26-أغسطس-2016

تتجه وزارة التربية الجزائرية إلى إعطاء أهمية أكبر للغة الفرنسية(ريزا/Getty)

رغم أن الدساتير المختلفة في الجزائر منذ الاستقلال الوطني عام 1962 لم تعطِ اللغة الفرنسية أية صفة رسمية، على غرار اللغة العربية ثم اللغة الأمازيغية في التعديل الدستوري الأخير، إلا أنها ظلّت في صدارة الاحتفاء بها في الإدارات والمؤسسات وتخصصات كثيرة في التعليم، ولم تفلح سياسة التعريب التي أقرّها الرئيس هواري بومدين في سبعينيات القرن العشرين، وقرار الرئيس اليمين زروال في تسعينياته، الذي قضى بمنع التعامل بغير اللغة العربية في المراسلات الرسمية، في الحدّ من حضورها في مختلف مفاصل الفضاء الجزائري.

ظلت اللغة الفرنسية في صدارة الاحتفاء بها في الإدارات الجزائرية وتخصصات كثيرة في التعليم، ولم تفلح سياسة التعريب في الحد من حضورها

في قطاع التعليم، كان التلميذ الجزائري، إلى غاية الإصلاحات التربوية التي عرفتها العشرية الفارطة، يتعلم اللغة الفرنسية منذ السنة الرابعة من الطور الابتدائي، في مقابل السنة السابعة للغة الإنجليزية، ثم بات يتعلمها في سنته الثانية. أما التخصصات العلمية في الجامعة مثل الطب والهندسة المدنية والمعمارية والبيطرة والميكانيكا، فتدرّس بالفرنسية جملة وتفصيلًا.

اقرأ/ي أيضًا: صيف ساخن في قطاع التربية الجزائري

ولئن كانت مدن الشمال، التي احتكت تاريخيًا بالفرنسيين احتكاكًا مباشرًا، ضليعة في استعمال اللغة الفرنسية وشغوفة بها، فإن مدن السهوب والصحراء بقيت ميّالة إلى اللغة العربية ولهجاتها الأمازيغية المحلية، ورصدت أكثر من دراسة علمية ضعف علامات تلاميذها وطلبتها في الفرنسية، بالمقارنة مع علاماتهم في الإنجليزية، التي كسبت، في ظل تحولات موضوعية مختلفة، ميل الجيل الجديد إليها، ليس في الجنوب فقط، بل في الشمال أيضًا، إذ تكفي إطلالة بسيطة على مبيعات الأجنحة الأمريكية والبريطانية في "الصالون الدولي للكتاب"، بالمقارنة مع الأجنحة الفرنسية، لإدراك هذا التحوّل اللغوي، في مشهد جزائري ظل معروفًا بتبعيته اللغوية إلى مستعمر الأمس، رغم أنه ليس عضوًا في "المنظمة العالمية للفرنكوفونية".

هذا الواقع اللغوي الجديد، دفع بـ"وزارة التربية والتعليم"، هذه الأيام، في سياق سعيها إلى "إصلاح الإصلاح" إلى اقتراح أن تعطى للغة الفرنسية حظوظًا أكبر في المنظومة التربوية، من خلال تدريس المواد العلمية بها في الأطوار كلها، المتوسط والثانوية إضافة إلى الجامعة طبعًا، وهو ما أشعل جدلًا واسعًا على مستوى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لم يقتصر على النخب التربوية والثقافية فقط، بل تعدّى إلى الشرائح العادية أيضًا.

تراوح النقاش بين تثمين من طرف نخبة ترى في المسعى انسجامًا مع العلاقة التاريخية للجزائريين باللغة الفرنسية، واستهجان من أطراف أخرى ترى أن الفرنسية لم تعد لغة ابتكار بالمقارنة مع اللغة الإنجليزية، مطالبة باعتماد "اللغات ذات الحضور العالمي"، بعد اللغة العربية، بحسب تعبير الرسالة التي رفعها أعضاء "المبادرة الجزائرية لمراجعة المنظومة التربوية" إلى رئيس الجمهورية. مع تسجيل انحراف بعض مؤيدي الطرح الثاني إلى مفردات الشتم والتخوين. 

أثارت دعوات وزارة التربية الجزائرية إلى إعطاء الفرنسية حظًا أكبر في المنظومة التربوية جدلًا بين تثمين ودعوة نحو التوجه للإنجليزية

اقرأ/ي أيضًا: مساجد الجامعات الجزائرية.. لله أم للأحزاب؟

في السياق، قال زهير آيت موهوب رئيس تحرير الملحق الطلابي لـ"الوطن"، أكبر جريدة ناطقة بالفرنسية في الجزائر، في إطار تقرير أعده موقع "سي. إن. إن": "إن التدريس بلغة أخرى مثل الإنجليزية، يجب أن يمرّ حتمًا باللغة الفرنسية بحكم تجذرها في الحياة الجزائرية، وإلا فإن الثمار ستكون عكسية، بسبب التعسف الذي سيجد التلميذ الجزائري نفسه ضحية له، في ظل غياب منطق التدرج ومراعاة "المكوّنات السوسيولوجية للمجتمع الجزائري"، في إشارة إلى أنه لا يمكن إلغاء الفرنسية من قائمة هذه المكونات. ويشرح فكرته في سياق آخر: "اللغة لا تعني الثقافة بالضرورة، والدليل أن نخبة واسعة من الجزائريين دافعت عن ملامح الهوية الوطنية باللغة الفرنسية نفسها".

يتساءل المربي جمال ضو على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "هل احتاجت رواندا أن تنتظر سنواتٍ لاعتماد الإنجليزية لغة ثانية بدلًا عن الفرنسية؟ وهل يُعقل أن النخب التي لا تتقن إلا الفرنسية تحكم على بقية الشعب بأن لا يتعلم إلا اللغة التي تحسنها هي؟ ما ذنب الأجيال القادمة حتى تبقى حبيسة فرنسا ولغتها وثقافتها؟". يسترسل: "إنهم يصرّون على أنه لا عبور إلى الحداثة إلا عبر الفرنسية، على الرغم من أنها لم تعبر بأية دولة أخرى، من بوركينا فاسو إلى مالي إلى السنغال إلى كوت ديفوار، وهي اللغة الأولى أصلًا هناك".

بين الطرحين، يقول الكاتب محمد بوطغان لـ"الترا صوت" -خبرة 35 عامًا في التعليم-: "إن الرافضين والمؤيدين للمقترح، يشتركون في أنهم ينطلقون من خلفيات أيديولوجية تعميهم عن الحقائق التربوية والعلمية، التي يجب أن تُراعى حتى يؤتي أيُّ إصلاح تربوي ثمارَه. ويضيف: "الرافضون للمقترح هم عادةً ممن يربطون الفرنسية بالاستعمار الفرنسي، ويرون في تعزيز حضور الإنجليزية نكاية فيها، والمثمنون هم عادة من المتعوّدين على استعمال الفرنسية في مختلف مناحي الحياة، ويرون في المقترح انسجامًا مع "غنيمة الحرب" التي ورثوها عن فرنسا". ويتساءل: "ما دمنا نتحدث عن إصلاح تربوي يتعلق بمستقبل أمة كاملة، لماذا لا نعطي الكلمة للخبراء العارفين بالسياقات والحاجات المختلفة للواقع الجزائري؟".

اقرأ/ي أيضًا:

الطالب المصري.. "ممنوع من السفر"!

علوم التربية.. اختصاص جامعي جديد في تونس