13-فبراير-2017

مسيرة بالبحرين لتأبين قتلى فض ميدان اللؤلؤة (Getty)

هل هي بداية ثورة أو انتفاضة؟ هو سؤال عميق في حفرة، مازالت لم تجد إجابة مجُمع عليها في البلدان التي عرفت خلعًا لرؤسائها سنة 2011، غير أن الحالة البحرينية تتميز بفرادتها من حيث إنها لم تؤدِّ لإسقاط رأس الدولة، ولم تنشئ عملية إصلاح سياسي، فسميت بثورة في زمن اندلاع الثورات في الوطن العربي، بيد أنها لم تحقق الحد الإجرائي الأدنى، وبذلك فهي على الأرجح تنطبق عليها مواصفات الانتفاضة الشعبية، ولذلك يفضل العديد تسميتها بانتفاضة اللؤلؤة نسبة للميدان الذي تظاهر فيه البحرينيون.

يستقبل البحرينيون يوم 14 شباط/فبراير الذكرى السادسة لهذه الانتفاضة التي لم تنبري عنها فقط السلط الحاكمة في الوطن العربي، بل لم تلق كذلك حظوة في العمق العربي الشعبي بطريقة متصاعدة. فغالبًا، إن ما جاء الحديث عن انتفاضة البحرين، حتى جاء الجواب عن ثورة سوريا، وكأن لسان الحال يقول جهرًا "هذه بتلك"، وهي مفارقة مؤلمة حينما يظهر "تناطحًا" فيما هو مشترك أصالة بطبيعته، هو حق التحرّر.

الثورة البحرينية متفردة، حيث لم تؤدِّ لإسقاط رأس الدولة ولم تنشئ إصلاحًا سياسيًا، فسميت ثورة لكنها لم تحقق الحد الإجرائي الأدنى

كانت لكل الاحتجاجات في أجمل أعوام العرب سنة 2011 أسبابًا مشتركة بعناوين الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد الذي أثقل العبء الاقتصادي على المواطنين، بيد أن لكل شبر في الوطن العربي الذي عرف موجة الاحتجاجات في تلك السنة خصوصيته.

فالاحتجاجات الشعبية ضد النظام البحريني هي الاحتجاجات الوحيدة على نظام ملكي مقابل النظام الجمهوري أو الجماهيري في بقية البلدان العربية، وهي الوحيدة التي اندلعت في دولة من مجلس التعاون الخليجي، وذلك عدا الاحتجاجات محدودة التعبئة في القطيف في العربية السعودية.

اقرأ/ي أيضًا: عملية إماتة القلب.. تمت بنجاح

هذه الاحتجاجات في عمق الخليج العربي أربكت الأنظمة الحاكمة فيه، فلم تكن الخشية إلا أن تكون البحرين هي شرارة لـ"ثورات" مواطنيه من أجل حق المواطن في المشاركة السياسية الفعلية، متجاوزة للمطلبية الاجتماعية-الاقتصادية.

وبقدر ما كانت هذه الخشية بينة، خاصة حينما تساقط الرؤساء العرب كلعبة "الدومينو"، كان التعامل الخليجي حازمًا، وظهرت العربية السعودية ككفيل للنظام البحريني لإنقاذه من هذا الخطر على "الأمن القومي الخليجي"، وذلك حينما قادت قوات درع الخليج التي ساهمت في إخماد الاحتجاجات المتصاعدة.

وهذا التعامل أدى لغبن التغطية الإعلامية للانتفاضة البحرينية في أهم قناتين عربيتين هما الجزيرة المتمركزة في الدوحة، والعربية المموّلة من العربية السعودية والتي تبث من الإمارات المتحدة. وفي الواقع، لم تتعامل الأنظمة الخليجية فقط برفض قاطع مع الانتفاضة البحرينية بل كذلك بقية الأنظمة العربية، بما في ذلك الحكومات التي تكونت بعد الثورات في تونس ومصر تحديدًا.

