26-أبريل-2024
من اعتصام الطلاب في جامعة كاليفورنيا تضامنًا مع غزة

(epa) يتظاهر اليوم مئات الآلاف حول العالم مطالبين بالعدالة لفلسطين

تجاوز العدوان لإسرائيلي على قطاع غزّة المئتي يوم، ولم يُحقّق أهدافه. هذا كلام المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، لقد أعلنوا أنّ هدفهم هو منع قيام عمليات مماثلة لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر للعام الماضي، والسبيل إلى ذلك هو القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة. قاموا بقصف وتدمير كل ما استطاعوا الوصول إليه بطائراتهم ومدافعهم، حرثوا المدن والقرى حراثةً بآلتهم العسكرية، هدموا كلّ شيء في طريقهم، جعلوا القطاع مكانًا غير قابل للعيش، وهم مستمرّون، يُعلنون كل ساعة أنّهم سوف يجتاحون رفح التي كانت قد أُعلنت منطقة آمنة.

تلك صورة الوضع على الأرض في قطاع غزّة من وجهة النظر الإسرائيلية. مع مرور الوقت يبدأ الناس في التأقلم والتعايش مع الأوضاع الجديدة، وليس أبرع من الفلسطينيين في هذا الأمر. تلك الأماكن والأحياء التي أصبحت غير قابلة للعيش، حسب الرواية الإسرائيلية، نراها وقد عادت لها الحياة بعودة جزء كبير من أهلها، حتّى إنّ مخبزًا عاد للعمل في شمال القطاع. يُدرك الفلسطينيون أنّ الهدف الحقيقيّ للعدوان هو قتل أكبر عدد ممكن من الناس وتهجير الباقين، جرّبوا ذلك كثيرًا، لكنّهم الآن لن يُهاجروا، وهاهم يعودون، وتُعاود إسرائيل قصفهم، ولكنّهم يعودون.

وفي الضفّة الغربية يقوم المستوطنون المسلّحون باعتداءات يومية على بيوت وأراضي الفلسطينيين، ولكنّهم لا يرحلون. هدف إسرائيل الحقيقي هو القضاء على الشعب الفلسطينيّ، ويبدو أنّه هدف مستحيل التحقّق، والاستمرار في السعي إلى تحقيقه عبث مخلوط بالجريمة.

يُدرك الفلسطينيون أنّ الهدف الحقيقيّ للعدوان هو قتل أكبر عدد ممكن من الناس وتهجير الباقين

إنّ وهم وجود "شعب" إسرائيلي يتكشّف يومًا بعد يوم عن حقيقة أنّه وهم فعلًا، بعد كل هذه السنوات لا نرى إلاّ رجالاً ونساءً يحملون أسلحة ويُهاجمون الفلسطينيين، وعندما يتظاهرون سلميًا ضدّ حكومتهم يكون مطلبهم تحرير أسراهم، أي شعب هذا، لو كان شعبًا فعلًا، لا يُبدي أي اعتراض على جريمة حرب وإبادة جماعية ترتكبها حكومته؟ أي شعب هذا الذي أغلبه مسلّح ويعتدي بشكل يوميّ على سكّان آمنين في أراضيهم وبيوتهم؟ وهذا الكلام أنقله عن لسان الكثير من اليهود حول العالم الذين يرفضون بشكل قاطع العيش في "إسرائيل"، ويفهمون جيّدًا اللعبة القذرة التي أدّت إلى نشوء هذه الدولة على هذه الأرض.

لقد أدّى استمرار العدوان الإسرائيلي ووحشيته المفرطة إلى لفت نظر الكثيرين حول العالم إلى حقيقة ما يحدث، وجعل الكثيرين يبحثون في سبيل معرفة أصل الحكاية، وهكذا اندلعت الاحتجاجات الكبيرة في الجامعات الأميريكة، وبدأت تنتقل إلى جامعات أوروبا، ولم تُفلح آلة الإعلام ولا تصريحات مسؤولي الولايات المتّحدة عن أنّ هذه الاحتجاجات هي نشاط معادٍ للسامية في وقفها، حيث ظهر العديد من الطلاب اليهود مشاركين ومنظّمين لهذه الاحتجاجات.

