15-أبريل-2016

رجب طيب أردوغان (Getty)

خلال السنوات العشر الأولى من حكمه، لم يذكرنا الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان إلا بما قام به الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في عقد الأول أيضًا، فالأسد عزز موقع سوريا سياسيًا واقتصاديًا، وجعلها لاعبًا محوريًا في العالم، قبل أن ينقض بانتهاء ذلك العقد على مدينة حماة بحجة وجود "بعبع" لا بد من القضاء عليه، فكان "مصيرها نموذجًا لحكم الدكتاتور الذي سيرهب معارضيه، إلى أن وصلنا بعد عقود القهر والظلم والسطوة الأمنية إلى زمن صارت فيه سوريا كلها حماة.

لم يذكرنا الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان إلا بما قام به الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في عقد الأول أيضًا

أردوغان جعل من تركيا بلدًا محوريًا في العالم، وعزز موقع بلاده سياسيًا واقتصاديًا، لا بل جعل الاقتصاد التركي من أهم الاقتصادات في العالم، واليوم نجده يدمر كل ما أنجزه من خلال حربه التي يشنها على أحد مكونات شعبه الذين جعل منهم "بعبعًا"، سيؤسس له عندما ينتصر كحاكم دكتاتوري قوي ومرهوب الجانب، ولكنه سيتعامى عن أن ازدياد قوته ستكون على حساب إضعاف تركيا.

اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. انتخابات مسرح الشوك

أردوغان اليوم يجعل من حزب العمال الكردستاني بعبعًا سيمارس من خلاله شبقه الدكتاتوري على شعبه، كما فعل أسلافه من الدكتاتوريون العرب من جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد وابنه بشار وغيرهم، عندما لعبوا ببعبع الإخوان المسلمين الذي تم تصنيعه في معامل المخابرات البريطانية، لإرهاب المجتمع وفرض سطوتهم وقبضتهم الحديدية عليه، مصنع الدمى واحد لكن التسمية تختلف، والمستهلَكون "بفتح اللام" هم ضحايا الشعب الذين لا حول لها ولا قوة، وإن هم إلا وقود ماكينات السيطرة اللعينة.

أن يحاكم أردوغان أكثر من 2000 أكاديمي وأستاذ جامعي لأنهم وقعوا أو تضامنوا مع وثيقة أعلنوها أمام العالم تحت عنوان "لن نكون شركاء في هذه الجريمة"، طالبوا فيها السلطات التركية بوقف الحرب في مناطق الجنوب الشرقي ذات الكثافة الكردية، فهذا "عار" و"إرهاب" أن تواجه الإرهاب بالإرهاب، لأنك ستحفر عميقًا في الذاكرة الجمعية لشعبك، وانتصارك عليه اليوم سيعني هزيمة بلدك غدًا، لأنك ستضعفه وستدخله في دوامة عنف ستستمر لسنين لطويلة، قد تخبو ولكنها ستبعث من جديد ولو بعد حين.

من كل ما يجري في تركيا ليس الهدف شخص أردوغان وإنما الهدف هو تركيا ذاتها، التي تشي عواقب الأمور أن تفكيكها هو الهدف إن عاجلًا أم آجلًا، فالرئيس أردوغان يعلم جيدًا أن الأمريكيين لا أصدقاء لهم، وأن مصالحهم هي الأساس، ولو على حساب تفكيك الدول والقضاء عليها، ويعلم جيدًا أنها هي من تدعم حزب العمال الكردستاني، ويعلم جيدًا أن تصالحه مع السلطة الحاكمة في أربيل لا يعني ضمانه الانتصار على حزب العمال الكردستاني، فمعركة تركيا مع هذا التنظيم عمرها سنين طويلة وثمنها دم. 

أردوغان يعلم جيدًا أن انتصاره اليوم ليس فوزًا في الحرب وإنما فوزًا في معركة، لأن "البعبع" لم يخلق ليقضى عليه وإنما خلق ليكون نقطة ضعف بلد بأكمله، وأن لحظة الانهيار ستكون تحت رحمة العابثين واللاعبين بأمن هذا البلد من القوى الكبرى والصغرى، ويعلم جيدًا أنه لن يستطيع في هذا الزمن تصفية شعب بأكمله كما فعل الأمريكيون مع شعب الهنود الحمر ليستتب لهم حكم قارة بأكملها، لذلك فإن إمعانه في "إرهاب" المجتمع ليس إلا صبًا للزيت على النار، وإن لم تكن هناك مصالحة حقيقة مع المجتمع، لا مجرد عمليات تجميل في انتخابات "ديمقراطية مشوهة" فإن المجتمع مصيره الانهيار.

