02-أبريل-2017

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (Getty)

لا شك أن تصاعد الخلافات والتوتر في الآونة الأخيرة بين أنقرة وعواصم في الاتحاد الأوروبي لن يخدم مصالح الطرفين، ويمكن أن تكون له تداعيات سلبية وضرر على العلاقات بين الجانبين إذا لم يتم تصحيح الوضع.

والمؤكد أن أي عاقل متتبع للتطورات المتسارعة لن يقبل بأن تنجر دولة محورية في المنطقة، خاصة مع ارتباطها بالملف السوري وموضوع اللاجئين مثل تركيا، إلى صراع مجهول الأفق.

يتطلع أردوغان إلى تقوية أركان حكمه وتمديد فترة رئاسته إلى 2029 وتوسيع صلاحياته، بيد أن هذه الأحلام، قد تصطدم بواقع الرفض الشعبي

أردوغان الذي اعتاد مخاطبة الملايين من الأتراك والمسلمين والعرب ممن يناصرونه، بلغة تستهدف المشاعر والأحاسيس عند كل مناسبة، دعا أوروبا إلى احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ولم يكتفِ عند هذا الحد، بل اتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل باتباع أساليب نازية ضد مسؤولين في حكومته، غداة رفض دخول وزير الخارجية التراب الهولندي في إطار الحملة التي أطلقتها الرئاسة التركية لحث الأتراك المقيمين على أراضيها للتصويت لصالح التعديلات الجديدة على الدستور.

برلين وأمستردام اللتان بررتا المنع بأنه جاء لدواعٍ أمنية، احتكمتا في تعاملهما مع تصريحات أردوغان إلى قدر واضح من التأني، إن لم نقل احتكمتا إلى العقل ومنطقه، وقد جاءت ردودهما مخففة إلى حد كبير، واكتفتا في عدة مرات بدعوة الرئيس التركي إلى التخفيف من لهجته.

اقرأ/ي أيضًا: الطاغية أردوغان.. في الدستور المصري

أردوغان لم يكتفِ بمهاجمة الدولتين كلاميًا، وإنما أعلن مباشرة بعد ذلك عن عقوبات على هولندا. وفيما كان يُنتظر أن تهدأ موجة الخلاف، فاجأ أردوغان الجميع بموقفٍ تصعيدي مهددًا بفتح الأبواب لنحو ثلاثة ملايين لاجئ على الأراضي التركية نحو بلدان الاتحاد الأوروبي، قائلًا إن بمقدور تركيا أن تقول "وداعًا" لللاجئين المقيمين على أراضيها، وأن بوسع الحكومة التركية أن تقول للأوروبيين "نحن آسفون سنفتح الأبواب ونقول وداعًا للمهاجرين".

وتفاعلًا مع منع هبوط طائرة زميلها، أعلنت وزيرة الأسرة والسياسة الاجتماعية التركية في تحدٍّ لقواعد الدبلوماسية أنها ستدخل هولندا، لكن الذي حدث أن الشرطة الهولندية منعت سيارتها من الوصول إلى القنصلية التركية في روتردام قصد مخاطبة مناصري حزب العدالة والتنمية من أفراد الجالية التركية المقيمة هناك. وقال عمدة روتردام أحمد أبو طالب، وهو هولندي من أصول مغربية، في تصريح إعلامي، أنه نظرًا لمخاوف أمنية لن يُسمح لجاويش أوغلو "وزير خارجية تركيا" بالحديث إلى الأتراك في هولندا للحصول على تأييدهم في الاستفتاء الدستوري.

أردوغان لديه دافع قوي لإنجاح الاستفتاء على الدستور ، ومن هنا يتضح مدى اهتمامه بأصوات الجاليات التركية في البلدان الأوروبية

المنع لم يمر دون نزول المئات من المتعاطفين إلى الشوارع، إذ واجهتهم السلطات الهولندية بتدخل لا يتناسب مع ديمقراطية البلد، مستعينة بالكلاب وخراطيم المياه في مشهد يحاكي تدخل الأمن التركي قبل سنوات لتفريق تظاهرة ساحة تقسيم السلمية. هذا التدخل الهولندي انتقده أردوغان معتبرًا أنه يخالف مبادئ الديمقراطية ومعه الحق في ذلك.

