24-يناير-2017

من أحد التقارير المنشورة عن اللاجئين في مجلة فرنسية (باسكال غيوت/أ.ف.ب)

لا تنحصر كلمة لاجئ في قضية اللاجئين السوريين على وجه التحديد، كما بدا يُخيل لكل من تقال أمامه هذه الكلمة. بدأت تُطرح هذه المسألة في الصحافة العالمية قبل حوالي ثلاث سنوات إثر تدفق أعداد كبيرة إلى بلدان أوروبية من اللاجئين الهاربين من الحرب في سوريا، لكنها في الواقع مفتوحة أكثر على امتداد زمني، يعود إلى سبعينيات القرن المنصرم، عندما كان هناك العديد من المهاجرين الفيتناميين والأرمن وحتى الأتراك، وقبل ذلك التاريخ مع الجزائريين. ولكن اليوم تبدو هذه الكلمة مرتبطة بمشكلة تُلون وجهًا آخر من وجوه أوروبا، وعلى حدّ قول أحدهم "أصبحت لغة أوروبا هي اللاجئون".

تتحول كلمة لاجئ إلى كليشيهات في الإعلام الغربي ويتم التعامل معها كجزء من خطاب سياسي سائد

تتنوع التغطية الإخبارية لقضية اللاجئين في وسائل الإعلام الأوروبية بحسب الأهداف والانتماءات السياسية، التي تقف خلف تلك الوسائل، فتحمل معها أشكالًا مختلفة ومتناقضة من الخطاب الإعلامي تتأرجح بين مناصر ورافض لتداعيات تدفق اللاجئين على أوروبا. خصوصًا وأن الخطاب لم يحمل شكلًا واحدًا خلال تغطيته لسنوات سابقة، فقد كان يختلف الهجوم والتبني حسب التطورات الاجتماعية التي لعبت دورًا جوهريًا بتشكيل وجهة النظر الإعلامية، كتفاقم الإشاعات حول اعتداءات باريس وأحداث مدينة كولن (ألمانيا) العام الماضي، التي أخذت شكل الاتهام اتجاه اللاجئين، وليس انتهاءً عند اللاجئ السوري في هولندا، الذي رفع دعوة قضائية ضد إحدى القنوات التلفزيونية التي فبركت له مقطع فيديو.
ويقوم ذلك على عدة منطلقات وأساسيات. يبدو في مقدمتها توظيف أزمة اللاجئين في خضم الصراعات والخلافات السياسية بين مختلف الأحزاب، فتتحول تباعًا هذه القضية إلى خبر صحفي، ووسيلة للظهور الإعلامي وحياكة الحوارات غير المنتهية بحلول واضحة، من خلال تهويل الأمر وإبرازه على أنه خطر كبير يهدد الأوروبيين سياسيًا واجتماعيًا إن لم تتم معالجته. ومرات أخرى تقوم على التبني والتشدد في الدفاع، في محاولة لكسب الود والقراءة العاطفية البحتة. ولكن ذلك يبعد المشكلة عن جوهرها الأساسي، فتتحول لقضية رأي عام تتم المجادلة بشأنها ووضعها في خضم قضايا صراع أوروبا على حدودها وهويتها.

اقرأ/ي أيضًا: الطلاق السوري في بلاد اللجوء.. حوادث أم ظاهرة؟

الخطاب الإعلامي لاسيما في وسائل الإعلام اليمينية يحمل مضامين مؤدلجة تستند بشكل كبير وملحوظ على بناء الثنائيات الأنا والهو، والنظرة الأُحادية للآخر، التي تقوم على تهميش كبير في أغلب الأحيان أو التغطية الدعائية النفعية. بالإضافة إلى نزوع هذا الخطاب إلى التعتيم على تجارب وآمال ومعاناة هؤلاء والتركيز على جوانب محددة في معالجة الأزمة، والتي غالبًا ما يجري توظيفها في إطار النزاعات والمزايدات السياسية خصوصًا قبيل حصول الانتخابات في البلاد.

