31-ديسمبر-2020

مظاهرة رافضة للقرار في برلين

منذ شهر مضى وحتى هذه اللحظة، ليس لدى السوريين في أوروبا غير حديث واحد هو قرار رفع الحظر عن إعادة السوريين إلى بلدهم، الذي اتخذه وزراء داخلية الولايات الألمانية مؤخرًا.

من أهم ما قيل عن هذا القرار أنه قرار سياسي يضمر أو يمهد لإعادة ألمانيا العلاقات، أو نوعًا ما العلاقات في المستقبل مع النظام السوري المحاصر بقرار أمريكي، نتيجة ارتكاباته الفاضحة والمرعبة بحق المعتقلين السياسيين والمعتقلين أصحاب الرأي في سوريا.

قرار ألمانيا إعادة المجرمين من اللاجئين السوريين ليس سوى استجابة لموجة الكراهية والحرب النفسية ضد السوريين خصوصًا، والجانب عمومًا

أساء القرار كما سوقته قنوات اليوتيوب العربية نفسيًا ومعنويًا للسوريين في كل مكان، فلا توجد قناة واحدة قدمت القرار كما هو بأنه يخص المحكومين بقرارات قضائية، بل قدمته خبرًا عامًا يشمل كل السوريين، وهو سعي غير أخلاقي من هذه القنوات العربية لجني المال عبر رفع عدد المشاهدات. والحقيقة ليس عدد المشاهدات وحده هو الذي ارتفع عند هذه القنوات، بل عدد الشامتين بالسوريين، والمحرضين على كراهيتهم، وهي مسألة صارت ملموسة في السنتين الأخيرتين في ألمانيا.

اقرأ/ي أيضًا: الناجون.. هل نجوا حقًا؟

استغلال جريمة شاب عشريني لغرض سياسي خارجي تؤذي أكثر من نصف مليون سوري، ولعبت وسائل اعلام المانية، مع الأسف، دورًا هامًا في هذه الموجة من الكراهية والعداء، إذ تسرعت مرارًا في اتهام سوريين بارتكاب جرائم تبيّن بعدها أنهم أشخاص انتحلوا هوية سوريين (شخص أردني انتحل شخصية سوري عبر حيازته وثيقة سفر سورية مزورة، قام بقتل مواطن ألماني بالسيف سنة 2019).

هذا القرار نفسه ليس سوى استجابة لهذه الموجة من الكراهية والحرب النفسية ضد السوريين، لا ننسى طبعًا في هذا السياق الهجمة على المسلمين والأجانب والملونين. وربما كان قرار الوزراء هذا خضوعًا لابتزاز هذا الأعلام المعادي للأجانب، خصوصًا السوريين. وإلا لماذا يدعو خبير خارجي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الالماني (وهو مرشح لرئاسة الحزب أيضًا) لترحيل السوريين بعد جريمة قتل مواطن الماني في مدينة دريسدن على يد متطرف داعشي عمره 20 عامًا محكوم بالسجن لسنتين فقط، لان هذا المهووس الداعشي يحمل الجنسية السورية. مع العلم أنه لم تعلن حيثيات الجريمة، ولا أسبابها فيما إذا كانت على خلفية دينية او نفسية. ودويتشه فيله العربية قالت إن الشاب مشتبه به في جريمة القتل. فحتى الجريمة غير ثابته بحقه.

هذا ما يدفعنا لهذا القول إنه موقف سياسي مُبيت عن سابق إصرار وترصد. ويأتي في سياق حملة روسية أسدية لإعادة اللاجئين السوريين قسرًا إلى أحضان الدكتاتورية والموت في فروع الامن والمعتقلات.

بدأت هذه الحملة بضغط روسي قبل عامين، وتوجت بمؤتمر إعادة اللاجئين في دمشق أوائل الشهر الماضي من هذا العام 2020.