أردوغان لديه دافع قوي لإنجاح الاستفتاء على الدستور وكسب تأييد نحو 3 ملايين تركي يشكلون جالية قوية عريقة ومنظمة، يحق لما يقارب النصف منهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التركية. وتعد الجالية التركية أكبر قوة انتخابية بعد دوائر إسطنبول وأنقرة وأزمير، إذ يتجاوز عدد الناخبين الأتراك في ألمانيا وحدها المليون.

يتطلع أردوغان إلى تقوية أركان حكمه وتمديد فترة رئاسته إلى 2029 وتوسيع صلاحياته، بيد أن هذه الأحلام، قد تصطدم بواقع الرفض الشعبي خلال الاستفتاء إذا ما تم التصويت بـ"لا" على الإصلاحات الدستورية، خاصة أن نسبة مهمة من المغتربين الذين اضطروا إلى الفرار خارج تركيا تناوئ التصويت بـ"نعم".

اقرأ/ي أيضًا: تركيا وأوروبا.. الحروب الباردة

أردوغان الذي تلاقي خطبه الحماسية الكثير من التأييد والإعجاب من شريحة واسعة من الأتراك وفي بلدان المنطقة، أضحى ظاهرة صوتية تنهل مفرداتها من القاموس التحريضي والهجومي. فقد أثبت في عدة مناسبات أنه ليس رجل المواقف الثابتة؛ بدءًا من تغييره موقفه من إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، ثم تصريحه حول وحدة درع الفرات المقربة من حكومته بأن الهدف من إنشائها هو وضع حد لنظام بشار الأسد قبل أن يتراجع عقب انتقادات روسية-إيرانية، وليؤكد أن الهدف من ورائها ليس هو شخص الأسد وإنما التنظيمات الإرهابية فقط.

تجلت هذه الظاهرة الصوتية كذلك بعد مهاجمة أردوغان روسيا محذرًا بوتين من "اللعب بالنار" على إثر التوترات بين البلدين عقب إسقاط تركيا طائرة استطلاعية روسية، غير أنه لم يلبث أردوغان أن تراجع مقدمًا اعتذارًا كتابيًا لموسكو.

تركيا لم تعد بلد الأمن، فهناك تهديدات أمنية كبيرة على امتداد حدودها مع سوريا

تركيا لم تعد ذلك البلد الآمن، فهناك تهديدات وتحديات أمنية كبيرة على امتداد حدودها مع سوريا، سواء من طرف حزب العمال الكردستاني أو من طرف الجماعات الإرهابية كالدولة الإسلامية. كما أن القدرة الاقتصادية للبلد ليست بتلك المتانة التي تمكنه من مواجهة تداعيات خلق المزيد من الصراعات السياسية خارجيًا وتعميقها.

فداخليًا خلق أردوغان عداوة كبيرة وهو يسير في اتجاه إنهاء المعارضة، كما بات أردوغان قاب قوسين أو أدنى من إنهاء عصر الصحافة المستقلة أو المعارضة، وهناك هجوم عنيف على حرية التعبير في البلاد وهو ما يزيد في تأزيم حالة الاحتقان. وبالتالي فإن الإصرار على تحويل نظام الحكم إلى نظام شمولي لن يسهم سوى في المزيد من قمع الحريات والتضييق على المعارضة ومن ثم صب المزيد من الزيت على النار وتأجيج حالة الاحتقان.

وما المحاولة الانقلابية الفاشلة إلا انعكاس لحالة عدم الرضا التي يعرفها الوضع السياسي الداخلي. لهذا، فإن الفرصة إلى حد اليوم ما زالت أمام أردوغان لتدارك الوضع، وذلك بإعلان مصالحة وطنية شاملة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وكل شخص من ضحايا حملة الاعتقالات العشوائية الأخيرة، ما لم يثبت فعليًا تورطه في جريمة الانقلاب.

ويلزم أردوغان بعد ذلك التراجع عن التعديل الدستوري المشؤوم الذي لن يخدم سوى أهداف المتربصين باستقرار وأمن تركيا، وتفعيل الديمقراطية وحده كفيل بفرض احترام وتقدير الشركاء الأوروبيين، بما يضمن المصالح السياسية والاقتصادية للبلاد ويجنبها شبح العزلة والأزمات.

اقرأ/ي أيضًا:
حتى أنت يا أردوغان!
بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس