03-مارس-2024
مقال أسهل لغة في العالم

أسهل اللغات في العالم

نحن كبشر نميل عادة إلى التصنيفات المتنوعة وإطلاق الأحكام والصفات على كل ما يواجهنا، وفي بعض الأوقات قد نكون حريصين على ذلك أكثر من اللازم؛ كأن نطالب في إصدار حكم حول الأمر الأسهل أو الأصعب أو الأكثر تعقيدًا والأبسط. هذه طريقة أدمغتنا في التعامل مع الأمور، وهي تنفعنا في الحيز الذي يكون فيه الأمر المراد تصنيفه والحكم عليه أمرًا أو فكرة موضوعية قابلة للقياس والفحص بأدوات مجردة عن التجربة الذاتية. ومن بين الموضوعات التي قد يكون من الشائك تصنيفها وإطلاق حكم نهائي حولها موضوع اللغات وسهولة اكتسابها من عدمه. رغم ذلك سأحاول في هذا المقال الحديث عن اللغات التي يمكن احتسابها ضمن الأسهل تعلمًا للناطقين بالعربية.

هناك معياران أساسيان لتحديد أسهل لغة في العالم بالنسبة لمن يريد تعلم لغة ثانية أو ثالثة: اللغة الأم ونقاط قوة وضعف المتعلم

 

أسهل لغة في العالم، حسب أي منظور؟

في هذا العالم الفسيح يسكن نحو 8 مليارات شخص، ليسوا جميعًا ناطقين باللغات بطبيعة الحال فإن عددًا لا بأس به منهم من الأطفال تحت سن النطق. ولكن رغم ذلك فاكتساب أي لغة أكثر تعقيدًا مما نظن، فهو يبدأ بمجرد سماع الرضيع للأصوات من حوله، إن لم يكن قبل ذلك. وما يهمنا في الأمر هو أن تحديد أي اللغات أسهل للتعلم هو مطلب غيرُ مدرك. لأنه من بين أكثر من 7 آلاف لغة منطوقة حاليًا في 195 دولة. سيقرر كل شخص أسهل لغة أو أصعبها من منظور لغته الخاصة، وستتغير الإجابة لو اكتسب مبكرًا لسانًا ثنائي اللغة. ولكن، ربما توجد بعض المعايير التي تساعد في تأطير الموضوع وعدم تركه منفلتًا بلا ضوابط. وهذ المعايير لتحديد أسهل لغة هي:

معايير سهولة اللغة بالنسبة للمتحدث

هناك معياران أساسيان لتحديد أسهل لغة في العالم بالنسبة لمن يريد تعلم لغة ثانية أو ثالثة، وهذا المعياران:

  • اللغة الأم: تساهم اللغة الأم في تحديد أي اللغات المراد تعلمها أسهل، فالناطق بالصينية سيجد تعلم الكورية واليابانية أسهل بالنسبة إليه من تعلم الفرنسية مثلًا، لتقارب اللغات من بعضها وتعدد أوجه التشابه بينها. بينما سيجد الناطق بالإسبانية تعلم الإيطالية مثلًا أسهل بالنسبة إليه من تعلم الصينية. وبالنسبة للناطقين بالعربية فإن هناك عدة لغات يمكن أن تكون أسهل من غيرها لتعلمها سنفصل الحديث عنها في موضع آخر.
  • نقاط قوة وضعف المتعلم: لا شك أن تعلم أي لغة جديدة يمثل تحديًا للدارس، وعند رغبتنا في تحديد نقاط قوة وضعف الدارس فإن المقصود هنا تحديد ما يميل المتعلم إلى اكتسابه أسرع أو ما يفضل تعلمه، أو ما الذي (لا يشكل عائقًا) في تعلم اللغة بالنسبة إليه. فبعض الناس لا يمانعون تعلم لغات بنظم نحوية معقدة أو متشابكة، لكنهم قد يواجهون صعوبة في تعلم لغة نظامها النحوي بسيط ونظامها الصوتي معقد. والعكس صحيح فقد نجد من يستسهل تعلم أعقد اللغات نطقًا وأصعبها في حين يتثاقل من أي شرح لقواعد اللغة ونظامها النحوي.