هناك حملة روسية أسدية لإعادة اللاجئين السوريين قسرًا، بدأت بضغط روسي قبل عامين، وتوجت بمؤتمر إعادة اللاجئين في دمشق مؤخرًا

نحن السوريين نعرف نظام العصابة الحاكمة في سوريا أكثر مما يعرفه وزير الداخلية الالماني وحكومته. فهل بحجة السرقة سترسل اللصوص إلى سوريا؟ حسنًا! يا لها من عقوبة أن تكون عقوبة لص بائس تسليمه إلى هتلر أو ستالين أو بشار؟ فما هي عقوبة عصابات المافيا المنظمة إذًا؟ فلتهدد بإرسال كل اللصوص، بغضّ النظر عن جنسياتهم، إلى العصابة الحاكمة في دمشق وأنا أضمن لك بعودة جميع المسروقات إلى أصحابها، وأضمن لك أيضًا أن أي لص محترف سيكسر يده أو يقطعها قبل أن يفكر بسرقة بنك، أو تكسير ماكينات بنك "Sparkasse"، أو سرقة علبة سردين من سوبرماركت "REWE" أو "Netto". وأضمن لك أن ألمانيا ستتحول إلى فردوس أوروبا، بل والكرة الأرضية.

اقرأ/ي أيضًا: جدل في فرنسا: هل يعيب اللاجئ أن يسعى للحصول على الجنسية؟

وهل تكون عقوبة السرقة في ألمانيا الموت في مسالخ معتقل صيدنايا؟ أو الحرق في أفران الجثث البشرية؟ هل تعرف عدد المعتقلين الذين تم حرقهم في أفران الجثث أو تم دفنهم أحياء أو نصف أحياء قرب مدينة قطنا؟ ثم هل تعرف حجم السرقات اليومية في ألمانيا والسطو على البنوك؟ هل يوجد في أي منها سوري عربي واحد؟ ألم تقرأ يومًا عن سوري سلّم الشرطة مالًا وجده في الطريق أو الباص أو محل للتبضع؟

يشرح عقبة وهو يوتيوبر يعيش في ألمانيا أن قرار وزراء الداخلية الألمان يطال 80 شخصًا سوريًا مدانين في جرائم، أو هم بتوصيف الوزراء الألمان يشكلون خطرًا على ألمانيا. ويوضح أنه ستتم مراعاة خلفية الموقف السياسي لأي لاجئ مدان سيعاد إلى سوريا، فلن يعاد المعارضون للنظام إلى أراضيه، بل إلى مناطق قسد أو إدلب.. لكن لنفترض أن من ستجري إعادته هو معارض علماني معادٍ للنظام ولقسد؟ فإلى أي مكان من سوريا ستتم إعادته؟ ربما يتم تسليمه الى قاعدة صحراء التنف الأمريكية!

ماذا يعني هذا القرار المتسّرع؟

أولًا، إن إعادة اللصوص والمجرمين إلى سوريا، أيًا كان عددهم، يعني فتح قناة تواصل أمني أو دبلوماسي مع قوى الأمر الواقع في سوريا، وكلها بدون استثناء قوى غير شرعية (نظام بشار، الإدارة الذاتية، حكومة إدلب).

هذا يعني تكريس هذه القوى ومنحها اعترافًا خارجيًا تشتهيه وترحب به بحرارة. إنه اعتراف خارجي يحاول المفوض السامي الأمريكي في شرق الفرات ومراكز أبحاث أمريكية (معهد واشنطن خصوصًا) تأمينه للإدارة الذاتية الكردية.

ثانيًا، هو قرار مضاد لحقوق الإنسان على اعتبار أن قوى ومليشيات الامر الواقع في سوريا مسجل في حقها ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، وتصل الى درجة التعذيب والقتل في السجون مع اختلاف النسبة والدرجة والطريقة.

إن إعادة اللصوص والمجرمين إلى سوريا، أيًا كان عددهم، يعني فتح قناة تواصل أمني أو دبلوماسي مع قوى الأمر الواقع في سوريا

ثالثًا، علاوة على ذلك القرار، يشكل حالة ترهيب لكل سوري لأنه يمكن أن يكون تمهيدًا لقرارات أخرى توسع إطار المشمولين بالترحيل. والقرار بحد ذاته مبهم لناحية ذكره عبارة "الذين يشكلون خطرًا على ألمانيا"، فمن هو الذي يشكل خطرًا على المانيا؟ هل من يحمل سكينًا أو يمتلك مواد متفجرة؟ أم من يتوجه لصلاة الجمعة؟ أم الذي يتاجر بالمخدرات والنساء؟ أم من يدعو لقتال "الكفار" في سوريا أو ليبيا؟

