08-ديسمبر-2017

لاجئون سوريون في ألمانيا (Getty)

على الرغم من أن الحرب السورية لم تنته بعد، إلا أن عددًا متزايدًا من صناع السياسة الألمان يحاولون إلغاء حق اللجوء، وإرسال السوريين إلى ديارهم - ضد رغبتهم إذا لزم الأمر. المقال المترجم الآتي من الفورين بوليسي يوضح ذلك.


من المنتظر أن يناقش وزراء داخلية الولايات الألمانية المختلفة الأمر في وقتٍ لاحقٍ من هذا الأسبوع، ويصوتون على اقتراح ببدء إعادة اللاجئين السوريين قسرًا إلى بلادهم بمجرد أن ينتهي حقهم في اللجوء - بدءًا من أوائل شهر حزيران/ يونيو المقبل. وإذا وافقوا على هذا الاقتراح، فإن الأمر يعود إلى وزارة الداخلية الاتحادية لتقرير ما إذا كانت أجزاء من سوريا آمنةً للعودة أم لا. وهذا أمرٌ غير مؤكد، على الأقل في الوقت الراهن.

قرار ألمانيا المنتظر بخصوص إعادة اللاجئين السوريين، لن يستند إلى مصالح اللاجئين أنفسهم

ولكن مع قيام الرئيس السوري بشار الأسد بالقضاء على المعارضة المتبقية، وبما أن التهديد الذي تشكله الدولة الإسلامية يتلاشى، فإن ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى سوف تضطر -في وقتٍ أقرب بكثير مما كان مُتوقعًا- إلى تحديد ما إذا كانت سترسل السوريين إلى وطنهم المدمر، أو على الأقل إلى أجزاءٍ منه. ونظرًا للضغوط السياسية، ليس هناك ما يدعو إلى الافتراض بأن القرار سيستند إلى مصالح اللاجئين أنفسهم.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق إلى الوطن (1).. حكايا سوريين ضاقت بهم بلاد اللجوء!

يتبين التزام الدول بوضوح باتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، والتي تنص على أنه لا يجوز إعادة فرد إذا "كانت حياته أو حريته تتعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئةٍ اجتماعيةٍ معينة أو إلى رأي سياسي". وتُملِي المبادئ التوجيهية الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنه بمجرد منحهم حق اللجوء، لا يجوز إعادتهم قسرًا إلا عندما تتغيّر الأوضاع في بلادهم بشكلٍ جوهري ودائم، على نحوٍ يضمن حماية الأفراد المضطهدين في السابق.

وقد انتُهك هذا المعيار بصورةٍ مستمرةٍ في الواقع العملي. ففي شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1996، على سبيل المثال، أعطت تنزانيا مهلة شهر واحد إلى نصف مليون لاجئ من الهوتو الروانديين للعودة إلى ديارهم، على الرغم من أن عمليات التطهير العرقي للهوتو ما زالت مستمرة. وأعلنت كينيا، في عام 2015، أنها ستغلق مخيم داداب العملاق للاجئين وتطرد 463,000 لاجئ صومالي، ولم يتم إيقافها إلا بعد احتجاج دولي. وأعادت إيران قسرًا 410,000 لاجئ أفغاني، في حين أعادت باكستان 253,000 آخرين، في عام 2016.

هذه هي طبيعة الحال في الدول الفقيرة. إذ ينتهي المطاف بالجزء الأكبر من اللاجئين في الدول الفقيرة المجاورة للدول التي يفرون منها. وعندما يشعر اللاجئون، سواء كان ذلك صحيحًا أو لا، بأنهم يشكلون عبئًا لا يُطاَق، فإنهم معرضون لخطر الطرد، بغض النظر عن الظروف السائدة في بلادهم.

لدى ألمانيا حوالي 200 ألف طالب لجوء من أفغانستان، وحوالي 600 ألف من سوريا

لم تقدم الدول الأوروبية على أية عمليات طرد قسري جماعي حتى الآن. ولكنهم لم يواجهوا مثل هذا التدفق للاجئين الذي بدأ منذ عام 2015. مما دفعهم إلى البدء في إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم سواء بصورةٍ جزئيةٍ أو جماعية. وقد عقد الاتحاد الأوروبي مع أفغانستان اتفاقًا لقبول المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بطريقةٍ سلسةٍ وكريمةٍ ومنظمة، وإعادة توطينهم، في خريف عام 2016. وعاد بالفعل حوالي 10,000 شخص في عام 2016. ويعتبر 6,900 شخص من بينهم، قد عادوا "طواعيةً"، على الرغم من أن هذا يعني في كثير من الأحيان أن المهاجرين قد اختاروا قبول مساعدةٍ متواضعةٍ لإعادة توطينهم بدلًا من المخاطرة بالعودة القسرية.

