04-يناير-2017

من أحد الأعراس المصرية (غريس ماغريش/Getty)

كيف تعيش آمنًا في بلد ما، إذا كنت لا تدري ماذا سيكون سعر السلعة التي تود شراءها بعد أسبوع؟ كيف تخطط للزواج إذا كانت كل الميزانيات التي رصدتها لتؤسس منزلًا عاديًا أو معقولًا وليس فارهًا أو غاليًا باءت بالفشل؟. هذا ما يحدث في مصر الآن. من المعروف أن الزواج هو مشروع من المشاريع المكلفة التي تثقل كاهل المصريين بسبب ارتفاع الأسعار الأخيرة في السوق المصري، لكن الحقيقة أن المتسبب في جنون الأسعار ثلاث قرارات تم اتخاذها، كان أولها قرار تعويم سعر العملة المصرية الجنيه، وتركها تتحدد وفقًا للعرض والطلب، والذي صدر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وأدى إلى ارتفاع هائل في الأسعار.

قرارات حكومة السيسي الاقتصادية تؤخر في الزواج داخل مصر وتزيد من الأسعار

أما القرار الثاني، فكان بوقف الاتحاد العام للغرف الاستهلاكية، الاستيراد لمدة ثلاثة أشهر وتوقيف الاستيراد على السلع الأساسية فقط التي يحتاجها الناس. أما القرار الثالث فكان القرار الجمهوري الذي أصدره عبد الفتاح السيسي بزيادة التعرفة الجمركية لنحو 350 سلعة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع بعض أسعار هذه السلع إلى ما يعادل 100% في بعض الحالات. فكيف يمكن ترجمة هذه القرارات في الممارسات العادية كالزواج مثلًا؟.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. حملة إلكترونية ضد الشروط المعقدة للزواج

مي محمد منصور، واحدة من المقبلات على الزواج في مصر، في عصر ما بعد التعويم. تحكي كيف أنها رصدت لإنهاء تجهيزات شقتها، أي الـ"تشطيبات"، حوالي 80 ألف جنيه أي ما يعادل 4000 دولار، لكن المبلغ غير كاف بسبب ارتفاع أسعار المواد الخاصة بالتشطيبات من طلاء وخلافه. اضطرت وشريكها أن تضع ميزانية إضافية مع العلم أن مساحة شقتها 120 مترًا فقط. تقول مي لـ"ألترا صوت": "حتى ورق الحوائط الذي كنت أشتريه بـ 15 ألف جنيهًا (750 دولار تقريبًا) زاد سعره في أقل من أسبوع".

شيماء السيد، تؤكد كلام مي، وتقول: "أنا لست مقبلة على الزواج لكني أتابع أسعار الأدوات الكهربائية حتى أحاول عمل خطة ما للشراء. لكن الأمور خرجت عن السيطرة. على سبيل المثال الثلاجة ذات الواحد وعشرين قدمًا، التي كان سعرها حوالي 385 دولارًا (7700 جنيهًا) أصبحت بحوالي 18 ألفًا، أي 900 دولارًا في ظرف شهور قليلة. شاشات التلفزيون التي كانت في متناول متوسطي الدخل والأقل منهم وكان سعرها 4600 جنيه أي 230 دولارًا تقريبًا، أصبح سعرها 7500 جنيهًا أي 375 دولارًا تقريبًا. أطقم الأدوات المنزلية، التي كانت ضمن السلع التي شملتها الزيادات في التعريفة الجمركية زادت ثلاثة أضعاف سعرها القديم".

مي خطاب، وهي آنسة غير متزوجة وليست على وشك الزواج، تقول أيضًا إن "الأمور أصبحت غير معقولة"، ففي أحد عروض "كارفور"، وهي الأماكن المهمة في مصر التي يقصدها الناس لشراء أدوات كهربائية بأسعار معقولة، رأت فيها سعر شاشة التلفاز المسطحة بـ 7590 جنيهًا، أي ما يعادل تقريبًا 380 دولارًا تغير سعرها في خلال 24 ساعة إلى 8800 أي 440 دولارًا، مما يعني زيادات تصل إلى 45% و50% تقريبًا في بحر 24 ساعة أو أقل من أسبوع، وحين تساءلت عن السبب قيل لها إن "أسعار الجمارك سترتفع".