الاحتجاجات الشعبية ضد النظام البحريني هي الاحتجاجات الوحيدة على نظام ملكي مقابل الجمهوري أو الجماهيري في بقية البلدان العربية

ولعل من النقاط السوداء للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الذي صعد للرئاسة نهاية 2011، أنه لم يتخذ موقفًا رسميًا معارضًا، أو على الأقل متحفظًا من تعامل السلطات البحرينية مع الاحتجاجات الشعبية، خاصة وأن المرزوقي شارك بنفسه في وقفة احتجاجية في ربيع 2011 أمام مقر السفارة البحرينية في تونس للتنديد بتعاملها الوحشي مع المتظاهرين.

بالنهاية، كان الملف البحريني لدى مختلف الأنظمة العربية وأولها الحكومات العربية الجديدة ملفًا سعوديًا بامتياز، بل لعله ملف خليجي داخلي لا يجوز التدخل في شؤونه، ولذلك لم يكن، من منطلق حسابات المصالح، اتخاذ أي موقف، ولو كان محدودًا، تجاهه. ولذلك فهي انتفاضة مغبونة زاد غبنها في الشارع العربي.

اقرأ/ي أيضًا: عندما بحث دوار اللؤلؤة عن ميدان التحرير

حيث مثلت المسألة الطائفية عنوانًا حاسمًا لاتخاذ فريق واسع من الشارع العربي موقفًا سلبيًا من الانتفاضة البحرينية، خاصة مع تصدّر المعارضين الشيعة لمشهد الاحتجاجات، وإن كانت العناوين مواطنية من قبيل "المساواة" و"الإصلاح السياسي".

كما اتخذت السلطات الإيرانية مواقف مناهضة بشدة للسلطات البحرينية والسعودية، حتى ظهرت إيران كالدولة الوحيدة التي تبنت هذه الاحتجاجات، وبالتالي لم يجد الخليجيون صعوبة في تكييف الاحتجاجات بأنها "مخطط إيراني لإثارة الفوضى".

وقد اتخذت شخصيات اعتبارية دعمت الثورة العربية منذ انطلاقتها في تونس موقفًا متحفظًا من هذه الاحتجاجات من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي وصفها بـ"الطائفية"، فيما يعكس ازدواجية في الاعتراف بحق الشعب العربي في التحرر، وإن كان دون تجاوز للرهان الإيراني الفعلي في استغلال هذه الاحتجاجات لصالح مشروعها التوسّعي.

كان الملف البحريني للأنظمة العربية وأولها الحكومات العربية الجديدة ملفًا سعوديًا، بل ملفًا خليجيًا داخليًا لا يجوز التدخل في شؤونه

فمع تصاعد الإرهاب الإيراني في سوريا دعمًا للنظام للأسدي لإخماد الثورة، زاد الموقف العربي الشعبي من الانتفاضة البحرينية صلابة، خاصة بعد الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن. وفي الإعلام العربي، لم تلقَ الانتفاضة البحرينية إسنادًا إلا من قنوات طائفية في لبنان وسوريا والعراق هي داعمة للنظام الأسدي في سوريا.

هي بالنهاية انتفاضة لم تجد من يحنو عليها. وللآن لا يزال الآلاف من البحرينيين في السجون من بينهم عميد الحقوقيين العرب عبد الهادي خواجة المحكوم عليه بالسجن المؤبد، وما زالت الانتهاكات ضد حقوق الإنسان مستمرّة، ولكن العالم يغمض عينيه كعادته.

هي انتفاضة مغبونة، ولكن المسيرة مستمرة على درب تحرير الإنسان العربي من قيود القمع والإذلال، ولعله من واجبنا ألا ننسى على الأقل ذكرى هذه الانتفاضة كل سنة.

اقرأ/ي أيضًا:
الهلال الشيعي.. مشروع إيراني أم أمريكي؟ (1/3)
الثورة السورية.. مسافة بين الجشع والحرية