اقرأ/ي أيضًا: أسواق نخاسة في ليبيا لبيع المهاجرين.. والثمن أقل من 400 دولار!

وعلى الرغم من أن العنف والفوضى اللذين دفعا الناس إلى الفرار من أفغانستان لم يقِل إلا في السنوات الأخيرة، إلا أن الاتحاد الأوروبي قد استند إلى مبدأ "بديل اللجوء الداخلي" الذي ينص على أنه في حين قد لا يتمكن اللاجئون من العودة إلى ديارهم الفعلية، يمكن إعادتهم إلى أماكن داخل البلد تعتبر آمنة. وتضمنت هذه الأماكن العاصمة كابول، وهي حاليًا أكثر الأماكن عنفًا في أفغانستان. وقد أبرزت التقارير الإخبارية روايات عن الأطفال العائدين إلى أماكن غريبةٍ واللاجئين الذين قُتلوا في هجماتٍ تفجيرية وما شابه ذلك. ويبدو أن "الطريق المشترك إلى الأمام"، كما يسميه الميثاق، هو ممارسةٌ هائلة في النفاق. وفي الواقع، يقال إن الطيارين الألمان قد رفضوا في أكثر من 220 مناسبة هذا العام أن يعيدوا طالبي اللجوء مرةً أخرى إلى أفغانستان.

وتعتبر سوريا هدفًا مغريًا لإعادة التوطين أكثر من أفغانستان.

تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا لديها حوالي 200 ألف طالب لجوء من أفغانستان، ولكن حوالي 600 ألف من سوريا. وعلى الرغم من أن الحرب الأهلية في أفغانستان تزداد سوءًا، إلا أنه من المرجح أن يستعيد بشار الأسد سيطرته على معظم أو حتى جميع أنحاء البلاد بعد أن شن حربًا بلا شفقة أدت إلى مقتل حوالي 400,000 إنسان. وقد لا تُحدِث التغييرات الأساسية في جميع أنحاء الدولة التي تطلبها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل العودة الآمنة على مدى جيل، ولكن الدول الأوروبية التي تسعى إلى تقليل الضغط السياسي الناجم عن الغضب إزاء اللاجئين والمهاجرين، قد تعتبر نهاية الأعمال القتالية الواسعة النطاق على أنها معيارًا جيدًا بما فيه الكفاية.

وقد حصل العديد من اللاجئين السوريين على حق اللجوء لمدة سنةٍ واحدة، والتي يمكن تجديدها عند الحاجة. ويسعى بعض وزراء داخلية المقاطعات في ألمانيا، إلى تقصير هذه الفترة إلى ستة أشهر للسماح بالترحيل اعتبارًا من حزيران/ يونيو. وسوف تبدأ عمليات الترحيل بأولئك المتهمين بارتكاب جرائم في أوروبا، وربما يبدأون بعد ذلك في ترحيل مجموعات أوسع نطاقًا، مثل ما حدث مع اللاجئين الأفغان، سيعود السوريين إلى مناطق تعتبر آمنة، أو "مناطق وقف التصعيد" مثل محافظة إدلب التي تحكمها اتفاقياتٍ هشة لوقف إطلاق النار.

هل سيكون مقبولًا إجبار العائلات التي فرت من حلب على العودة إلى وطنٍ مدمر في حين لم يعد هناك عنف؟ الجواب هو بالتأكيد لا، لأسبابٍ قانونية وأخلاقية على السواء. وكما أشار بيل فريليك، مدير حقوق اللاجئين في هيومن رايتس ووتش، إلى أن عبء الإثبات في جلسة الاستماع للحصول على صفة لاجئ يقع على عاتق طالب اللجوء، إلا أن الإعادة القسرية إلى الوطن تُحول العبء إلى الدولة المعنية. وهل تغيرت الظروف التي دفعتهم إلى الفرار بشكلٍ أساسي ومستمر؟ يأتي التهديد من نظام الأسد نفسه في سوريا. وعلى الرغم من توقف البراميل المتفجرة عن السقوط في حلب، ولكن العائدين سيتعرضون بشكلٍ واضح لخطر الاضطهاد والموت من النظام وميليشياته. ولا يمكن اعتبار أي جزء من سوريا آمنًا طالما يطمح الأسد لاستعادة السيطرة الكاملة. ويدعو تقرير صدر مؤخرًا عن معهد سياسات الهجرة إلى وضع حدٍ للعودة القسرية إلى جميع البلدان التي تشهد نزاعات.

