26-أغسطس-2023
gettyimages

يستفيد بايدن من توريد إيران للنفط من خلال الحفاظ على أسعارة داخل الولايات المتحدة (ألترا صوت)

قالت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، إن الولايات المتحدة وإيران، اتفقتا بشكل غير رسمي، بشأن عمليات تصدير النفط الإيراني، وأن الاتفاق دخل حيز التنفيذ من أجل إبقاء الأسعار تحت السيطرة.

وذكرت الوكالة في تقرير نشر الجمعة، أن الاتفاق غير الرسمي، جاء على ما يبدو بعد أشهر من "الدبلوماسية السرية" بين البلدين، أسفرت عن صفقة لتبادل الأسرى، ووقف الهجمات، والإفراج عن أصول إيرانية مجمدة.

ورصد التقرير حجم صادرات إيران من النفط خلال الفترة الماضية، كما سلط الضوء على "العقبات اللوجستية التي تواجهها في زيادة صادراتها"، إذ تزيد القيود المفروضة على الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، من صعوبة حصول طهران على أموالها، وحرمانها من الشحن والتأمين الدوليين، وهي عوامل مهمة في التصدير النفط.

التقديرات تتحدث عن تخفيض الولايات المتحدة، لبعض العقوبات المفروضة على إيران وتصدير النفط منها

ويشير التقرير إلى أن، المسؤولين الأمريكيين يعترفون سرًا بأنهم خففوا تدريجيًا بعض العقوبات المفروضة على مبيعات النفط الإيراني، وقد أعادت طهران إنتاجها إلى أعلى مستوى منذ بدء الحظر قبل 5 سنوات، وتقوم بشحن أكبر كمية من الخام الإيراني إلى الصين منذ عقد من الزمن، مع ثقة إيران بضخ المزيد من النفط خلال الفترة المقبلة.

تصدير النفط الإيراني ورقة بايدن الانتخابية

تكشف "بلومبيرغ " أن إبقاء تكلفة البنزين، الذي يقترب الآن من 4 دولارات للغالون في الولايات المتحدة، تحت السيطرة قد يساعد أيضًا في حملة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن في عام 2024. 

وتقول رئيسة استراتيجية السلع العالمية بشركة "RBC Capital Markets LLC"، هيليما كروفت: "إنها لعبة دبلوماسية الطاقة التقليدية، وتتمثل في عقد الصفقات للحصول على براميل إضافية في السوق"، مضيفةً "أن المصالح الاقتصادية الأمريكية والإيرانية تتماشى عندما يتعلق الأمر بالمزيد من البراميل المتاحة للبيع".

بودكاست مسموعة

من جهته، قال متحدث باسم وزارة الخارجية  الأمريكية، إن "الولايات المتحدة تواصل تطبيق إطار قوي للعقوبات النفطية وغيرها من العقوبات ضد إيران"، مشيرًا  إلى أن "مستويات التصدير تتقلب بانتظام استجابة للأسعار وعوامل أخرى". 

وبحسب الوكالة، لا يتوقع أي من البلدين إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي سمح لطهران ببيع النفط بحرية مقابل الحد من برنامجها النووي.

ومع ذلك، فقد توصل الطرفان في الأسابيع الأخيرة إلى تفاهم بشأن تبادل محتمل للأسرى وتحويل 6 مليارات دولار من عائدات النفط الإيرانية العالقة في كوريا الجنوبية، وهي تطورات تُصرّ إدارة بايدن على أنها غير مرتبطة ببعضها البعض، رغم ظهور تقارير تفيد بأن إيران أبطأت بشكل كبير عملية إنتاج اليورانيوم المخصب الذي يقترب من درجة صنع الأسلحة، بحسب ما نقلته الوكالة.

ارتفاع الإنتاج الإيراني

يوضح التقرير، أن الانفراج المؤقت يمتد إلى تجارة النفط، إلا أن واشنطن لا تزال غير متسامحة مع المشتريات التي يقوم بها معظم عملاء إيران قبل العقوبات مثل كوريا الجنوبية أو اليابان أو الدول الأوروبية، لكنها مرتاحة بشأن توسيع المبيعات إلى الصين.

وبحسب ما ذكرت شركة معلومات السوق "Kpler"، وصلت الشحنات الإيرانية إلى الصين، التي تعد أكبر مستورد في العالم بنحو 1.5 مليون برميل يوميًا، وهو أكبر حجم من المبيعات خلال عقد من الزمن. فيما قالت شركة "TankerTrackers"، وهي شركة استشارية أخرى، إن الصادرات تتجاوز مليوني برميل يوميًا، كما أن إنتاج إيران من النفط الخام ارتفع إلى 3 ملايين برميل يوميًا في تموز/يوليو، وهو أعلى مستوى منذ عام 2018، بحسب وكالة الطاقة الدولية في باريس.

بدوره، قال مدير المخاطر الجيوسياسية في مجموعة "Rapidan Energy Group" الاستشارية ومقرها واشنطن، فرناندو فيريرا: إن "بايدن على استعداد للنظر في الاتجاه الآخر مقابل قيام إيران بوضع حد لمخزونات اليورانيوم تلك"، وأضاف "إلى جانب ذلك، سيكون البيت الأبيض سعيدًا برؤية المزيد من البراميل في السوق للمساعدة في إبقاء الأسعار تحت السيطرة". 