وعن أزمة الهوية وتحديدًا الهوية الأوروبية التي باتت محط تساؤل وتخوف، تحاول مجلة ناشيونال جيوغرافيك في إحدى أعدادها السابقة، رصد هذه الأزمة من خلال صور وتقارير نشرتها عن مهاجرين أجانب في ألمانيا وفرنسا من العرب وغيرهم من الجنسيات الأخرى، من خلال ملف موسع بعنوان "الأوروبيون الجدد" تناقش فيه وجهة نظر هؤلاء اللاجئين في الهوية التي تتشكل عندهم تباعًا حسب المدة الزمنية والظروف الاجتماعية التي يعيشون فيها. بعضهم من لا يريد العودة إلى بلده الأصلي، ومنهم من لم يتخل عن موضوع العودة فحافظ على شكل تقاليده وممارساته، اجتماعية كانت أم دينية.

بحسب المجلة، وصل إلى ألمانيا في العام 2015 أكثر من مليون لاجئ. وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإنّ عدد المهاجرين في العالم بلغ 244 مليونًا خلال العام الماضي. والمقصود بالمهاجرين هنا، أشخاص يعيشون في بلدان لم يولدوا فيها. أما عدد النازحين الذين أجبروا على مغادرة بلادهم خلال العام الماضي، فبلغ 21 مليونًا، أي أكثر من عدد النازحين منذ الحرب العالمية الثانية. وبعيدًا عن ذلك، تقول المجلة في تقريرها "ليسوا أرقامًا فقط، أو بياناتٍ وإحصاءات لأزمة تحاول الدول المضيفة الخروج منها. على العكس، هم أفراد يعانون كل يوم ليستكملوا حياتهم، ولكي يفهموا هوياتهم المركبة، ويتمكنوا ربما من نسيان أهوال الحرب التي مرّوا بها، ويتأقلموا مع معطيات حياتهم الجديدة".

تناولت صحف ومجلات ومواقع إلكترونية مسألة اللجوء واللاجئين وخصصت لهم تقارير وأعداد مصورة كاملة ومدعمة بالمقابلات والفيديوهات

هذا الكلام يدخل بشكل مباشر في رؤية الإعلام لكل هؤلاء اللاجئين المقيمين أو ممن حصلوا على جنسية البلد الذي يعيشون فيه، والذين يقومون على تعدد كبير في هوياتهم وانتماءاتهم، وعلى ذلك فقد يحدث ارتباك كبيرعند طرح سؤال "ما الذي يحدد الهوية الأوروبية اليوم؟". السؤال الذي لابُّد وأنه يشكل مع الكثير من الأسئلة ذهنية ورؤية الخطاب الإعلامي لأوروبا.

اتجاه موضوع اللاجئين، سواء وإن اعتمدت تلك الرؤية على القبول أو الرفض. هذا الموضوع لا ينتهي عند الكلام السابق فقط، بل يحتاج لتخصيص الكثير من الوقت للمتابعة ورصد تطورات الخطاب بكل ما فيه من انحيازات وتهميش، والإحاطة بكافة جوانبه الإيجابية منها والسلبية، ومحاولة فهم الواقع السياسي الأوروبي الذي بات اليوم قاب قوسين أو أدنى من التفجر إثر تراكم ضغوط وإشكاليات تبدأ بالحدود الرسمية لدول الاتحاد الأوروبي وتنتهي بالاتحاد الأوروبي نفسه الذي دخل في مرحلة جديدة خصوصًا بعد انسحاب بريطانيا منه، ويلعب موضوع اللاجئين دورًا هامًا كإحدى مشكلاته.

اقرأ/ي أيضًا:

الإخبارية السورية.. حنين إلى البراميل؟

حي العرب البرليني... وجهة الباحثين عن سوريا