08-أبريل-2024
تظاهر في عمّان

لم تتوقف المظاهرات في اليمن منذ بداية العدوان كل جمعة، وتتظاهر الأردن منذ منتصف رمضان بشكلٍ متسمر (تويتر)

شهدت الأيام الأخيرة عودة الناس إلى الميادين العامة في عدة دول العربية، كحركات احتجاج تضامنية مع غزة.

اختلفت هذه الحركات من حيث الحجم والزخم ومدى الاستمرارية، ففي دولة مثل الأردن جاءت في زخم واستمرارية طويلة، وعلى مدى أيام عديدة دأب الأردنيون على ارتياد الميادين والتجمهر في محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان للمطالبة بإلغاء اتفاقية التطبيع ودعم المقاومة الفلسطينية وضرورة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة. 

واتجهت المظاهرات في دول أخرى، مثل اليمن والمغرب والعراق وتونس، وعلى رغم من الأعداد الضخمة في بعضها إلى وتيرة متقطعة، لكنها متصاعدة خصوصًا في أيام الجمع والعطل الأسبوعية.

عودة حركات التضامن العربية إلى الواجهة بعد فترة خفوت، يدفع إلى التساؤل حول آليات عمل هذه الحركات وطبيعة تشكلها، خصوصًا مع ما أظهرته نتائج المؤشّر العربي في استطلاعه حول الرأي العام العربي والفلسطيني نحو الحرب الإسرائيلية على غزة، التي بيّنت أنّ الغالبية العظمى من سكان المنطقة العربية تأثروا بشكل مباشر بما يحدث في فلسطين، ويعتبرون أن ما يحدث قضيتهم الخاصة، كما يشيرون إلى أن جرائم الاحتلال تؤثر على صحتهم النفسية، وهم قادرون على تشخيص ما جرى وفهم السياقات الأوسع له رغم التضليل الإعلامي المستمر.

ما تقوله نتائج المؤشّر العربي بشكل صريح إنّ العرب تغلب لديهم منذ البداية المشاعر التضامنية مع غزة، لكنّ ملاحظة خفوت الحركة العربية التضامنية الفعلية في الميادين، يأتي ليشير إلى فقدان الجماهير العربية إيمانها بفعالية الفِعل التضامني كعامل ضغط على الأنظمة التي تحكمها.

إنّ خفوت الحركات العربية التضامنية مع غزة، باستثناء التصاعد الذي لاح في بداية الحرب وفي الفترة الأخيرة منها، هو أمر يُمكن قراءته باتجاهين؛ الاتجاه الأول متعلّق في البنية السياسية القائمة، كبنية محفّزة أو مثبّطة لصعود الحركات التضامنية والاحتجاجية، وهذا الاتجاه يقوم على فرضية مفادها أنّ طبيعة عمل الحركات الاجتماعية والاحتجاجية محكوم بالبنى السياسية السائدة؛ فهذه البنى إما أن تُساهم في تطوير تعبئة هذه الحركات، وإما أن تُساهم في الحدّ من انطلاقها.

ما تقوله نتائج المؤشّر العربي بشكل صريح إنّ العرب تغلب لديهم منذ البداية المشاعر التضامنية مع غزة

بإسقاط مضامين هذا الاتجاه على الواقع العربي، يُمكن القول إنّ هناك بنية سياسية تسود في غالبية الدول العربية وتُمثّل عاملًا ساهم ويُساهم في الحدّ من تعبئة الحركة التضامنية مع غزة. هذه البنية، تعكس حجم القدرة القمعية لدى الأنظمة السياسية الحاكمة في تلك الدول، إذ أن خوف الأنظمة العربية من انحراف الحركات التضامنية مع غزة عن "مسارها" وتحوّلها إلى انتقاد الأوضاع السياسية في الدول التي تحكمها، وقلقها من أن تكون مقدمة لاسترداد المجتمعات العربية لحياتها السياسية وللحيز العام بعد انتكاسة ثورات الربيع العربي؛ يدفعها إلى زيادة استخدام القوة القمعية ضدّ هذه الحركات، بما يؤدي إلى الحدّ منها وانحسارها، وعزوف الجماهير عن المشاركة فيها خوفًا من دفع الأثمان، وتشكيكًا في فعالية الضغط المتولّد عنها.

الاتجاه الثاني الذي يُمكن من خلاله قراءة أسباب خفوت الحركات العربية التضامنية مع غزة، مُتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، وما تُحدثه من مشاعر تضامنية كافية عند الناس، ونقصد بذلك أن يكون استعراض المشاعر عبر هذه الوسائل وتصوير معاناة الناس وآلامهم كفيلًا بأنّ يُحسّن شعور صاحبه إزاء ما يحدث ويعطيه إحساسًا بأنّ هذا كلّ الواجب الذي عليه، وهو الأمر الذي يَدفع به إلى الابتعاد عن الفعل السياسي المؤثر في الفضاء العام، والعزوف عن النزول إلى ميادين التضامن الفعلي والحقيقي.

ولعلّ عودة الحركة التضامنية العربية مع غزة إلى الواجهة، تكون مبشّرة بما حدّث به المفكّر العربي عزمي بشارة في نصّ محاضرته الافتتاحية في المنتدى السنوي لفلسطين في دورته الثانية، والتي ذكر فيها أنّ احتمالية تأثير حركات الاحتجاج العربية المتضامنة مع فلسطين وغزة على الحرب الدائرة فيها هو شيء مرتبط بمدى استمراريتها ومثابرتها وتنظيمها. فهذه الحركات، بحسب بشارة، يُمكن أن تؤثّر في مواقف الدول الغربية الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة، وذلك نظرًا لاهتمامها باستقرار الأنظمة الحليفة لها في المنطقة.