سيمضي وقت طويل قبل أن يدرك الجميع أن أردوغان وتنظيم "ب ك ك" وجهان لعملة واحدة

لأردوغان مثال حي لا يزال نصب عينيه، وهو صديقه القديم بشار الأسد، الذي دمر مجتمعه وفككه وهجّر أهله، فقط لأنه أرد على مدى سنين حكمه أن يعزز موقعه كدكتاتور وليس كرئيس دولة لها إرث حضاري عظيم. كانت سياسة الأسد تعتمد أيضًا على "البعبع"، وبعد القضاء على "بعبع" الإخوان احتفظ بـ "بعبع" إسرائيل. ولو أن أردوغان طبق النصائح التي قدمها لبشار الأسد والتي قيل إنها كانت "خطة للمصالحة الاجتماعية" لكان وضع تركيا اليوم أفضل بكثير مما هي عليه اليوم من حرب ستستنزف كل ما حققه لتركيا في سنواته السابقه، كما استنزف حافظ الاسد وابنه بشار الأسد سوريا وأنهكها وجعلها في مهب التفكيك.

اقرأ/ي أيضًا: يسقط يسقط حسني مبارك.. تاني

لنتذكر أنه في 2005 سوق نظام "البعث" لمشروع مصالحة وطنية بقيادة الأسد، يتم خلاله إلغاء القانون 49 القاضي بإعدام الإخوان، وإشراكهم في حكومة وحدة وطنية وتعويض أهالي حماة وتعويض المعتقلين السياسين ورد الاعتبار لهم، وهو موضوع يذكرنا بالانتخابات الديمقراطية التركية التي فشل أردوغان في استثمارها والخروج منها بجسم يجمع السلطة والنظام تحت عباءة حكومة وطنية واحدة، أعيدت الانتخابات بعدها لينصّب أردوغان نفسه دكتاتورًا" قادمًا. 

وكما فشلت لعبة بشار الديمقراطية فشلت "اللعبة الأردوغانية" أيضًا، ليتبين لاحقًا أن النظام السوري والأخوان المسلمين ومشتقاتهم ليسوا إلا وجوهًا لعملة واحدة، أو حجري رحى لطحن البلاد والعباد، فعصر الدكتاتوريات العربية لم يكن ليتوطد لأكثر من نصف قرن لولا الإخوان الذي ظلوا "بعبًا" يرعاه الغرب "الكافر" كبديل جاهز تنظيميًا بعد أن قضى الدكتاتور على كل قادة الرأي والأحزاب الأخرى، كما كان الدكتاتور نتاجهم أيضًا ولعبتهم لتفكيك المجتمعات.

سيمضي وقت طويل قبل أن يدرك الجميع أن أردوغان وتنظيم "ب ك ك" وجهان لعملة واحدة، سيستنزف فيها المجتمع التركي ويفككه ويجعله في مهب اللاعبين الدوليين الخبيثين.

منذ دخل أردوغان قصره المنيف الجديد مستعيدًا إرث أجداده العثمانيين، أصيب هذا الرجل بلعنة القصور والمُلك، أو بالأدق كان دخوله للقصر يعني دخول تركيا في مرحلة جديدة، ولكن تطورات الأحداث تقول بأنه سيفشل في أن يكون إمبراطورًا عثمانيًا، وسيفشل في أن يكون دكتاتورًا مع تغير طبيعة الأنظمة التي ستحكم المنطقة في العقود القادمة، ربما سيتمكن في النهاية من أن يكون دكتاتورًا صغيرًا أو إمبراطورًا عثمانيًا مشوهًا، ولكن الخوف أن يجهز على بلد قوي كتركيا.

اقرأ/ي أيضًا:

إخوان الأردن.. شمع أحمر على المقر العام

ما وراء صفقة الجزر المصرية