15-فبراير-2017

سيدة تقود دراجة في طريق ريفي (Getty)

منذ بدء العالم كانت الحرية هي الهدف الأسمى الذي يسعى إليه البشر في كل زمان ومكان. وكانت قضية الإنسان القديم هي التحرّر من الخوف والتخلّص من القيود والضغوط التي فرضتها عليه قوى الطبيعة والبيئة المعادية التي عاش فيها، بكل ما احتوت عليه من براكين وأعاصير وحيوانات مفترسة.

ومع تطور مسيرة الإنسانية وجد البشر أنفسهم في مواجهة أخطار أخرى تهدّد حريتهم التي فُطروا عليها، خاصة مع بداية تكوّن المجتمعات الإنسانية التي تطلّبت وجود شكل من أشكال السلطة، التي كانت تتحدّد في البداية وفقًا لمعايير القوة الجسدية ثم تطوّرت بعد ذلك لتتحدّد على أسس أخرى مثل الثراء والسطوة والنفوذ. وكان من الطبيعي أن تسعى السلطة لدعم قبضتها على هذه المجتمعات بشتى السُبل والوسائل التي وصلت إلى ذروتها في صورة الأنظمة الدكتاتورية والقمعية والفاشية، وفي نفس الوقت تمسَّك الإنسان بحقه في الحرية ورفض التخلّي عنها مهما تصاعدت عوامل القهر.

كانت قضية الإنسان القديم هي التحرر من الخوف والتخلص من القيود التي فرضتها عليه قوى الطبيعة والبيئة المعادية التي عاش فيها

وما بين قوة الاستبداد ومقاومة الحرية دارت أطول وأنبل معركة في التاريخ والتي ما زالت رحاها تدور حتى الآن، ودفع الكثيرون حياتهم ثمنًا لإصرارهم على الوقوف في وجه دعاة التسلّط والدكتاتورية، كما تعرّض الكثيرون في كل مكان للاعتقال والتعذيب والتنكيل دون أن يتراجعوا عن هذا الإصرار.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يمنع الزواج المدني في لبنان؟

وقد شهد العالم العديد من المواجهات الكبرى في هذه المعركة والتي تحوّلت إلى علامات على طريق البحث عن الحرية، وفي مقدمتها الرسالات السماوية التي جاءت كلها لتدعم حق الإنسان في الحرية، وكان الرُسُل والأنبياء هم أول من تصدّى للدفاع عن هذا الحق رغم ما لاقوه من عنَت الطغاة والمستبدين. ومن أبرز النماذج الإنسانية لتلك المواجهات الخالدة ثورة العبيد بقيادة واحد منهم هو سبارتاكوس ضد الإمبراطورية الرومانية، حيث استطاع هؤلاء العبيد رغم قلة عددهم وضعف أسلحتهم أن يطيحوا بهذه الإمبراطورية التي كانت رمزًا للطغيان والقهر.

ولا شك أن المجال لا يتسع لحصر كل المعارك والمواجهات التي خاضها الإنسان من أجل حريته خاصة مع ظهور الاستعمار والنظريات الفاشية والعنصرية الجديدة، ولكن من مِنّا ينسى أسماء مثل غاندي في الهند ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا ومارتن لوثر كينج في الولايات المتحدة.

ما بين قوة الاستبداد ومقاومة الحرية دارت أطول وأنبل معركة في التاريخ والتي ما زالت رحاها تدور حتى الآن

ولا يمكن أن تقتصر قائمة من حملوا مشاعل الحرية في رحلة البشرية عبر التاريخ على هؤلاء الذين قادوا الجماهير على الأرض، فهناك تلك العقول المفكرة التي أضاءت الطريق لهؤلاء الزعماء. فقادة الثورة الفرنسية لم يكونوا أكثر من من نتاج لأفكار فلاسفة الحرية أمثال جان جاك روسو وفولتير ومونتسكيو، بل إن الثورة العلمية الغربية لم تكن سوى نتيجة لأفكار هؤلاء الفلاسفة الذين سعوا لتحرير البشر من سطوة الأساطير مثل فرانسيس بيكون وديكارت وغيرهما.

وهناك كثيرون ممن ضحّوا في صمت بكل شيء من أجل حريتهم وحرية شعوبهم وتعرّضوا لأبشع صنوف التعذيب واختفوا "وراء الشمس" وتم إعدامهم أو ذبحهم بعدما رفضوا الانصياع لحكم الدكتاتورية والاستبداد. نعم، هي مسيرة خالدة وربما تكون أبدية، لأن العالم لا يتوقف عن قذف مجانين الحكم فوق رؤوسنا ولأنه لن يكون في يوم من الأيام مدينة فاضلة، وربما يكون قَدَر الإنسان هو أن يعيش في صراع دائم من أجل الحصول على حريته أو الحفاظ عليها.

اقرأ/ي أيضًا: الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان

ولقد أثبتت تجارب التاريخ الفرق الهائل بين الحرية والفوضى، فالمعنى الحقيقي لهذه الحرية كان منذ البداية وما زال وسيظل هو المسؤولية، وأما الفوضى فليس شرطًا أن تأتي من جانب الجماهير الثائرة ولكنها غالبًا تحدث بفعل قوى الثورة المضادة التي تسعى لإعادة الزمن إلى الوراء. لذلك من المستحيل أن ينعم أي مجتمع بالحرية دون أن تكون السيادة فيه للقانون، ولا يمكن أن تزدهر الدكتاتورية والاستبداد إلا عندما يكون القانون في إجازة وتكون الكلمة حينها لفوضى الحكم المستبد.

إذا كانت الديمقراطية هي التعبير العصري الشائع عن الحرية وسيادة القانون فليس من الغريب أن تصبح الهدف الذي ينشده ويسعى له كل البشر

وإذا كانت الديمقراطية هي التعبير العصري الشائع عن الحرية وسيادة القانون فليس من الغريب أن تصبح هي الهدف الذي ينشده ويسعى إليه كل البشر، وخاصة بعد أن تأكد الجميع أن الديمقراطية هي نقطة الانطلاق التي لا يمكن بدونها التحرك إلى الإمام. وبدون الديمقراطية الحقيقية يفقد أي نجاح قيمته، وبدون الحرية يكون أي إنجاز مجرد سراب مؤقت ووهم لا جدوى منه.

هذه هي الحقيقة التي تؤكدها رحلة الإنسان الخالدة بحثًا عن حريته، وهي أطول وأشرف رحلة في التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا:
ما وراء التعذيب
كيف تستقدم دول عربية من يتجسس على مواطنيها؟