شيماء الدسوقي لها تجربة واسعة في هذا الموضوع بصفتها "داخت" حرفيًا من اللف والدوران في الأسواق والتحدث مع التجار والموزعين عما يحدث كما أنها عروس مقبلة على الزواج. تقول شيماء: "قيل لي من أكثر من تاجر إنهم خسروا رأس مال كبير بسبب زيادة التعريفات الجمركية على الأجهزة الكهربائية"، سألتها عما يقوله التجار أو يتوقعونه عن مستقبل الأزمة وتأثيرها على أعمالهم، فقالت إنهم ينتظرون تعويضًا من الحكومة أو تفاهمًا مع البنوك، لكن لا شيء مؤكد إلى الآن وكلها آمال فقط".

اقرأ/ي أيضًا: لأجل من تقام حفلات الزواج؟

وروت شيماء قصصًا مشابهة عن ارتفاع كبير في أسعار الأجهزة الكهربائية، مؤكدة أن الكل يتناولها بالإشارة كونها أصعب شيء يشتريه المقبلون على الزواج. وأرجعت الفوضى الكبيرة في زيادات الأسعار إلى "غياب كامل للرقابة على التجار وعدم دراسة تداعيات القرارات الاقتصادية على الناس في سير حياتهم". تناولت أيضًا فكرة الأثاث أو ما يسميه المصريون "العفش"، موضحة أن أسعاره "خزعبلات وخرافات"، مشيرة إلى أن "أثاث غرفة النوم، الذي كان في صيف 2016 بـ 17000 جنيه (850 دولارًا)، أصبح في شتاء 2016 يساوي 32 ألفًا أي ما يعادل (1600 دولارًا) أي ما يعادل الضعف".

ازدادت أسعار المفروشات والأجهزة الإلكترونية أضعاف ما كانت عليه في مصر قبل القرارات الاقتصادية الأخيرة

كما أن معارض "إيكيا IKEA" و"إن آند أوت" وغيرها وهي معارض تشتهر بأثاث صغير لمساحات صغيرة، كل بضائعها من الأثاث للعرض فقط وليس للبيع، وليس هناك تسليم للأثاث قبل شهر آذار/مارس بسبب وقف الاستيراد، على الرغم من أن أسعار الأثاث أفضل بكثير من أي مكان آخر في هذه المعارض. أما مدينة دمياط، التي اشتهرت بصناعة الأثاث المصري، الأصيل فقد تصل فيها الغرفة الواحدة إلى 900 دولار تقريبًا أو أعلى. ويلاحظ أن أجر العامل، في اليوم، الذي يقوم بعمل الدهانات وتجهيزات الكهرباء في الشقق، أصبحت حوالي 200 جنيه يوميًا أي عشرة دولارات، وهو مبلغ كبير على المواطن العادي.

يحوّل عدم الاستقرار في الأسعار حياة الناس إلى طريق ضبابي طويل لا يرون فيه خطواتهم التالية ولا يعرفون ما الذي يخبئه لهم مستقبلهم. أما الحكومة فهي تصدر للناس ضمن دعايتها لما أسمته بقرارات الإصلاح الصعب، لافتة كبيرة على أحد أهم "الكباري" (أي الجسور) التي يجوبها المصريون كل يوم ذهابًا وإيابًا بسياراتهم، تقول فيها: "اللقمة أو الكرامة؟".

اقرأ/ي أيضًا:

دعابات السيسي المحرجة.. "أهلًا" بالتفاهة

السيسي.. خُطب الدكتاتور المأزومة