وتتوقع طهران زيادة الإنتاج إلى 3.4 مليون برميل في الأسابيع المقبلة، حسب تصريحات وزير النفط جواد أوجي أمام لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني.

getty

ووفقًا لوكالة أنباء وزارة النفط الإيرانية (شانا)، سيرتفع هذا الرقم إلى 3.6 مليون برميل يوميًا بحلول نهاية العام، نقلًا عن أشخاص مطلعين على الأمر بشكل مباشر.

وبحسب "بلومبيرغ "، إذا حققت إيران هذا الرقم، فهذا يعني أنها على بُعد بضعة مئات الآلاف من البراميل فقط، من طاقتها الإنتاجية قبل العقوبات التي تقدر بـ 3.8 مليون برميل في اليوم، وهذا يعني أن هناك الكثير من النفط الذي يمكن أن تقدمه طهران للعالم في حال التوصل إلى اتفاق رسمي مع الولايات المتحدة. 

وهو ما أكدته كروفت، قائلةً: "إنهم يقتربون من مستويات ما قبل ترامب" مضيفةً: "هناك سؤال بشأن مقدار ما يمكنهم إنتاجه بعد ذلك والسؤال هو: عند أي نقطة يعني تطبيق الحد الأدنى من العقوبات؟ في الواقع تم رفع العقوبات بحكم الأمر الواقع".

الاعتماد على الطلب الصيني 

ووفقًا للوكالة الأمريكية يُعدّ انتعاش المبيعات إحدى أكثر العلامات الملموسة حتى الآن على أن إيران، التي تعاني ماليًا منذ سنوات من العزلة، تعيد تأكيد نفسها على الساحة العالمية، بعد أن بدأت في إصلاح العلاقات مع منافسيها الإقليميين، وتعزيز العلاقات مع الصين القوة الرائدة في آسيا. 

وتأتي زيادة العرض في لحظة هشة لأسواق النفط العالمية، مع تعثر النمو الاقتصادي الصيني، والطلب على الوقود، يقوض الجهود التي يبذلها نظراء إيران في تحالف "أوبك بلس" لدعم أسعار النفط.

وقد زادت السعودية، أهم دول المنظمة البلدان المصدرة للنفط، من تخفيضات إنتاج النفط خلال الصيف بمقدار مليون برميل يوميًا. ومع ذلك، تراجعت قيمة العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 5%، منذ أن سجلت أعلى مستوى لها في 6 أشهر في أوائل آب/أغسطس الجاري. 

زكي وزكية الصناعي

وفي هذا الإطار، قال كبير المحللين في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، كريستوف رويل، إنه "بالنسبة للسعوديين، فإن عودة إيران لا تمثل مشكلة كبيرة في الوقت الحالي، ولكنها لديها القدرة على أن تصبح مشكلة". 

وبحسب "بلومبيرغ "، سواء كانت إيران قادرة على الحفاظ على صادراتها، أو حتى زيادتها، فسوف تعتمد في البداية على كمية النفط التي يمكن سحبها من المخزون، وقد سحبت البلاد ما مجموعه 16 مليون برميل من هذا المخزون، ومما هو متوفر على متن الناقلات هذا الشهر، تاركة لها 80 مليون برميل أخرى، وفقًا لشركة  "Kpler". ولكن بما أن معظم المشترين لا يزالون بعيدين من حيث الموقع الجغرافي عن إيران، فإن طهران ستعتمد في نهاية المطاف على الطلب الصيني، إذ تستخرج بكين النفط الإيراني لملء احتياطاتها الاستراتيجية، بتشجيع التخفيضات الكبيرة في الأسعار التي تقدمها طهران للتنافس مع الإمدادات الروسية التي ترفضها أوروبا.

ويقول تجار إن الخامين الرئيسيين في إيران يتم تداولهما حاليًا بخصم يزيد عن 10 دولارات للبرميل عن خام برنت. لكن الاستهلاك الصيني يتعرض لضغوط، حيث تواجه البلاد أزمات تتراوح بين البطالة بين الشباب والاضطرابات في قطاعي العقارات والبنوك. ويشير أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط إلى أن "استخدام الوقود في البلاد ربما يكون قد بلغ الحد الأقصى لهذا العام". 

الصين هي الزبون الأهم والأبرز للنفط الإيراني، لكن التعويل عليها بشكلٍ كبير قد يسبب خيبة أمل في طهران، نتيجة الوضع الداخلي فيها

وقال رئيس أبحاث السلع في "سيتي غروب" إد مورس: "إن كمية المخزون من النفط الذي تسعى لجمعه الصين سوف تتراجع في مرحلة ما"، مضيفًا: أن "نمو الطلب من بكين يقترب من الانتهاء".

وأكدت الوكالة في تقريرها، أنه "لا تزال هناك عقبات لوجستية، بسبب  القيود المفروضة على الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، تجعل من الصعب على إيران الحصول على أموالها، ومن دون الاستثمار الأجنبي فإنها ستواجه صعوبات في تعزيز طاقتها الإنتاجية".

بالإضافة إلى ذلك، فإن طهران، المحرومة من الشحن والتأمين الدوليين، تحتاج إلى تأمين ما يكفي من الناقلات من "الأسطول المظلم" لنقل حمولاتها، حيث تعتبر السفن، التي غالبًا ما تكون ناقلات قديمة وغير مؤمن عليها، والتي تقوم بتعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال لتجنب اكتشافها، ضرورية أيضًا لروسيا، التي تم منعها من الشحن التقليدي بعد غزوها لأوكرانيا.