تعوّدنا في بلداننا العربية على أنّ المظاهرات والاحتجاجات لا تؤدّي إلى نتائج حقيقية، ورأيناها في الكثير من الحالات تتحوّل إلى حرب مدمّرة نتيجة التعامل العنيف من السلطات معها. لكنّني أتذكّر هنا الأثر العميق الذي أحدثته ثورة الطلاب التي بدأت في فرنسا عام 1968، وامتدّت إلى جميع أنحاء العالم وأحدثت تأثيرًا حقيقيًا في النظم السياسية والاقتصادية في العديد من البلدان. اليوم يتظاهر مئات الآلاف حول العالم في حركة متصاعدة مطالبين بوضوح بالعدالة لفلسطين والفلسطينيين، ليس مهمًّا هنا كيف يرون هذه العدالة وتفاصيل رؤاهم لتحقيقها، ما يهمّ فعلًا هو اتّساع رقعة التضامن مع فلسطين، كأنّما إسرائيل ورّطت نفسها وانكشفت أمام العالم، حيث أنّ هذه الحرب المدمّرة على غزّة واعتداءات المستوطنين في الضفة، كشفت حقيقة العنصرية والعدوان التي دأبت الدعاية الإسرائيلية والغربية على إخفائها وترويج أنّ إسرائيل هي واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.

هل تخسر إسرائيل فعلًا؟ أنا لا أملك الجواب، ولكنّني أرى تاريخًا مشابهًا لأنظمة عنصرية سقطت إثر انتشار وعي عالمي واحتجاجات كبيرة، ولنتذكّر جنوب أفريقيا حيث عمّت العالم مظاهرات واحتجاجات أدّت إلى تراجع الحكومات الغربية عن دعم نظام الفصل العنصريّ هناك حتى سقط نهائيًا؛ كذلك سلوبودان ميلوسوفيتش جزّار البلقان، الذي خاض حروبًا كبيرة في يوغوسلافيا السابقة، وارتكب جرائم حرب وحملات تطهير عرقي، ورغم صمت طويل للحكومات الغربية عنه إلاّ انّها اضطرت للتدخّل تحت ضغط الضمير الشعبي حيث لم تتوقّف المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بالتدخّل لوقف همجيته وانتهى به الأمر إلى الإدانة في محكمة العدل الدولية.

أرى مستقبل قادة إسرائيل هكذا، ولم يعد بعيدًا هذا المصير. إنّ حركة الاحتجاجات تتوسّع وتتعمّق ويتزايد أنصارها حول العالم، وتركّزها في الجامعات يعني بوضوح أنّ هؤلاء المتظاهرين يعرفون جيّدًا ما الذي يُريدونه، إنّهم أساتذة جامعات وطلاّب يدرسون ويبحثون ويستطيعون الوصول إلى الحقيقة؛ حقيقة أنّ إسرائيل ترتكب بشكل يوميّ جرائم حرب على أساس عرقي وعنصري، وهذا ما سوف يجعلها تنتهي، لأنّ الإنسانية لا يُمكن أن تحتمل ذلك.

لقد حان وقت الحساب الحقيقيّ، وبدأ كشف الأوراق التي عملت دوائر كثيرة على تغطيتها، ولن يتوقّف الأمر إلاّ بإحقاق الحقّ، وهو واضح جليّ ومفهوم وموجود في قرارات الأمم المتّحدة والشرعية الدولية: شعب فلسطين اقتلع من أرضه في جريمة شنيعة عام 1948 وقد حان الوقت للعالم كي يُعاقب مرتكبيها ويُعوّض ضحاياها.