اقرأ/ي أيضًا: سياسات الهوية.. حتى في الحروب

هل هذه العبارة قانونية او دستورية؟

ثم يوضح السيد وزير الداخلية بعد ثلاثة أسابيع قرار إعادة المجرمين بالقول إن كل من لا يحترم دستورنا غير مرغوب به في ألمانيا، وهذه عبارة بدهيه في أي بلد عربي، لكنها ربما تبدو غريبة في بلد ديمقراطي مثل ألمانيا، فالمسألة ليست في الخضوع للدستور فعليًا، ولكن في احترامه معنويًا، أي أن السيد الوزير انتقل إلى مستوى آخر من المحاسبة والعقاب وينبغي تركيب عدادات لقياس الاحترام في رأس كل لاجئ. فالمطلوب من اللاجئين احترام الدستور، لكن هل هذا مطلوب من المواطن الألماني أيضًا؟ إذا لم يحترم الدستور اثنان، الأول ألماني والثاني مهاجر فماذا نفعل؟ نوبخ الأول ونرسل الثاني إلى بشار الأسد؟

هذا التوضيح من السيد الوزير سيدفع كل سوري للحصول على الجنسية الألمانية لحماية نفسه من الموت في سجون بشار، ولا شك أن قرار استئناف إعادة المجرمين نفسه كان من بين أهدافه تحريض السوريين على الحصول على الجنسية، لكن هل يستطيع السوريين جميعًا الحصول على الجنسية الألمانية خلال سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات؟ الجواب: هذا مستحيل، فقبل عشرين عامًا لا يمكن للسوريين جميعًا هنا الحصول على الجنسية الألمانية كونهم قاربوا النصف مليون لاجئ، وهذا يعني أن كل سوري هو أمام احتمال رهيب هو أن يبقى تحت الترهيب النفسي عشرين عامًا إضافية، إلى أن يحصل على الجنسية الألمانية أو أن يحدث الانتقال الديمقراطي في سوريا، فيستطيع العودة بأمان ودون توقع الاعتقال أو التحقيق الأمني، أو الموت اغتيالًا أو تحت التعذيب بسبب رأيه السياسي.

وما يؤكد كلامنا أن أحد أهداف القرار غير المباشرة التشجيع على الحصول على الجنسية الألمانية، وهو خبر تناقلته وسائل الإعلام خلال الأسبوعين الماضيين من أن الحكومة الألمانية استطاعت استعادة ثلاث نساء داعشيات يحملن الجنسية الألمانية من الإدارة الذاتية الكردية؟ فماذا يعني هذا الأمر؟ وكيف يعقل أن ألمانيا ستعيد مجرمين إلى سوريا في حين أنها تبذل جهودًا كبيرة للحصول على داعشيات ألمانيات من سوريا؟

إذًا المسألة ليست أمنية، بل مسالة قومية تتعلق بجنسية المجرم.

اقتراح بديل عن تسليم المجرمين إلى دمشق

لا تعذب نفسك سيادة وزير الداخلية، فالحل بسيط جدًا. هل يمكن استئجار سجن في هولندا أو إسبانيا أو البرتغال أو مالطا لوضع هؤلاء السوريين المحكومين فيه؟

أو ربما ترحيلهم إلى سجن كندي أو أمريكي. ولا نتجرأ اقتراح أي سجن في أفريقيا أو آسيا خوفًا من إعادتهم إلى سوريا، فالانقلاب العسكري وارد دائمًا في أي دولة من دول آسيا أو أفريقيا.

إذا لم يحترم الدستور اثنان، الأول ألماني والثاني مهاجر فماذا نفعل؟ نُوبّخ الأول ونرسل الثاني إلى بشار الأسد؟

إذا كان الأمر على هذا النحو فاقترح على السيد وزير الداخلية الاقتراح التالي: امنح هؤلاء المجرمين الثمانين الجنسية الألمانية، ثم ضعهم في سجن ألماني أو أوروبي. هذا أفضل بألف مرة من إعادتهم إلى سوريا، ليقتلهم النظام أو ليعيد إعدادهم واستخدامهم في قتل السوريين، أو إرسالهم إلى بلد اوروبي أو عربي من جديد لأهداف شريرة.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق إلى الوطن (1).. حكايا سوريين ضاقت بهم بلاد اللجوء!

اكسبْ ثواب هؤلاء الثمانين روحًا يا سيادة الوزير، وسنقيم لك تمثالًا في دمشق الحرة في يوم ما، مهما تأخر مجيئه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

على حافة الرايخ الرابع.. هل تترنح ألمانيا نحو اليمين؟

اللجوء السوري في الإعلام الغربي.. تباين وتخوف