24-يناير-2017

لقطة من الفيلم

من أرشيف أفلام ما قبل الألوان، تُعيد المحطّات الفضائية عرض فيلم "أم العروسة" بين فترة وأخرى، مستعيدةً معه حبكته الاجتماعية التي تصلح في كل زمان ومكان عربيين.

كيف يرسم الفيلم الذي أخرجه عاطف سالم، وعُرض في العام 1963، ملامح مشكلة تكاليف الزواج التي يتأخر معها الارتباط والإنجاب وتتفاقم من حولها مشاكل اجتماعية جمّة في أيامنا هذه، وأي نموذج جسّده الفنان عماد حمدي في دور حسين مرزوق "أبو العروسة" قبل عقود، وهل يحلّ المهر وتبادل الوعود بالمساعدة بين الخطيبين مشكلة "تشطيب" الشقة وإتمام الجهاز ومتطلبات "الفرح"، لا سيما وأن منزل الأهل ما عاد يفي بالغرض للاحتفال واستقبال المدعوين؟

لم يتناول أي عمل فني حتى اليوم صراحةً معضلة الزواج، وسط الغلاء الذي يرتفع معه هامش الكماليات في مجتمعات غزتها المظاهر

بين ما كانت عليه مصر في ذاك الزمان، وبين ما آلت إليه الظروف تباعًا -ليس في مدنها فحسب بل في كل الدول العربية بما فيها لبنان- لم يتناول أي عمل فني حتى اليوم صراحةً معضلة الزواج، وسط الغلاء الذي يرتفع معه هامش الكماليات في مجتمعات غزتها المظاهر، وتخلّت عن بساطة القديم لصالح الجديد المُكلف والمُتكلّف.

اقرأ/ي أيضًا: لالا لاند.. هل طغى غوسلينج على إيما ستون؟

قد تكون سيناريوهات عدة قاربت المسألة دون أن تقترب منها، متّخذة من حدّتها "ملحًا وبهارًا" لحبكة أخرى عاطفية بالدرجة الأولى، بعكس "أم العروسة" الذي جاءت فيه علاقة الحب بين سميرة أحمد (أحلام) ويوسف شعبان (جلال) هامشية إزاء الأحداث المفصلية كالبحث عن الأثاث المناسب لميزانية أبو العروسة أولًا، ثم الذوق والشقة ثانيًا، شراء لوازم المطبخ والأعداد المطلوبة من فناجين الشاي والقهوة، الضغط الذي مارسه أهل العريس على حسين للإسراع في شراء المطلوب وتسديد ثمنه كي "يفرحوا بابنهم"، ما اضطر أبو العيال وعددهم سبعة لاختلاس الأموال من عهدته في الشركة حيث يعمل، ريثما يتم استبدال معاشه فيعيد ما استلفه خلسةً.

من جانبها تشكّل تحيّة كاريوكا (زينب) نموذجًا عابرًا للزمن لأم العروس التي تبذل الغالي والنفيس لتفرح بابنتها البكر، وهي تجهد منذ بداية علاقة "النسب" وحتى يوم الزفاف لتقديم ابنتها بالصورة الأجمل في حضور أهل جلال، وتعمد خلال مرحلة "الجهاز" إلى شراء الكثير الكثير، ما أثقل كاهل حسين كرمى لعيني أحلام في عيني أم إجلال وأختها أم فايزة.

إزاء ما تقدّم، تختلف مشاهدة "أم العروسة" في العام 2017 عن مشاهدة معظم كلاسيكيات الزمن الجميل. ليس لأن الشخصيات الكاريكاتيرية في الفيلم تجعل من تكرار بثه ومشاهدته متعة متجددة فحسب، ولا لأن نوستالجيا "الأبيض والأسود" تعيد رسم ملامح الحياة الحلوة التي اندثرت بديكورها وأشخاصها بتفاصيلهم، ولا لأن صناعة هذا الفيلم تحديدًا جاءت متكاملة لجهة نص عبد الحميد جودة السحار وتصوير مسعود عيسى وأداء نخبة من أبرز نجوم سينما العصر الذهبي.

ما يبقي على هذا الفيلم مفضّلًا لدى المشاهدين، هو ملامسته للجرح بوضع الإصبع عليه وتوجيه الأنظار إليه، والضحك على الألم بابتسامة أمل.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Collateral Beauty": كيف تغيرنا تجارب الفقد؟

فما يراه المشاهد في الفيلم وإن اختلفت مقاربته تبعًا لعادات المجتمعات العربية وتوزيع الأدوار عند الاستعداد للزواج بين ما يشتريه العريس وما يقدّمه أهل العروس، إلا أنه لا يحيد عن جوهر واحد، هو كيف نُتمم كل ذلك وقد بات العروسان مجبرين على الاقتراض من المصارف لشراء الشقة (وتسديد ثمنها على عقود)، تأثيثها وتجهيزها، ثم إقامة "كارنفال" العرس في صالة فخمة تطل على البحر أو الجبل وتقدّم "سلال" عروض باذخة فيها الزفة ولائحة طعام العشاء والتصوير وزينة الطاولات و"الكوشة" والموسيقى بأغلى الأسعار.

ما يبقي على فيلم أم العروسة مفضلًا، هو ملامسته للجرح بوضع الإصبع عليه وتوجيه الأنظار إليه، والضحك على الألم بابتسامة أمل

في لبنان على سبيل المثال، أعادت الظروف الاقتصادية الصعبة والرواتب الشحيحة مقارنةً بالفواتير والمدفوعات صياغة العادات والتقاليد وتوزيع المهام في الجهاز بين "الفريقين"، دون أن تتمكن من حلّ المعضلة. فالفرحة لا تكتمل بيوم الزفاف، فهو يشكل العتبة التي سينطلق معها القلق من "آخر الشهر" الذي تستحق فيه سندات الدين في المصارف.

فيلم "أم العروسة" ينتهي بطلب حسين يوسف (شفيق) يد مديحة سالم (نبيلة) ابنة حسين مرزوق من أبيها في فرح أختها أحلام، فيُغمى عليه بعد أن يستعيد في لحظة واحدة كل الشقاء الذي كابده متوقعًا أن يعيشه مجددًا في وقت قريب، فيعده الصهر الجديد بمساعدته في تحمل كل التكاليف ليبتسم موافقًا.

الخشية نفسها تتكرر في كل البيوت أمام استحقاق زواج الأبناء والبنات، اللهم إلا في قصور الأثرياء وزيجات تبادل المصالح وحفظ الثروات أو مضاعفتها.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Chinese Coffee" بين الكتابة والصداقة
6 من أجمل الأفلام التي شاهدتها في 2016