من الأمور التي تجعل لغة أسهل أو أصعب هو نظامها النحوي، فاللغات التي تمتاز بنظام نحوي متشعب تعد أكثر تعقيدًا من غيرها

معايير سهولة اللغة بالنسبة إلى اللغة المراد تعلمها

لا يمكن تحديد أي اللغات أسهل من غيرها اعتباطًا، بل من الضروري النظر إلى جوانب اللغة وأنظمتها كلها، وتحديد مدى سهولة وبساطة اكتساب كل منها، ومن الضروري للدارس أن يعرف نبذة عن هذه النظم اللغوية:

  • النظام النحوي: من الأمور التي تجعل لغة أسهل أو أصعب هو نظامها النحوي، فاللغات التي تمتاز بنظام نحوي متشعب تعد أكثر تعقيدًا من غيرها، كأن تضم اللغة تذكيرًا وتأنيثًا في الأسماء والأفعال والضمائر، وأن تكون لغة اشتقاقية فيها تصريفات لا حصر لها من الجذر الواحد، وغيرها. ولعل النظام النحوي في اللغة العربية يجعلها من أصعب اللغات للناطقين بغيرها.
  • النظام الصوتي: ويقصد به نظام نطق الحروف والكلمات فوجود حروف منطوقة مغايرة عن اللغة الأم يتطلب بذل جهد أكثر لإتقان الحديث بها، ومن أصعب اللغات من هذا الجانب اللغة الصينية. 
  • نظام الكتابة: ويقصد به رسم الحروف الهجائية، وتشابكها من عدمه، واتجاه الكتابة من اليمين إلى اليسار أو العكس، فاللغة اليابانية تمتاز بصعوبة رموزها وكثرتها، وباتجاه كتابتها غير المألوف، فنصوصها تُقرأ من يسار الصفحة إلى اليمين، بينما تكتب الجمل بالبدء من أعلى السطر نحو الأسفل.
  • الفروق الثقافية: تلعب العوامل الثقافية المتقاربة أو المتباعدة أيضًا دورًا هامًا عند تحديد أسهل لغة، وهذه السهولة قد تكون نابعة من وجود القيم المشتركة وتقارب نمط العيش والمعتقدات والقيم. وانعكاسها على المصطلحات والألفاظ المستخدمة كما هو الحال بين اللغتين التركية والعربية مثلًا.
  • مصادر التعلم: في الوقت الحالي ربما لا يعد توفير المصادر لتعلم اللغات مشكلة أساسًا، فعدم توفر النقود للالتحاق بالدورات ليس عائقًا الآن، إذ يمكن اكتساب العديد من اللغات عبر دورات الإنترنت أو تطبيقات الهاتف الذكي، أو الألعاب التعليمية ودورات اليوتيوب. ولكن قد يصدف أن يرغب أحدهم بتعلم لغة غير شائعة، وهذا سيضطره إلى بذل جهد إضافي لتأمين مصادر التعلم والحصول عليها.

 

أسهل لغة بالنسبة للناطقين بالعربية

عند أخذ ما سبق بعين الاعتبار، قد يتضح أن اللغة الإنجليزية ليست الأسهل لتعلمها بالنسبة لناطق العربية، رغم كونها والفرنسية لغتان ثانيتان رسميًا في معظم الدول العربية، وتدخلان في منهاهجها الدراسية منذ الصفوف الابتدائية. يرجع ذلك بطبيعة الحال إلى كونها لغات فرضت فرضًا على أوطاننا، سواء بسبب استعمارها المباشر عسكريًا أو استعمارها للعالم ثقافيًا ومعرفيًا، والحال أن هذه طبيعة سير الأمور، فالدولة الأقوى تنشر لغتها وتجعل المعارف مكتوبة فيها، وهذا ما درج في أحوال الأمم؛ حين كانت اللغة العربية هي لغة المعرفة والعلم قبل قرون. 

وقبل ذكر اللغات التي قد يكون تعلمها سهلًا لناطق العربية لا بد من ذكر أهمية تحديد الهدف من تعلم اللغة قبل اختيارها، فتعلمها لعمل أو سفر هو ضرورة لا شأن للسهولة والصعوبة فيه، أما إن كان التعلم لرغبة في اكتساب أصدقاء من ثقافات مختلفة أو الإثراء المعرفي فسيصبح تحديد نطاق البحث عن لغة تفي بالغرض أسهل. وهنا 5 لغات سهلة التعلم:

