إعادة الإعمار فقط، ما يعزز من أنّ دور السعودية يقتصرُ على تمويل عمليات واشنطن العسكرية في الشرق الأوسط ضد داعش في المقام الثاني، كون الرياض تبحث عن حلفاء محليين موثوقين من وجهة نظر منفردة للوقوف في وجه التمدد الإيراني في المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سياسات السعودية ضد نفسها.. انتحار على يد أمير الطيش

هكذا أنقذت السعودية حسن نصر الله