يُعتبر الأمل الوحيد هو أن يطرأ على سير القضية شيء جديد فتنقلب الأحوال من ضراء إلى سراء ويعود جميع اللاجئين بشكلٍ طوعي إلى وطنهم. وعادةً يمكن إدراك أن العودة أصبحت آمنة عندما يعود اللاجئون من تلقاء أنفسهم -على الأقل في البداية بأعدادٍ قليلةٍ ثم بعد ذلك، وبمجرد انتشار الخبر، بأعدادٍ ضخمة. ولكن يتم هذا عندما يكون اللاجئون جاثمين عبر الحدود.

عاد معظم اللاجئين الأفغان إلى وطنهم من باكستان عندما هُزمت حركة طالبان، وقد عاد عددٌ قليل من لاجئي القوارب الفيتناميين في الدول الغربية مرة أخرى عندما تحسنت الظروف. وفي السنوات التي تلت ذلك، دمجوا حياتهم في ثقافة جديدةٍ ومجزيةٍ بشكلٍ عام. يمكن تًخيُل الوضع بعد عدة سنوات من الآن -من يدري كم- حين يبدأ اللاجئون السوريون في لبنان والأردن وتركيا بالعودة، ولكن أولئك الذين يعيشون في أوروبا سيبقون، ولن يعودوا إلى بلدهم. اللاجئون منذ عام 2015 سوف يستمرون في البقاء، ما لم يستبعدوا.

وضعت أوروبا نفسها في ورطةٍ. ولكن يجب ألا تحمّل فشلها للاجئين

يعتبر الألم هو دائمًا أفضل معلم، وهناك درس مؤلم واجهته أوروبا. إذ كانت الخطيئة الأصلية التي ولدت أزمة الهجرة، كما أشرت في العام الماضي في السياسة الخارجية، هي عدم اتخاذ إجراء حاسم بينما كانت العاصفة لا تزال تلوح في الأفق. لو قام الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءاتٍ جماعية في عام 2014؛ لكان بإمكانه تجنب الفيضانات البشرية الفوضوية التي أثارت بدورها ردة فعلٍ سياسية. ولو كان الغرب، على نطاقٍ أوسع -يضم الولايات المتحدة- تصرف بوعي وقام بالتمويل الكامل لإبقاء اللاجئين في الدول المجاورة، لأصبح عدد طالبي اللجوء إلى أوروبا أقل بكثير. ولم يكن من الضروري أن تُسفِر كارثةٌ إنسانية في سوريا عن كارثةٍ سياسية في أوروبا.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب ينسحب من الاتفاق العالمي للهجرة: "لا يناسب سياساتنا"!

هل يمكن لأوروبا أن تتعلم هذا الدرس؟ في هذه اللحظة، ربما لا. إذ تُعد أزمة اللاجئين سمةً مؤثرةً للظاهرة الهائلة المتمثلة في الهجرة غير الشرعية وغير المنضبطة إلى أوروبا. ويمثل الملايين من النازحين تحديًا أكثر خطورةً على مستقبل أوروبا من السياسات المعادية للديمقراطية في الشرق، أو الإسراف المالي في الجنوب -أو حتى من روسيا- في هذا الشأن.

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى سياسةٍ متسقةٍ بشأن اللاجئين والهجرة. إلا أن رد الفعل الوطني الذي كان محور النقاش الدائر في ألمانيا حول إرغام السوريين على العودة إلى ديارهم هو مجرد مثالٍ صغير على ذلك، وهو ما حال دون تعزيز المؤسسات الأوروبية التي كانت بحاجةٍ ماسة للتعامل مع المشاكل الأوروبية.

وضعت أوروبا نفسها في ورطةٍ. ولكن يجب ألا تجعل اللاجئين يدفعون فاتورة هذه الإخفاق. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"طلبكم مرفوض".. هل انتهى ربيع اللاجئين في أوروبا؟

فضيحة في برلين.. استغلال القاصرين جنسيًا مقابل المال