  • العبرية: تعلم العبرية سهل لأنها والعربية تنتميان إلى عائلة اللغات الساميّة، وهذا يعني أن بنية اللغتين متشابه، من ناحية النطق والتركيب اللغوي والنظام الصوتي، وحتى نظامها الكتابي من اليمين إلى اليسار كالعربية، رغم أن رموز الأحرف في اللغتين غير متشابه.
    سبب إضافي (أساسي) يجعل تعلم العبرية ضرورة لناطق العربية لتحديدًا، هو الوضع السياسي القائم في فلسطين (ولا أقصد مؤخرًا، بل منذ 76 عامًا)، وهو ما كان حريًا بالقائمين على وزارات التعليم عدم التغافل عنه، فالأولى كان تعلم العبرية كلغة ثانية أو ثالثة، أو على الأقل جعل تعليمها ميزة في سوق العمل، أو ضرورة للتخرج من الجامعات مثلًا.
  • التركية: تعد اللغة التركية من اللغات السهل تعلمها على ناطق العربية، وهذه السهولة ليست من ناحية النظام اللغوي، فاللغتان تنتميان إلى عائلتين مختلفتين، لذلك لكل منهما نظام لغوي خاص، ولكن بطبيعة الحال فالنظام اللغوي للغة التركية بسيط وسهل التعلم. وما يجعل التركية سهلة أيضًا هو العامل الثقافي تحديدًا؛ لتداخل الكثير من المفردات بين اللغتين بسبب الإرث الحضاري المشترك دينيًا وجغرافيًا وسياسيًا، بل حتى النظام اللغوي كان واحدًا حتى وقت قريب.
  • المالطية: جمهورية مالطا هي دولة أوروبية، ولغتها المالطية تندرج في اللغات السامية، وليس هذا سبب قربها من العربية فحسب، بل لأنها خضعت للحكم الإسلامي وقت فتحها عام 1048م، وكانت تابعة لإمارة صقلية الإسلامية، فتأثر سكانها بلغة العرب الفاتحين، رغم أنها لم تظل في حكمهم إلا قرابة 40 سنة. ورغم قربها من العربية إلى أنها لا تعد لهجة من لهجاتها؛ لأنها تأثرت باللغتين الإيطالية والصقلية، وعوضًا عن ذلك عُدت اللغة السامية الوحيدة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي لغة أوروبية رسمية. 
  • الفارسية: اللغة الفارسية من اللغات الهندو أوروبية، ينطق بها 110 مليون متحدث. وهي اللغة الرسمية في إيران التي تعد من أكبر الجمهوريات الإسلامية. وما يجعل هذه اللغة سهلة لناطق العربية هو نظام كتابتها، فما زال الرسم العربي للحروف هو المعتمد، ونظامها الصوتي قريب من العربية، إضافة إلى أن المشترك الثقافي بين العربية والفارسية يحتل حيزًا كبيرًا في العادات وطرق العيش والقيم، وحتى الكلمات التي دخلت إلى كل لغة من الأخرى بسبب الترجمة قديمًا وقت الفتوحات من الفارسية وإليها منذ عهد الخليفة عمر، أو وجود الكثير من الأعلام البارزة في التاريخ العربي الإسلامي من الفارسيين كابن الهيثم والخوارزمي، بل إن سيبويه إمام النحاة فارسي المنشأ!
  • الكردية: تستخدم اللغة الكردية كلغة أساسية في شمال العراق وتركيا وأذربيجان. وينطق بها 30 مليون شخص حول العالم منهم 20 مليون في تركيا، وبطبيعة الحال فإن الجغرافيا والإرث الحضاري المشترك على امتداد قرون جعل الكردية من أقرب اللغات إلى العربية في ألفاظها ودلالات مفرداتها.
  • الإسبانية: اللغة الإسبانية من اللغات الصوتية، أي كما تُكتب الكلمات تُلفظ، وهذا يجعل من السهل تعلمها لناطق العربية، بالإضافة إلى كونها قريبة من العربية بسبب الإرث الحضاري الأندلسي الذي لم تستطع محاكم التفتيش محوه. وهناك تشابه بين اللغتين من ناحية تعدد الضمائر ونمط التذكير والتأنيث للأسماء والكلمات وتركيب الجمل النحوي. إضافة إلى أن معظم العرب يتكلمون الإنجليزية (وإن اختلفت المستويات)، فالإسبانية قريبة من الإنجليزية كذلك. إضافة إلى أن الإسبانية لغة رسمية في 21 دولة مختلفة، قد تختلف اللهجات بينها بالطبع، وهذا قد يشكل تحديًا للدارس.

 

 لو أن دولة بلغة مغمورة لا ينطق بها سوى عشرات الآلاف، غزت العالم لصارت لغتها هي السائدة في بضع عقود، ولصار تقييمنا للغات الأخرى سهولة وصعوبة من منظور هذه اللغة. لذلك فإن معيار الحكم حول أسهل لغة في العالم ليس قاطعًا. ولعل ما يتضح في معرض حديثنا عن اللغات التي قد تكون الأسهل لناطق العربية، نجد أنها في معظمها يجمعها إرث ثقافي عبر قرون من الاحتكاك والتلازم والتبادل الثقافي والمعرفي والديني. لذلك ستظل اللغة العربية دومًا شجرة أصلها ثابت؛ تجمع في فيئها ما تفرقه السياسة.